الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-عرّاب الريح- ...مرافعة شعرية تاريخية في دوثان

توفيق العيسى

2010 / 1 / 16
الادب والفن



متعب يحمل صوته ديوان شعر، يتأبط الغيم كتابا تفوح منه رائحة الوطن المعفرّ بالزعتر البريِّ وبالرصاص والدم، متعب بذاكرته ولهاثه الريح المتجهة نحو الشرق، والبحر عرّاب رحلتنا، عرّاب هجرتنا الأولى وما تلاها من هجرات، والبحر ينطق اسما كنعانيا، والصخر يهزج بلحنٍ كنعاني في وجه الخرافيِ حتى العظم.

في ديوانه الأول " دوثان" يعود الشاعر عبدالسلام العطاري إلى طفولته بعد تعب استبد به، يعود إلى ثوب أمه "الأرجوان" يعود إلى ضحكته الأولى وأرجوحة معلقة في خياله.

الا أن هذه العودة لا تشبه بأي حال من الأحوال عودة الابن الضال، الذي عاد منكسراً تائباً فالعطاري عاد مشهراً الأسطورة / الحقيقة في وجه الخرافة.
دوثان بكل ما تختزله من معانٍ ورموز في وجدان الشاعر؛ شهادة على ملوك غابرين وجبابرة كانوا هنا وآخرين مرّوا من هنا، مرّوا ولم يخلفّوا سوى روث دوابهم.

يطالعنا العطاري في بداية ديوانه بتعلقه بثوب أمه " الأرجوان" فهي لحظة شعورية تسللت عبر متاعب الحياة إلى روحه، وكأننا أمام فلم سينمائي يبتدىء بحوار الذات ثم يذهب للكشف عن ماهيته .
"أنا.. المتعب من خطوات تتآكل فوق الطرقات
وهذا الطين تبغي... وشميمي ثوبك"

ثم يصرخ كمن يشاهد صورته في المرآة لأول مرة
"هذا أنا ... هذا وجهي
وهذا ضلعي مكسور كسارية"
وفي قصيدة " همس السيرة" يعبر عن عن انكساره وتعبه ولكن بصورة أشد و أقوى، فهو في قاربه وسط الأمواج يحاول النجاة ولكن بلا فائدة فلقد صنع قاربه من أضلع ابن نوح " الهالك" ومجذافه يده المقطوعة.
"متعب إيقاعي كهذا الغبش العائم اللزج
ووحدك تحمل المقادير
وهذا بحري هائج، و قاربي أضلع ابن نوح
ومجذافي من يدي المقطوعة"

الشاعر فقد البوصلة وأصبح التمني القشة التي يتعلق بها
" لو كان شعرك يا امراتي رصيف ميناء ما تهت"
ونجد ذلك التمني بقصيدة ليت التي يتمنى بها أن يكون ريشة تحمله الريح على كتف الريح.
ويصل إلى حالة مزرية يرثى لها فلم يعد يرى الجميل جميلا في قصيدة " همس السيرة"
"الليل صرخة فاحمة
والفرقد مليم صديء"
ويتساءل في طفولة وحرقة في قصيدة عراب الريح، أين الشرق؟
ولعل تلك القصائد التي يحاكي فيها الشاعر أبناءه كانت أجمل في وصفها للتشظي الذي يعيشه الشاعر وكيف تعيده براءة وحب أبناءه لطفولته هو، ولكن في هذه القصائد لم يتخل الشاعر عن الأمل.
التعب الذي ترافقه الحيرة والحب والأمل استطاع العطاري أن يكوّن منه موجا لبحر قصائده، يتماوج حسب اللحظة الشعورية والدفقة؛ فمرة عاشق وأخرى متعب حائر وأخرى يعصف به الأمل.
وعودة إلى دوثان هذه الأرض الجينينية شرق قرية عرابة، نرى لما كان يتساءل الشاعر أين الشرق؟ فلقد أضاع طفولته نسيها هناك في دوثان وها هو بعد رحلة طويلة يعود ليسأل عن الشرق.
فدوثان الاسم الكنعاني
"الذي تدخل فيه الأسماء وتخلق منه الأسماء"
اشارة إلى تأثر اللغات الأخرى باللغة الكنعانية ونشأتها على اشتقاقات لسان كنعان مؤكدة هوية الأرض، ويسترسل الشاعر في البوح وكأنه يقدم لنا مرافعة شعرية تاريخية عن الأرض عبر رسم صور للمعارك والخيول والدوري المغرد "على متن العليق" والرعاة الذين ملوا "عزف الناي بلا رقص"
ونجد حرقة في محاولة تأكيده على الهوية للأرض عبر استخدامه لكلمة " دق" مرسخا بذلك كعب "الفلستي" وبقوة.
" دوثان الشاهد على كعب فلستي دق كعبه في واد التفاح على رقصٍ فينيقي".
فلم تعد دوثان مجرد أرض وتساؤلات حول الجب الذي ألقي فيه النبي يوسف فهي " وشم الذاكرة" وهي مجموع أسئلة على شفاه الصغار عمن يشنون الحروب ولماذا يشنونها ولماذا يكتب طفل عن الحرب، ودوثان هي حيرة الشاعر في بحثه الدائم عن فكرة بجناحين وهي وثيقة عشق لباحث عن خصلة شعر امرأة بحجم رصيف الميناء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة


.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با




.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية