الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دائرة التخارج اصلاح ديني ام اصلاح سياسي ؟

يوسف محسن

2010 / 2 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ارتبط ظهور الإصلاح والتنوير الديني في المجتمعات الإسلامية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، مترافقاً مع التغيرات الجذرية التي شهدها العالم. وحسب تعبيرات جلال العظم، فإن هذه العملية الضخمة من إعادة الترميم في الأنظمة المعرفية الإسلامية، تشاكلت مع حركة إصلاح التنظيمات في الدولة العثمانية نتيجة عاملين رئيسين أوّلهما:

احتكاك النخب العثمانية وتجمّع المعلومات عمّا كان يجري في أوربا على امتداد نصف قرن من تقدّم عسكري وعلمي وثقافي، في حين كانت الامبراطورية العثمانية تخسر مقاطعاتها أمام التوسّع الأوربي، ثانيهما: الضغط الحاصل على الدولة من الأسفل نتيجة نموّ ونشوء طبقة وسطى حديثة بعد الاختراقات الرأسمالية لبنية الامبراطورية، هذه الطبقة الاجتماعية لها امتيازاتها وأهدافها الإصلاحية، ولها امتدادات في المستعمرات المحيطية للامبراطورية، اذ كان العالم العربي جزءا مهمّا من هذه المستعمرات مما يتطلب إزالة العوائق أمام طريق الاندماج بالاقتصاديات الرأسمالية العالمية، والذي يتمثل في علاقات الإنتاج القروسطية.
وقد تبلورت الأطر الاجتماعية لحركة تجديد النظام المعرفي الديني الإسلامي ونقد المنظومة التقليدية، عبر مجموعة من المفكرين أبرزهم محمد إقبال،ومحمد عبده،… حيث انتظمت هذه المشاريع التجديدية النقدية بالكشف عن تناقضات المعرفة الدينية الاسلامية ومعطياتها الميتافيزيقية، وطرح محاولات الاندماج بالحداثة ضمن مجال ديني/ فكري يتسم بالتنوع والاختلاف وتعدد الأنساق الثقافية، وكانت هذه المشاريع الإصلاحية تتجه نحو تفكيك نظام الأنظمة للمعرفة الدينية المتمركز حول ذاته، والذي أنتجته المؤسسة الإسلامية الرسمية.
إلا أن هذه المشاريع الإصلاحية في تأريخية المعرفة الدينية الإسلامية لم ترتق إلى مستوى الحركة المقوّضة لسلطة (رجل الدين ) في المجتمع، فضلا عن عدم وضوح الرؤية في التجديد، وهو شأن كل التنقيحات الأساسية سوى كان ذلك في الفكر الشيعي الإمامي، أو الفكر السني الحديث.
حيث يحدد عبد الله العروي ثلاث كيفيات آيديولوجية في محاولة لفهم التأريخية العربية ضمن التأريخ العالمي، نجد تعبيرات هذه الأنساق أو الكيفيات التي تشكلت منذ القرن التاسع عشر، تلعب أدوارا متباينة حتى الآن، وذلك بسبب خروج العالم الإسلامي من الدورة التأريخية العالمية.
-1 الشيخ الديني: يحدّد التعارض الجذري بين الغرب/ الشرق في إطار آيديولوجية دينية، وداخل ثنائية صارمة مسيحية/ إسلام، وهو يشتغل على ميراث تأريخي ضخم يعيد إنتاجه رغم الاختلافات والتحولات في المجال التأريخي.
-2 رجل السياسة الليبرالي: حاول أن يحتل المسرح السياسي، وبحكم تلاشي الطبقة الاجتماعية أو الشريحة التي كان يمثلها، فقد تم إقصاؤه عن الدولة والمجتمع، بعد ولادة الدولة القومية التي أسست تكويناتها البرجوازية الصغيرة ذات النزعات الفاشية القومية.
-3 القومي التقني: تشكل مع الانقلابات العسكرية، حاول بناء دولة انحدرت من مشروع دولة وطنية أو دولة قومية إلى دولة فاشية، عشائرية، دفعت المجتمعات العربية والإسلامية من الحقل السياسي إلى الحقل الرعوي.
ومع تقلص البدائل الآيديولوجية والسياسية الشاغلة في هذه المجتمعات، أو فقدان قوتها الستراتيجية بسبب الأزمات ا لعالمية، وظهور تأثيرات الحداثة المعرفية والسياسية، برزت ظاهرة الأصولية الدينية داخل المجال التداولي الإسلامي، وتمثل أحد احتقانات المسار الكوني للحداثة، ونتيجة للتغيرات الجذرية في شبكات البنى والقواعد المعرفية والأنظمة القيمية وأنساق الهوية والذهنيات التقليدية، وهنا تكمن الأزمة الدورية للأنظمة المعرفية الدينية الإسلامية وآليات اشتغالها، وهي حصيلة مرتبطة بعجز كامل في الأدوات والمفاهيم والمقولات عن استيعاب الوقائع والمعطيات التأريخية، ويمكن إرجاعها إلى ثلاثة مآزق:
- مأزق تكويني؛ يتصل بالعناصر المكونة للمعرفة الدينية وبطبيعة هذه المعرفة، يظهر عادة من خلال تنافر الموضوعات أو الآليات (مدى إجرائية الاجماع والقياس في المعرفه الدينية والاختلاف حول ذلك لاسيما في تنافر المواضيع المعقولة مع تلك التي ينبغي التسليم بها.
- مأزق بنيوي علائقيّ؛ وهو مأزق منطقيّ، يبدو من عدم قدرتها على الاستجابة لمجالها الذاتي تأسيساً أو إصلاحاً أو تغيراً من تبادلها مع مجال آخر وفي علاقتها بغير مجالها بما يحدث تركيباً مصطنعاً أو عجزا عن الإدماج، إذا حصل اقتراض.
- مأزق فاعلية؛ وهو مأزق عملي اجتماعي، يتصل بفعل المعرفة في المجتمع، أي اختلال قاعدة العرض والطلب اذ يطرح الواقع (قضايا ومشاكل) ما يتجاوز الأحكام والتشريع وتصبح الأزمة متعلقة بممكنات الاحتواء والاستجابة للمطلب الاجتماعي المتغير، حيث ان الانظمة المعرفة الدينية كما يحدّدها أركون، قدّمت للإنسان ليس فقط التفسيرات والايضاحات، وإنما الأجوبة العملية القابلة للتطبيق والاستخدام بما يتعلق بالوجود والآخرين والمحيط الفيزيائي، بل حتى الكون فهي توصف.
أوّلاً: المعرفة الدينية بذاتها شكل آيديولوجي.
ثانياً: المعرفة الدينية لها أهمية في مجتمع خاصّ وعند نقطة تأريخية خاصة.
وهنا تشتق الأنظمة المعرفية الدينية (المعارف الحافّة بالدين) زخمها من الأجوبة التي تعطيها عن الأسئلة الوجودية وتعليلها للأصول التأريخية والنظام الطبيعي، فضلا عن السلطة التي تمتلكها نتيجة نقص التعليلات، سواء كانت تأريخية أو طبيعية أو تكنولوجية.
اذ تقوم الأنظمة المعرفية الدينية على تقنيات غير معقدة، وتؤسّس دلالاتها على زخرفة تنكرية بسبب تداخلها في متون متعددة من اللاهوت حتى السياسة والعلوم الطبيعية وأنظمة الخطابات (الخطابات السياسية، الخطابات الآيديولوجية التبشيرية، الخطابات الفلكلورية) يقوم بانتاجها منظّرون علماء، صنّاع، فهي أنساق وعناصر اجتماعية تعمل في مجال التأكيدات الآيديولوجية، وداخل نظام المفاهيم الاسطورية الما قبل علمية، بانتمائها المرجعي إلى الحادث الديني، تمرّ عمليات إنتاج المعرفة الدينية عبر شبكات وآليات الأبنية المعرفية الدنيوية سواء تعلق الأمر بمفهوم الفقه السياسي أو الاندماج بالحداثة.
- إنّها نسق من مركبات الثقافة والتأطيرات الاجتماعية- الاقتصادية تقوم بعملية امتصاص الشاغل الثقافي، وتعيد انتاجه عبر شبكة من التمثيلات فهي نتائج تأريخية أثريات النظام المعرفي.
- إنتاج أرحام مادية- تأريخية تختزل تقنيات الوعي الاجتماعي إلى وعي ديني، عبر تفكيك البنيات الأساسية للوعي.
- تتميّز الأنظمة المعرفية الدينية بخطاب لغويّ
- الأنظمة المعرفية الدينية (تصوّرات أو تمثيلات) تخفي وقائع اقتصادية – اجتماعية يحاول صانعوها إضفاء تأطيرات مطلقة عليها بوصفها خارج التأريخ.
ومن غير العلمي أن يجري البحث بشأن المعرفة الدينية بوصفها معرفة قائمة بذاتها وتتحرك على وفق قوانين فوق تأريخية أو وثائق ميتافيزيقية مفصولة عن تأريخيتها ومرجعياتها، لكونها ترتبط بنظام دلالي خارج عن الوعي الفردي (لهذا فهي تمثيلات لتلك العلاقات التي تربط الأفراد بظروفهم في الحياة (التوسير) اذ أنها أنظمة تنازعية، تناظر الصراعات الاجتماعية ولا تنشأ بصورة تلقائية، أو من دون ممهدات سياسية في جوهرها، مندمجة بالأنساق الاجتماعية والفلسفية والاقتصادية لمجتمع خاص، فهذه المعرفة الدينية سواء كانت نتاج المجال الشيعي الإمامي (الخوئي) (الغروي)، أو المعرفة الدينية السنية (سيد قطب) (الكبيسي) (الترابي)، هي شبكة من التعبيرات متموضعة في حقل التاريخ ومرتبطة بـ حقل التفكير، وهي نتاجات بشرية تلعب دوراً وظائفياً في تغيب التراتب الهرمي للمجتمعات، وتقوم بتوصيف الكائنات الاجتماعية من أجل العمل الاجتماعي وأفعال التغير، وآليات البقاء والدفاع والإخصاب الجنسي، والسياسات الغذائية، والعلاقات مع الآخر الغرب، والمنتوجات الأدبية والآيديولوجية والثقافية، وتعليب اللحوم والأجبان، والأسلحة، وفق ثنائية (المقدس/ المدنس) وتخضع للتمايزات في الهوية الدينية داخل الرحم المادي بسبب وظائفها المتعددة، للمحافظة على التوازنات وسلوك الأفراد وقداسة العناصر الثقافية، عبر شبكة معقدة تمر عبر المتن المقدس الى عمليات التبادل والاستهلاك (افراد او جماعات ).
لذا فإنّ فعاليات الأنظمة المعرفية الدينية الإسلامية تخضع للاشتراطات السوسيولوجية، عبر عمليات معقدة من الترابط والتفاعل مع البنيات المؤسساتية للمجتعمات، أسوة بالأنظمة العلمية والفلسفية والاخلاقية، عبر ثلاث قواعد منهاجية.
- السياقات اللغوية والإمكانيات التصورية والنظام المفاهيمي والمقولاتي.
- حقل تفكيرالأنظمة المعرفية الدينية تشغل داخل النظام المعرفي القروسطي.
- الفضاء المجتمعي وعلاقات الانتاج .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في لبنان ترفع من وتيرة عملياتها على الموا


.. أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم




.. شبكات | مكافآت لمن يذبح قربانه بالأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟




.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني