الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل الحُلم.. أم حُلم الرحيل؟!

نواف خلف السنجاري

2010 / 2 / 2
الادب والفن


في طفولتي المبكرة، قتلوا تمردي، حين منعوني من إشعال عود الثقاب كما كنت أرغب.. على مقعد الدراسة الأول اغتالوا حريتي في الكلام والتعبير عن نفسي.. ولمّا بلغت سن المراهقة وضعوا أمامي وحولي عشرات التابوات: (حرام أن تنظر إلى ابنة الجيران، جريمة أن ..... ، طهر حواسك!، ادفن شهوتك، الخ)..
عندما صرتُ في عنفوان الشباب، وقررتُ عدم الخوض في حروبهم العبثية، وشرعتُ في زرع الورود التي أدمنتُ رعايتها، اتهموني بالجنون والجبن.. أقحموني في تفاهاتهم، ولأني لا أجيد القتال أمضيتُ عشر سنوات في الأسر.. هناك خلف سواتر العدو قضوا على ما تبقى من إنسانيتي!!
سقط الصنم على ستار العبودية، وأشرقت شمس الحرية! فتحتُ كل نوافذي أمام نسائم الديمقراطية! مسحتُ الغبار عن جميع كتبي المخبئة، أخرجتُ دفاتري القديمة من أوكارها! أزلتُ الصدأ عن كلماتي المكتوبة ، وأرسلتها مع الريح.. زرتُ قبر صديقتي التي دفنوها وهي حية! ودعتها وبدأتُ من جديد، وفتحتُ صفحة أخرى.. تزوجتُ، وبنيتُ بيديّ كوخاً صغيراً يضمني مع طفلي الوحيد- الذي ودعته والدته ورحلت إلى السماء ما أن فتح الصغير عينيه للنور- .
تركتُ زورق العبودية وانطلقتُُ نحو ساحل الحرية الذي عقدتُ عليه آمالي! علّمتُ طفلي كيف يشعل عود الثقاب دون أن تحترق أصابعه.. عوّدته على زرع الورود والأزهار، حطّمتُ كل القيود التي أثقلت كاهلي وأعطيته أجنحة ليحلق بخياله وفكره إلى أبعد مدى ممكن، انتظرتُ سبع سنوات حتى جلس فوق مقعدي القديم في مدرستي العتيقة!!
هناك في رطوبة الصف أرادوا أن يملئوا رأسه الغض بتفاهات فلسفاتهم الفارغة، ويلقنوه مبادئ أفكارهم القديمة التي نخرها الدود.. وكرروا كل ما بدءوه معي!!
خشيتُ على طفولته البيضاء من ظلام قسوتهم، وعلى أفكاره البريئة من قذارة تحجرهم ومقتهم للجمال.. كل ما علمته إياه من حب الطبيعة والجمال أصبح مهدداً بالكسر والتهشيم، جميع المبادئ التي عشقتها وأردتُ أن أضعها أمامه حين يكبر، صارت محكومة بالسجن المؤبد.
نزعتُ النير الذي وضعوه حول عنقي، وأحرقته ليكون بدايةً حقيقية لي ولأبني.. أمسكتُ بيده الشفافة، أدرنا ظهورنا لكوخنا الصغير، وانطلقنا نحو أفق جديد قد يحمل في طياته أملاً بحرية حقيقية، وفرصة لحياة غير مزيفة ..
سنرحل..
ونبحثُ لنا عن أناس آخرين صادقين.. يقبلونا على علاتنا، وفقرنا! ويقدرون مواهبنا، ويحترمون أخلاقنا !!
لقد اقتنعتُ أخيراً بأن (عاماً واحداً) نعيشه بعمق وصفاء تحت أشعة الشمس، نستنشق فيه هواء نقياً فوق سواحل البحر، أفضل من حياة طويلة فارغة نعيشها في مستنقع مظلم!!

عبارة أخيرة ( بعد أن دار الثور لسنين طويلة حول حجر الرحى، اعتقد انه قطع مسافات شاسعة! ولما أزالوا عن عينيه العصابة.. بكى.. لأنه كان لا يزال في نفس المكان)!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تأمل
khald ( 2010 / 2 / 2 - 17:37 )
الامل لولاه عليه لكنت في حبك ضحية (ام كلثوم) ان حلمك لازال في محله يمتص رحق عدم الرحيل تجد نفسك ثابت بينما احلامك سهد الحياة التي لاتنهي يااخي يانواف تزيدنا احزانك حزنا مضاعفا لصياغتها بطريقة اريك الحياه وانت فان او ليس فيها تأمل ان الصبر جميل وحساب الرب ليس كحسابنا وانشاء الله يكون بيدر الحياة امامك ....

اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة