الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطراف نهار -الأيام- الفلسطينية ونقطة ضوئها.

رائد الدبس

2010 / 2 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تزخر الساحة الثقافية والسياسية الفلسطينية بكتّاب كبار ومبدعين في شتى ميادين الكتابة بما فيها كتابة المقال السياسي والثقافي . لكن على سبيل المثال فإنّ اثنين من كُتّاب صحيفة الأيام الفلسطينية لا يمكن لأي قارئ مثابر أن يمرّ على مقالاتهما مرور القرّاء الكرام، هما الحسنيْن خضر والبطل ، حيث يمكن اعتبارهما ركنيْ هيكل صحيفة الأيام الفلسطينية بجدارة .

من حُسن حظ قارئ مثلي إلى جانب قراءة الأيام وغيرها، أنني عشتُ في زمن محمود درويش الجميل ومجلة كرمله الأجمل في "مكانه السيّد"، التي أتمنى ألا تطول غيبتها بعد غياب الشاعر. فمن هناك بدأت رحلة انتباهي لكتابات حسن خضر وحواراته الذكية التي أذكر منها على سبيل المثال حواراً في غاية الذكاء، أجراهُ عام 1997 مع واحد من أشهر أساتذة الأدب العبري وهو البروفيسور يهوشواع الذي يُدرّس في جامعة حيفا ونشرته مجلة الكرمل في العدد رقم 50 . حيث يمكن القول أن رواية المثقف الفلسطيني حسن خضر قد أربكت رواية المثقف الإسرائيلي يهوشواع تماماً، مع أن حسن خضر لم يكن يسرد "سرديّات تاريخية جليلة " مثلما فعل محاوره، بل يكتفي بطرح الأسئلة الإشكالية الذكية،إلى درجة أن الاستفزاز بلغ بالبروفيسور يهوشواع أن يصف الشعب اليهودي بالخُنثى، حيث قال في تلك المقابلة حرفيّاً: " إن اليهودي يضع نفسهُ دائما في صراع ، لأنه خُنثى، هذه مشكلة..هذا يعطيه التفرد ككائن إنساني يجمع في نفسه بين العنصرين:الأنيميا والأنيموس…لا تعرفُ مع من تتعامل: هل أمامك شعب أم دين ؟؟ هذا الغموض يجعل اليهودي إشكالياً، لذا فقد أحضرناهُ إلى هنا كي يصبح طبيعياً…كي يصبح شعباً ، لنحولهُ من خُنثى إلى شعب ".

في نقطة ضوئه الأخيرة ، "من يكتب الحكاية يَرثْ أرضَها" ، يكتب حسن خضر كعادته عن محمود درويش والاحتفاء بيوم ميلاده كيوم للثقافة الوطنية الفلسطينية ، لكن بطريقة مختلفة تماماً عن الآخرين. فهو لا يجعل منها فرصة للحديث الاحتفالي العاطفي عن محمود درويش وشعره وسيرته والعلاقة التي ربطته به لسنوات طويلة خلال عمله كمدير تحرير مجلة الكرمل التي أسّسها ورأسَ تحريرها شاعرنا الراحل، بل يُحدّد إحداثيات الكتابة نحو أسئلة الإبداع الجوهرية والأساسية التي تثيرها المناسبة وتطرحها أمام المبدعين الفلسطينيين وأمام الحراك الثقافي الفلسطيني بوجه عام : لـماذا وكيف تصبح الثقافة وطنية، ولـماذا وكيف تكرّس ثقافة كهذه خصوصية الفلسطينيين بالـمعنى الثقافي في الزمان والـمكان.
تتجه الكتابة عند حسن خضر في كل مرة نحو إرساء تقاليد ثقافية وفكرية تتسم بالعمق والديمومة، بعيداً عن تقاليد الاحتفال العاطفي ذي النزعة الرومانسية أو النرجسية السطحية. وتتجه كتابتهُ في كل مرة نحو معنى وجَدوى الكتابة وليس للكتابة في حد ذاتها. ذكرتني نقطة ضوئه الأخيرة وهو يتحدث عن الشاعر القومي في حياة الأمم والشعوب بالنداء الذي وجههُ ستالين للشعب الروسي عبر المذياع حين وصل الغزاة النازيون إلى مشارف موسكو : "دافعوا عن وطن بوشكين وتولستوي"، ولم يقلْ دافعوا عن وطن لينين أو بطرس الأكبر مثلاً..وباختصار شديد، فإن كتابة حسن خضر عبارة عن مدفعية من العيار الثقيل كما شبهها حسن البطل.

أما البطل حسن، فهو يشبه قائد كتيبة مشاة أو فرسان في ميدان الكتابة. يتجول ضمن خطة ورؤيا يومية واضحة بين أفراد كتيبته ويقودهم بكل هدوء وثقة نحو مربع من الأرض، مُحدّد بدقة ومهارة. ولا يضيق البطل ذرعاً أو يتردد في نشر كل الانتقادات والملاحظات التي يوجهها له قرّاؤه في الميدان، بل ينشرها ويحاورها على طريقته الخاصة التي لا تشبه أحداً في الكتابة. عناوينه لا تدلّ على أحد سواه: من القارئ رقم 117 / من القارئ رقم 135 والخ./ عَ الخفيف. / نحن نبني./ القبيلة الضائعة.. الفلسطينية./ كواليس عسكرية للمسرح السياسي./ في بلاد تحتاج زعيماً وتحظى برئيس./ عُصمليّة جديدة./ دولتان ثنائيتا القومية!/ مستوطن يصيح في برلمان فلسطين !/ ميدان دلال المغربي. /استراحة على عشب الملاعب./ والخ.
يتجول البطل بأريحية لافتة ، غير مكترث بالألغام الكامنة ولا بالقذائف التي تتساقط حوله. في مقالته "نحنُ نبني" تراه يحثّ الخطى ويوجه الأنظار إلى ضرورة الانشغال بورشات بناء حقيقي في كل الميادين . وفي مقاله " ماذا نريد للقدس؟ موسكوفيتشات مسلمين" يعيد تذكير الأثرياء العرب والمسلمين بأن بوصلتهم الحقيقية يجب أن تشير إلى القدس. وبعناوين ظريفة وطريفة من قبيل "عصمليّة جديدة" يستطيع أن يرصد ويحلل المتغيرات الحاصلة في المشهد السياسيّ الإقليميّ ويقدمها للقراء بصورة واضحة وبنكهة ومذاق القهوة العصمليّة.

في مقاله "مستوطن يصيح في برلمان فلسطين"، يُظهر البطل سخرية لاذعة من ضيق الخيارات في الفكر السياسي الإسرائيلي ويطرح خياراً ثالثاً لا يخلو من منازلة فكرية ساخرة. لسان حالها/حاله يقول: نعرف أن المسألة مُعقّدة ومُتَداخلة، في إشارة منه إلى الخيار الثالث الذي طرحهُ: "دولتان ثنائيتا القومية". لكنه ربما يكون أفضل من وجود خيارين حدّّييْن: الانفصال وتقسيم المجال الجغرافي الفلسطيني، أو إلحاق الفلسطينيين بدولة "ثنائية القومية". لذلك لا تستغرب أن الأديب الراحل إميل حبيبي كان قد وصفَهُ قبل عدة سنوات ممازحاً بالعَكْروت، رداً على دروشة ضاحكة من دروشاته الساخرة عن إبقاء مستوطنة يهودية واحدة في كل محافظة من محافظات الضفة الفلسطينية حتى يتعلم أولادنا بأولادهم ضرب الشلاليط..!! مثلما لا تستغرب "قفشاته" الذكية عن محمود درويش وياسر عرفات .

يستطيع حسن البطل بأسلوبه الفريد والسهل الممتنع أن يوصل فكرته للجميع، سواء اتفقوا أم اختلفوا معه. فهو كاتب شعبي دون أن يكون شعبوياً، جريءٌ وواقعي في الوقت ذاته، سليطٌ ولاذعٌ دون أن يسقط في الوقاحة أو الابتذال. يُمسك حسن البطل بالقضية الوطنية من كل أطرافها السياسية والاجتماعية والثقافية ، لا يتوه في دهاليز أو ممرات الكتابة الشعبوية التي تضخّ النقصَ بالنقص،أو الظلامَ بالظلام ، بل يكتب ليضخّ الأمل بالأمل في وضح النهار.
حسن البطل يعطي نموذجاً للكاتب الشعبي العام الذي لا يسقط في الشعبوية، وحسن خضر يعطي نموذجاً للكاتب النخبوي العام الذي لا يسقط في التعقيد والغموض، دون سعي منهما لأيّ لقب أو تصنيف.

هنيئاً لأيامنا الفلسطينية بحسن خضر وبالبطل حسن وبكل الكتّاب الفلسطينيين الذين يدافعون بأقلامهم عن قضية وطن أنجب شاعراً قومياً مثل محمود درويش.
أخيراً ، نعلم أن مقالات حسن خضر تُتَرجم للإنجليزية والألمانية، وهذا أمر جيد ومهم، لماذا لا تُتَرجم مقالات حسن البطل أيضاً؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال