الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روزا لوكسمبورغ: ماذا يفعل الزعماء ؟(يناير 1919)

روزا لوكسمبورغ
(Rosa Luxemburg)

2020 / 9 / 10
الارشيف الماركسي


ماذا يفعل الزعماء ؟
(يناير 1919)

في أجواء الثورة الملتهبة, فان الناس و الأشياء تنضج بسرعة لا تصدق. قبل ثلاثة أسابيع قصيرة فقط و حين انتهاء اجتماع مجلس العمال و الجنود, بدا و كأن ايبرت و شيدمان في ذروة سلطتهم. و أن ممثلي الجماهير من العمال و الجنود الثوريين في أنحاء ألمانيا قد أذعنوا بصورة عمياء لقادتهم.
إن انعقاد الجمعية الوطنية الذي بموجبه تم حظر " الناس في الشوارع " و انحطاط المجلس التنفيذي ومعها المجالس الأخرى و تحولها إلى هيئات شكلية عقيمة. أيما انتصار للثورة المضادة على طول الخط ! . يبدو أن ثمرة التاسع من نوفمبر هدرت و رميت جانبا و أن البرجوازية تنفست صعداء مرة أخرى, و تركت الجماهير و هي في حيرة من أمرها, مخلوعة من السلاح, متوترة و في الحقيقة مشككة. إن ايبرت و شيدمان تخيلا نفسيهما في قمة السلطة.

يا لهؤلاء الحمقى العميان ! فلم يمض عشرون يوما بعد حتى بدأت سلطتهم بين ليلة و ضحاها بالترنح. إن الجماهير هي القوة الحقيقية, هي القوة الفعلية بحكم الجبر الحديدي للتاريخ. قد يتمكن أحدهم في تقيدهم لحين ما , قد يتمكن أحدهم من حرمان منظماتهم من النفوذ. غير انهم بحاجة فقط إلى استثارة, إلى من يسند ظهرهم بعزم و عناد كي تزلزل الأرض تحت أقدام أعدائهم.
من رأى المظاهرات الحاشدة في سيكسله أمس و تحسس القناعة الثورية الصارمة و المزاج الرائع و الطاقة التي تهبها الجماهير ,لابد و أن يستخلص نتيجة مفادها أن البروليتاريا قد نمت سياسيا بصورة هائلة من خلال تجربة الأسابيع المنصرمة في خضم الأحداث الأخيرة. أمسوا مدركين لقوتهم و جل ما يبقى عليهم هو كيفية استثمار هذه القوة لصالح أنفسهم.

إن ايبرت و شيدمان و موكليهم من البرجوازية الذين يزعقون دون توقف " انقلاب ", يجربون في هذه اللحظة نفس نقض الأوهام التي جربها آخر حاكم من آل بربون عندما أجاب الوزير زعقا ته حول "تمرد" أهل باريس بقوله هذه الكلمات " سيدي , هذا ليس بتمرد, إنها ثورة ".

نعم إنها ثورة , بكل تطوراتها الظاهرية الفوضوية, بمدها و جزرها المتناوب, بلحظات اندفاعها نحو الاستيلاء على السلطة التي توازي لحظات تراجع كساري الثورة. و تشق الثورة طريقها خطوة فخطوة عبر حركات انعطاف واضحة و لكنها سائرة إلى الأمام لا يمكن مقاومتها.
ينبغي للجماهير أن تحارب, و تبادر إلى العمل في النضال نفسه. يحس المرء اليوم أن عمال برلين تعلموا إلى حد كبير الإقدام الفعلي. انهم يتعطشون إلى أفعال حازمة و حالات واضحة و تدابير حاسمة . لم يعودوا كما كانوا في التاسع من نوفمبر.انهم يدركون ما يريدونه و ما ينبغي القيام به.
مع ذلك هل إن زعماؤهم الذين يشكلون الجهة التنفيذية لإرادتهم على علم بذلك بصورة جيدة ؟ هل إن الزعماء و اللجان الثورية للقضايا المصيرية لها نفس الإرادة و الطاقة النضالية التي نمت لدى العناصر الراديكالية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل في الوقت نفسه ؟ هل إن قدرتهم على العمل تواكب النمو المطرد للجماهير؟
إننا نخشى أن لا نتمكن من الإجابة عن هذه الأسئلة مباشرة بنعم. نخشى أن القادة لا يزالون كما كانوا في التاسع من نوفمبر. مضت أربعة و عشرون ساعة على هجوم حكومة ايبرت على ايكهورن*. استجابت الجماهير بحماس لنداء قادتها. تمكنت الجماهير مستندة إلى قدرتها الذاتية و بصورة عفوية من إعادة ايكهورن إلى منصبه. و بمبادرة تلقائية استولوا على مقر جريدة " إلى الأمام " و ( مكتب تلغراف فولف)و احتجزوا المحررين البرجوازيين. سعوا إلى تسليح أنفسهم قدر الإمكان و هم ينتظرون ألان تعليمات و تحركات أخرى من قادتهم.
ماذا فعل هؤلاء القادة في الوقت نفسه ؟ ماذا قرروا؟ أية تدابير اتخذوها لضمان انتصار الثورة في مثل هذا الوقت المتوتر الذي يتم فيها تقرير مصير الثورة , على الأقل للمرحلة القادمة ؟ لم نر و لم نسمع أي شيء ! لعل قادة العمال يتشاورون فيما بينهم بصورة عميقة و مثمرة.مع ذلك فان الوقت حان للعمل فورا.
إن ايبرت و شيدمان لا يضيعون بالتأكيد وقتهم بالاجتماعات. انهم ليسوا نائمين بالتأكيد. فهم منهمكون بهدوء في إعداد المكائد بحذر و حيوية معهودة من قبل الثورة المضادة. انهم يشحذون سيوفهم بغية الانقضاض على الثورة و أخذها على حين غرة و من ثم اغتيالها.
ثمة عناصر أخرى متخاذلة عملت مسبقا بحذق لتمهيد الطريق أمام " المفاوضات " و لتحقيق التنازلات و مد الجسر بين الهوة العميقة التي فتحت بين جماهير العمال و الجنود و حكومة ايبرت, و حمل " الثورة " على تقديم التنازلات لألد أعدائها.

لم يعد هناك وقت للضياع. ينبغي اتخاذ تدابير حازمة فورا. لابد من تقديم توجيهات واضحة و سريعة للجماهير و كذلك للجنود الأوفياء للثورة. ينبغي توجيه طاقاتهم و عدائهم نحو تحقيق أهداف صائبة. إن جذب العناصر المترددة إلى القضية المقدسة يتحقق بواسطة إجراءات واضحة و حازمة تتخذها الهيئات الثورية.
اقدموا على العمل ! اقدموا على العمل ! بشجاعة و حزم و إصرار. هذا هو الالتزام و الواجب " اللعين" لزعماء الثورة و قادة الحزب الاشتراكي المخلصين. انزعوا سلاح الثورة المضادة و قوموا بتسليح الجماهير. قوموا بالاستيلاء على مواقع السلطة. تصرفوا بسرعة ! هذا ما تلزمه الثورة. ساعاتها تحسب كأشهر و أيامها كأعوام في التاريخ العالمي. و لندع هيئات الثورة تدرك التزاماتها الجسيمة.


*اميل ايكهورن نائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل. كان مدير شرطة برلين أثناء ثورة نوفمبر. طرد من منصبه من قبل الحكومة المؤقتة بسبب تعاطفه مع اليسار الثوري آنذاك.
ترجمة فاروق حميد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين


.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب




.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا