الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بُرقع الوجه وبُرقع العقل.

رائد الدبس

2010 / 2 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعيدنا الجدل الذي اندلع حول حظر ارتداء النقاب أو البرقع في الأماكن العامة في فرنسا مؤخراً، إلى جملة لا حد لها من الأسئلة والإشكاليات. أول ما يتبادر للذهن من أسئلة هو: أيّ إسلام ينصّ على هذا اللباس المهين للكرامة البشرية إجمالاً، وليس لكرامة المرأة التي ترتديه فقط؟ وبما أن موضوع النقاب في جوهره لا يختلف عن موضوع الحجاب سوى بدرجات الحَجْب والتعتيم، فإن السؤال في حد ذاته ينطبق على الحجاب أيضاً. لكن، فلنترك هذا السؤال لمشايخ فتاوى هذا الزمن، يفتون فيه ويختلفون كما يشاؤون، أو كما مَلَكت أيمانهم. ولنرجع إلى ما كتبه وأفتى به قبل أكثر من مائة عام، مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده.

يقول الشيخ محمد عبده في أعماله الكاملة إن كل الكتابات التي كانت تلحّ على ضرورة الحجاب في عصره ركزت على "خوف الفتنة.. فهو أمر يتعلق بقلوب الخائفين من الرجال" وعلى من يخاف الفتنة منهم أن يغض بصره.
ويضيف أن آية غض البصر تتوجه إلى الرجال والنساء وأن المرأة "ليست بأولى من الرجل بتغطية وجهها".
ويتساءل: "عجباً، لم يُؤمر الرجال بالتبرقع وستر وجوههم عن النساء إذا خافوا الفتنة عليهن. هل اعتبرت عزيمة الرجل أضعف من عزيمة المرأة واعتبر الرجل أعجز من المرأة عن ضبط نفسه والحكم على هواه ؟ وهل اعتُبرت المرأة أقوى منه في ذلك حتى أبيح للرجال أن يكشفوا وجوههم لأعين النساء مهما كان لهم من الحسن والجمال؟ "

ما كتبه الشيخ محمد عبده عن الحجاب هو أحد فصول مجلد يقع في 730 صفحة ويضم كتاباته الاجتماعية.. الشيخ محمد عبده لم يكن مفتياً للديار المصرية فحسب، بل كان رمزاً من رموز التنوير والوطنية في تاريخنا العربي الإسلامي، فهو شارك في قيادة ثورة محمد عرابي ضد الانجليز في مصر. أما معظم مشايخ هذا الزمان، فهم يشبعوننا خطباً أنه ليس وراء حملات منع ارتداء الحجاب والنقاب في أوروبا سوى الكراهية والعداء للإسلام، وينافقهم في ذلك بعض العلمانيين على طريقتهم، الذين لا يهمّهم محاربة الجهل والتخلف الفكري والاجتماعي في بلادنا بل يهمهم استمراره لكي يظهروا بمظهر المتشددين في الدفاع عن الهوية والخصوصية الثقافية والدينية وشرف الأمة وكرامتها وغير ذلك من المصطلحات التي يختبئون خلفها، مع أنهم يعلمون علم اليقين أنهم يخونون جوهر هذه القضايا ولا يدافعون إلا عن مصالحهم الخاصة والفردية.. فأيّ شرف يمكن أن تدعيه أمه تتصدر أسوأ درجات السلم بين الأمم بمقاييس الأميّة والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والجوع والبطالة والعنف المتغلغل في كل شيء؟ هل يمكن أن يكون مجتمع بهذه المواصفات شريفاً بمجرد حجب نسائه بالحجاب أو البرقع أو ما شئتم من وسائل الحجب والإخفاء؟ وهل يمكن أن تكون المرأة العبدة حرة؟ وهل يكون الرجل الذي "يقتني" امرأة عبدة له حراً وشريفاً أيضاً؟( أصرّ على استخدام تعبير الاقتناء، لأنه يعبر تعبيراً دقيقاً عن هذه الحالة، حيث لا مكان فيها لفعل ارتباط بين طرفين متكافئين، بل مجرد فعل اقتناء) وكم من مثال حي نصادفه أو نسمع ونقرأ عنه في مجتمعاتنا لرجال ملتحين ونساء محجبات أو مبرقعات يمارسون أسوأ أنواع الرذيلة والانحطاط الأخلاقي؟ فهل هكذا تكون العفة والطهارة؟

تتحفنا الكثير من الفضائيات الدينية التي ظهرت فجأة بالعشرات، بالحديث عن صحوة دينية ودعوات لارتداء الحجاب والنقاب ومحاربة الفساد الأخلاقي عبر أنواع جديدة من الزواج مثل الزواج العرفي و الهبة و المؤقت و السياحي و المصيا ف و المسيار وإلخ إلخ.. و هي أنواع لم تعهدها مجتمعاتنا العربية والإسلامية من قبل ، وأظن أن الغالبية العظمى من أمهاتنا أو جداتنا تعتبر أي زواج كهذا مهيناً للكرامة الإنسانية عموماً، ومهيناً للمرأة ولشرفها وشرف أسرتها، بل مهيناً للمجتمع برمّته. فعن أية صحوة دينية وعن أية محاربة للفساد الأخلاقي يجري الحديث إذن؟

عبر التاريخ البشري الطويل ، كانت المجتمعات المتخلفة والمهزومة تعود إلى ما تعتقد أنه آخر حصن تبقى لها، ألا وهو "حصن العفة". وغالباً ما يقترن مفهوم العفة أو الطهارة بجسد المرأة دون الرجل. هذا ما كان سائداً في أوروبا القرون الوسطى وغيرها من المجتمعات البشرية التي كانت تغرق في الجهل والتخلف والأمراض البيولوجية والنفسية والاجتماعية. وهذا هو بالضبط ما يسود ويعمّ مجتمعاتنا المتخلفة اليوم. المرأة لا تكون عفيفة وشريفة بسلوكها وأخلاقها إن لم تكن حرة العقل والضمير والإرادة. كما أن الرجل لا يكون شريفاً إن لم يكن حر الإرادة والعقل والضمير. وبدون ذلك، فلا الحجاب ولا النقاب ولا أي اختراع آخر يمكن أن يضمن العفة والشرف الحقيقي والكرامة البشرية.


الأمر اللافت للانتباه، أن النقاش الدائر في أروقة الجمعية الوطنية الفرنسية(البرلمان) حول ارتداء البرقع، يحاول أن يتوخى أقصى درجات الحذر والاحترام واختيار التعابير الملائمة- على الطريقة الفرنسية- في الحديث عن ظاهرة تذكّرهم بأوحال وظلام تخلف العصور الوسطى الذي كانت تغرق فيه أوروبا آنذاك. ومع أنها لم تلجأ لاختراع البرقع أو الحجاب، بل اخترعت ما سُمي بحزام العفة، فالأمر لا يبتعد عن الإساءة للكرامة البشرية الأنثوية والذكرية على حد سواء، وهو ما لا يطيق العقل الأوروبي احتمال عودته إلى المجتمع بأي شكل من الأشكال.

في كتاب الفهرست يقول ابن النديم: أن الحَسَن هو ما حسُنَ في العقل. من هنا فإن ما يراه العقل قبيحاً هو قبيح، وما يستحسنه العقل فهو حسن. والحسن هو من أسماء الله الحسنى. والله جميل يحب الجمال بكل معانيه السامية، ولا أظنه يرضى لمخلوقاته البشرية أن تمشي على الأرض مثل خيام سوداء أو مثل أشباح ترى ولا تُرى. منظر المرأة التي ترتدي البرقع هو منظر قبيح ومُهين. لكن ما هو أقبح وأكثر إهانةً لمجتمعاتنا هو برقع العقل..فعندما يحتجب العقل وتكون قيمته وقيمة المعرفة لدينا في أسوأ أوضاعها، تتساوى في العبودية والتخلف، المرأة التي ترتدي البرقع على وجهها وجسدها مع الرجل الذي "يقتنيها". وسواء كان البرقع قطعة من قماش، أم غير ذلك، فالنتيجة ذاتها. وسواء انطلق الرجل الذي يخفي امرأته خلف البراقع والجدران، من منطلقات دينية أم غير ذلك من منطلقات وأسباب، فالأمر يتعلق بقلوب رجال خائفين على حد تعبير الشيخ محمد عبده.. فإذا ما نظرنا إلى فضائنا الاجتماعي العربي نظرة متأملة، كيف نفهم ظهور الكثير من رجالنا، ممن يدعون العلم والتقدم والتحرر واحترام المرأة، بكامل حيويتهم ونشاطهم وأناقتهم المظهرية والأدبية والفكرية، بينما لا تظهر نساؤهم المحددة إلا من خلف حجاب؟ إن ظهرت أصلاً !! أما نساؤهم المُتَخيّلة والمشتهاة، فحاضرة بقوة فيما يقولون ويكتبون ويفعلون. بل يؤسفني أن أقول : حاضرة بقسوة ليس لها مثيل. إنها حالة من حالات الانفصام النفسي والاجتماعي العام، حالة فريدة يتساوى فيها مشايخ الجهل والغرائز مع من ينظّرون لحقوق المرأة وحريتها خارج حدود "حريمهم" التي لا ظهور ولا صوت لها. أليس هذا هو بُرقع العقل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عنصرية الفكر وضلال العقل
أبو إسلام أحمد عبد الله ( 2010 / 2 / 2 - 13:25 )
في الحقيقة يحتار المرء في تصور ما عليه مثل هذه المفاهيم ، التي ترى أن العقل البشري يمكن أن يكون مرجعاً للقيم ، ولو أجهد الكاتب نفسه بعيداً عن غضبه تجاه من يخالفه ، لأدرك أن ما قاله عن الحُسن مثلاً مخالف لأبسط المفاهيم العقلية ، إذ كمال الحسن عند كل مسيحي العالم هو للعذراء أم يسوع على سبيل المثال ، وهذه الصورة العلم ، نجدها عند مسيحي أمريكا اللاتينية وأفريقيا ذات وجه أسود وشعر مجعد ، وعند مسيحي أوربا بيضاء الوجه خضراء العين منسدلة الجدائل ، وهكذا
لكن الذي اتفق عليه الجميع أنها ، ترتدي الحجاب وتغطي الجسد من الرأس إلى إخمص القدمين با عتبار أن هذا هو المظهر اللائق بقداستها ومكانتها في النفوس ، ومن هنا يظهر الخلل العقلي والمفاهيمي لدى كل من ينسى نفسه ليصب جام غضبه على الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة ، وبفكر عنصري مقيت يقول (هذا اللباس المهين للكرامة البشرية إجمالاً، وليس لكرامة المرأة التي ترتديه فقط؟)
ويكون أشد خللاً أن نغالط التاريخ ونقول أن العفة هي آخر حصون المتخلفين لأنها على مدى العصور كانت سمة قصور النبلاء ، والعري هو للجواري والغانيات والزواني ، وهذ هو حاله حتى يومنا هذا .

اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك