الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى رحيل حكيم الثورة الفلسطينية . 2/2

رائد الدبس

2010 / 1 / 26
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


استكمالا للجزء الأول من هذا المقال الذي ركز على إبراز السمة الأساسية في النهج الذي كرسته سيرة حكيم الثورة الفلسطينية، وهي سمة الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية مهما اختلفت المقاربات السياسية والفكرية لفصائل العمل الوطني الفلسطيني، وممارسة شكل متقدم من أشكال النقد والنقد الذاتي. من هنا ما أحوجنا اليوم لإعادة إحياء تقاليد عمل سياسي كان قد أرساها وكرسها قادة كبار مثل الحكيم وياسر عرفات وباقي قيادات العمل الوطني الفلسطيني حتى باتت هذه التقاليد الوطنية الفلسطينية ملكاً لكل الشعب الفلسطيني وليس لفصيل بعينه. من هذا المنطلق فإننا عندما نحاول التطرق لهده التجربة الغنية فإن من حقنا كفلسطينيين أن نتعامل معها أيضا بمنظار نقدي يهدف لاستخلاص العبر والدروس. لأن كل التجارب قابلة للنقد بما في ذلك تجارب كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني دون استثناء.

موضوع الأيديولوجيا والبعد الوطني والقومي والكوني:

لقد شكلت الجبهة الشعبية التي خرجت من رحم حركة القوميين العرب، إضافتها النوعية الأولى للعمل الوطني الفلسطيني بأنها طرحت نفسها كفصيل قومي عربي فلسطيني يقاوم لأجل تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية. وكان تميزها بهذه الصفة يضفي قوة وزخمًا للنضال الوطني الفلسطيني بكل فصائله. فالقضية الفلسطينية لم تكن يومًا قضية قطرية تخصّ فلسطين وحدها. البعد القومي في القضية الفلسطينية كان ولا يزال أمرًا موضوعيًا واضحا، ومنسجما تماما مع فكرة وجود منظمة التحرير الفلسطينية كجبهة وطنية فلسطينية وبرنامجها النضالي. إن ما هو قابل للنقد في تجربة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - كما أن تجارب باقي الفصائل أيضًا قابلة للنقد- هو أن الجبهة قد عرّضت نفسها لمخاض تجربة تَبنّي الأيديولوجيا الماركسية اللينينية منذ بدايات عقد السبعينيات.
قد يتبادر لذهن القارئ حين يقرأ هذه الفكرة أسئلة من قبيل : - ولمَ لا ؟ أو لماذا لم يكن يفترض أن تتحول الجبهة نحو تبنيّ الماركسية – اللينينية ؟ وهل الماركسية – اللينينية حكر على أحزاب معينة دون غيرها ؟ على الشيوعيين وحدهم مثلاً؟ بالطبع وبالقطع ليس الأمر كذلك.

إن جوهر المشكلة هو أن الماركسية – اللينينية التي كانت مسيطرة على كل أحزاب اليسار والشيوعيين العرب خلال عقود القرن الماضي هي تلك الطبعة السوفيتية – البيروقراطية من الفكر الماركسي، والأهم من ذلك كلّه أن تلك الطبعة كانت مفصّلة تفصيلاً دقيقًا وفق مصالح السياسة الخارجية للدولة السوفيتية في منطقة الشرق الأوسط والعالم. وكانت الغالبية العظمى من الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية مدعوّة للتطابق التام مع تلك السياسة، وسواء تم ذلك التطابق طواعية أم لا، فإن النتيجة أن المناخ الفكري – السياسي الذي سَاد وسيطر على سجالات معظم الشيوعيين واليساريين العرب مع كل من اختلف معهم آنذاك ولو قليلاً في فهمه للماركسية – اللينينية، سرعان ما كان يؤدي إلى قذفه بنعوت الانحراف وعدم النضج وإلخ ... ناهيك عن أن تلك الطبعة السوفيتية، كانت تحمل بذور فشلها بوضوح في بلادها أصلاً ،أي في جمهوريات الإتحاد السوفيتي وباقي الدول الاشتراكية سابقا.

وباختصار، فإن تبني الجبهة الشعبية وغيرها من فصائل العمل الوطني الفلسطيني للماركسية – اللينينية في مناخ فكري كهذا، كان يعني التورط بشكل أو بآخر في مناخ فكري مضطرب بحد ذاته، وغريب إلى حد ما عن ذلك المناخ الذي نشأت وكبرت فيه الجبهة الشعبية وباقي فصائل العمل الوطني الفلسطيني. ومع أن الحكيم كان قد أطلق آنذاك شعارًا مهما وهو : يجب توطين الماركسية – اللينينية في ظروفنا وبيئتنا العربية والفلسطينية. إلاّ أن حظوظ واحتمالات النجاح بتوطين تلك "الطبعة" من الماركسية – اللينينية التي كانت سائدة آنذاك، كانت ضئيلة جدًا وهذا ما أثبتته التجارب والنتائج النهائية فيما بعد.

إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وباقي فصائل العمل الوطني الفلسطيني المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، كانت ولا تزال تشكل جسمًا وإطارًا سياسيًا أصيلاً في الساحة الفلسطينية والعربية. والأصالة لا تتناقض أبدًا مع ضرورة الحداثة والتحديث، بل من الطبيعي أن يستمر الأصيل في تحديث وتطوير ذاته ومناهج وأدوات عمله. ولكن السؤال المطروح هو : أي نوع من الحداثة ينبغي اختياره ؟ إن مأزق معظم التيارات القومية العربية والفلسطينية، أنها وجدت نفسها أمام مخاض خيار واحد هو : إما اختيار تبني الماركسية – اللينينية بطبعتها السوفيتية، ذلك الخيار الذي بدا ضروريًا لتحقيق الحداثة والتطور الفكري، وإما الوقوع في دائرة الاتهام بالجمود العقائدي القومي. وفي الحقيقة، فإن الجبهة الشعبية وباقي الفصائل الفلسطينية التي تبنت الماركسية – اللينينية ، لم تكن تعاني من جمود عقائدي قومي. إن القومية ليست عقيدة أصلاً حتى تكون مرنة أو جامدة. القومية هي هويّة طبيعية موضوعية لكل شعب ولكل أمة بمعزل عن العقائد والأيديولوجيات. فالفرنسي مثلاً هو فرنسي أوروبي القومية بصرف النظر عن معتقداته وأفكاره السياسية وكذلك الصينيّ والروسيّ والأمريكي وإلخ ... إنّ ما كان ينقص التيار الوطني والقومي العربي عمومًا هو مزيد من الانفتاح الفكري- السياسي على أمرين اثنين: الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذان الأمران لم يكونا مُغيبين عن فكر وممارسة التيارات القومية العربية والشيوعية الماركسية – اللينينية على حد سواء، لكنهما لم يحظيا بالاهتمام الكافي.

ختاما وفي هذا الإطار، فإن الإشكالية الرئيسية التي تواجهها الساحة الفلسطينية اليوم على الصعيد الداخلي قد اختلفت تماماً عمّا مضى. فهذه الساحة اليوم بمجملها باتت منقسمة بين تيار سياسي وطني ديمقراطي يتكون من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والمستقلين من ناحية، وبين تيار عقائدي إسلاموي أظهر منذ البداية بُعداً كبيراً عن تقاليد العمل الوطني الفلسطيني وعن مفاهيم الديمقراطية رغم مشاركته بعملية انتخابية لمرة واحدة. ففي الوقت الذي نضجت فيه فصائل العمل الوطني وابتعدت عن إقحامات وأفخاخ الأيديولوجيا في برامجها وسلوكها،واستقرت على برنامج وطني واضح المعالم، فإن الساحة الفلسطينية تجد نفسها أمام إقحام أيديولوجي إسلاموي جديد يطرح نفسه على ساحة العمل السياسي مُحَمّلاً بادعاءات تخلو من برنامج سياسي وطني واضح المعالم، ناهيك عن عقلية الإقصاء والإلغاء تجاه كافة فصائل العمل الوطني التي لا تزال تُصرّ على التمسك بالوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة والخيار الديمقراطي. لكن استمرار واقع الانقسام المرير هو ما يجعل غالبية الفلسطينيين اليوم يشعرون بالحنين إلى ذلك الزمن الفلسطيني الجميل الذي كانت تنتظمُ وتُحلّ فيه الخلافات الفكرية والسياسية ضمن إطار الوحدة والتمسك بالمصلحة الوطنية العليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا