الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملف إيران النووي ( دراسة في الموقف الدولي من التطورات الأخيرة )

سهيلة عبد الانيس

2010 / 2 / 17
السياسة والعلاقات الدولية


ملف إيران النووي ( دراسة في الموقف الدولي من التطورات الأخيرة )
الحلم النووي الايراني قصة جذورها قديمة وتعقيداتها كثيرة على الرغم من تصريح المرشد الإيراني الأعلى" آية الله علي خامنئي" بأن "الأسلحة الذرية ليست إسلامية"، إلا أن المرء لا يمكن أن يستنبط من ذلك أن طهران مستعدة اليوم لتقديم تنازلات عن كل ما يُطلب منها. ذلك لأن مسؤولي إيران كانوا في تسعينيات القرن الماضي يرددون دائما عبارة "إن الإسلام يحرم تصنيع الأسلحة الذرية واستخدامها" عندما يوجه المجتمع الدولي إليهم تهمة تصنيع القنبلة الذرية.
ان ذلك لا ينكر ان إيران قد بدأت بالفعل برنامجها الذري في سبعينيات القرن العشرين. وعلى الرغم من أن الحاكم آنذاك "محمد رضا بهلوي" كان يدعو إلى الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، إلا أنه كان يريد القنبلة أيضا لدرجة أنه صرح عام 1974 أمام صحفيين غربيين " أن إيران سوف تملك أسلحة نووية دون شك وبسرعة لا يمكن أن يتصورها أحد"، في هذه النقطة بالضبط تغير موقف الحكومة التي تلت الشاه بوضوح وبصورة مبدئية على كل الأحوال ، ذلك لأن مؤسس جمهورية إيران الإسلامية" آية الله الخميني" " قال إنهم لا يحتاجون إلى الطاقة الذرية لوجود ما يكفي من البترول" ، وكان أيضا لأسباب دينية تحرم كل أسلحة الدمار الشامل، ذرية كانت أو جرثومية أو كيماوية. ولهذا أوقف البرنامج الذري في إيران ولم يستعمل أيضا الأسلحة الكيماوية والجرثومية في الحرب ضد العراق . الا ان الجال تغير بعد ذلك اذ عاودت ايران نشاطاتها النووية مدعية انه لاغراض سلمية ولانتاج الطافة الكهربائية فحسب .
ست سنوات مضت على فتح الملف النووي الإيراني للنقاش في المحافل الدولية، ففي صيف عام 2002 بدأت أنباء هذا الملف تحتل مساحة كبيرة في الساحة الإعلامية وخاصة بعد نشر تقارير وصور من قبل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة حول مواقع نووية إيرانية. التقارير التي أخذتها أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية على محمل الجد لينتقل الملف إلى أيدي سياسيي تلك البلدان. توقيت نشر تلك التقارير كان مهما بالنظر إلى حالة الإحباط الدولية من عدم نجاح حركة الإصلاح الإيرانية التي بدأت 1997 من إحداث تغيير في المشهد السياسي الداخلي الإيراني وكذلك الأمر في موضوع السياسة الخارجية. الأمر الآخر الذي تجدر الإشارة إليه هو أن التحضير إلى تغيير النظام في العراق كان على قدم وساق في ذلك الوقت، كما أن حربا على أفغانستان كانت قد منحت إيران دورا كبيرا في المجتمع الدولي لا سيما بعد تأييدها الحرب على أفغانستان لانهاء حكومة طالبان . بعد هذه التطورات كان واضحا أن الولايات المتحدة عازمة على إعادة إيران وإبقاءها في دائرة الاتهام والعزلة السياسية عن المجتمع الدولي، وهو الأمر الذي نجحت واشنطن وبعض الدول الغربية على تحقيقه في جانبه الأول (إبقاء إيران في دائرة الاتهام) ونسبيا فيما يتعلق بتعزيز العزلة السياسية على طهران.
خلال هذه السنوات برزت ثمة قضايا هامة يجب التوقف عندها:
الأولى: إن السمة العامة الأساسية لتطورات هذا الملف هي التصعيد على المستويين الإعلامي والسياسي، وقد انعكس ذلك من خلال انتقال الملف من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن وتحديدا ليتم التعامل معه تحت مقررات الفصل السابع. في هذا السياق كانت القرارات الدولية 1737و1747و1803 والتي فرضت مستويات مختلفة من الحظر الاقتصادي على إيران و فشل كل المبادرات التي اقترحت- سواء من الإيرانيين حينما توقفوا عن تخصيب اليورانيوم من طرف واحد عام 2004، أو من الأوروبيين في حزمتي الحوافز عام 2005و2006- في وقف هذا التوتر، لا بل على العكس فإن الرفض الإيراني كان من وجهة النظر الأوروبية تأكيدا على عدم تعاون إيران وعدم سلمية برنامجها النووي، وهو الأمر الذي ابقى التوتر في اعلى درجاته دافعا بالأمور باتجاه الخيار العسكري الذي لم يتراجع الحديث عنه رغم تأكيد تقرير مجلس الاستخبارات الأميركية في عام 2007 على أن إيران أوقفت بالعمل أي نشاطات نووية ذات طابع عسكري.
الثانية: نجحت الولايات المتحدة في جلب دعم أوروبي ملفت للنظر من بريطانيا وفرنسا العضوين الدائمين في مجلس الأمن، ثم تجاوزت ذلك لإقناع شركاء إيران التجاريين في الاتحاد الأوروبي لا سيما ألمانيا التي انضمت إلى المجموعة الدولية ضمن ما يسمى المجموعة5 +1. ولعب انضمام ألمانيا التي كانت توفر نوعا من الدعم المالي في مجال التأمين وتوفير نوع من التغطية المالية للتجارة الخارجية إلى التحالف الدولي ضد إيران إلى أن يواجه الاقتصاد الإيراني تحديا حقيقيا دفع بإيران إلى نقل معظم احتياطاتها من البنوك الألمانية والغربية إلى آسيا.ولم تكتف واشنطن بذلك بل انها سعت إلى أن تضاف ايطاليا إلى مجموعة ال5+1 لتصبح 5+2 وهو الأمر الذي عنى مزيدا من الضغط الاقتصادي على إيران ، لا سيما إذا ما عرفنا أن ايطاليا تشكل الشريك الأوروبي الثاني لإيران. وما تجب الإشارة إليه في هذا السياق هو أن ألمانيا لم ترغب في انضمام ايطاليا.
الثالثة: تداخل تطورات الملف النووي الإيراني مع تطورات ملفات إقليمية متفاعلة أو ناشئة كتطورات الصراع العربي الإسرائيلي وتطورات الملف اللبناني وأخيرا تطورات ما بعد 2003 في العراق. وقد أدى الحضور السياسي لإيران في هذه الملفات إلى توصيف هذا الحضور بأنه رغبة في التوسع السياسي وربط ذلك بتطوير برنامجها النووي كنوع من إظهار قوتها الإقليمية، وقد نجحت الولايات المتحدة في خلق حالة إقليمية معارضة لايران وهو الأمر الذي زاد من تعقيد التطورات السياسية في مناطق التوتر المشار إليها .
ربما يصعب التكهن بما آل اليه هذا الملف والى أين تذهب الأمور، لكن هناك أمرين هامين يجعلان المراقب يميل إلى عدم التفاؤل:
الأول: هو أن الملف تم تسييسه وعسكرته من خلال أخذه إلى مجلس الأمن وتحديدا تحت الفصل السابع الذي طالما انتهى إلى استخدام الخيار العسكري، خاصة وأن الموقف الإيراني لا يرغب بالتنازل عن موضوع التخصيب الذي يعتبر وفق القرارات الدولية العصا السحرية التي من شأنها أن توقف مسألة التصعيد.
ثانيا: لا يبدو من الحكمة التقليل من الدور الإسرائيلي في هذا الملف والذي يعتبر امتلاك إيران للقدرات النووية في حد ذاته تهديدا لوجود إسرائيل، وهو الأمر الذي لا يسمح للأطراف الدولية بتقديم تنازلات لإيران من جانب، كما انه وان حصل وان قدمت الدول تنازلا فإن إسرائيل لا تعتبر نفسها ملزمة بتغيير موقفها من إيران. الأمر الآخر الذي يجب التذكير به أن كل التخمينات الأميركية والإسرائيلية تتحدث عن أن إيران ستمتلك القدرات النووية الصالحة للاستخدام العسكري في العام 2010، وهو الأمر الذي يعني ضرورة الإبقاء على حالة التصعيد والضغط مستمرة، وهو أمر يعني زيادة للتوتر الذي قد يتسع في أي لحظة إلى نوع من الاستخدام للقوة العسكرية، وهو بدوره ربما يؤدى إلى اندلاع مواجهة يصعب تحديد ملامحها .
الى ذلك شهد الملف النووي الإيراني خلال الفترة القليلة الماضية تطورات متسارعة جعلت هذا الملف مفتوحاً على كل الاحتمالات الممكنة. ففي أواخر أيلول 2009 كشفت الدول الغربية أن إيران قامت سراً ببناء مفاعل نووي جديد لتخصيب اليورانيوم في منطقة جبلية حصينة في مدينة "قم" منذ عام 2006، من دون علم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مخالفة واضحة من جانب إيران لالتزاماتها الدولية في هذا الشأن.
ولم يكن الكشف عن هذا المفاعل السري مفاجأة للذين يتابعون نمط السلوك الإيراني النووي على مدى سنوات عدة، والذي يغلب عليه نهج المراوغة لكسب الوقت، وعدم الشعور بالحرج في العدول عن رأي سبق أن صرح به مسؤول إيراني ما، الأمر الذي كان ومازال يعد من أهم العوامل التي تزيد من صعوبة التنبؤ بالمواقف الإيرانية ومعرفة مدى مصداقيتها.
ولم تكن الدول الغربية لتفوت هذا التطور المهم من دون أن تحاول استغلاله لتأكيد شكوكها حول مدى سلمية البرنامج النووي الإيراني، وتشديد الضغوط الدولية المفروضة على إيران؛ فقد حرص قادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا على الكشف عن هذا المفاعل السري بشكل يُحدث صدمة للرأي العام العالمي، ولذا تم اختيار مقر اجتماع قمة العشرين للإعلان عن ذلك التطور ليحدث صداه الدولي الواسع، بهدف خلق جبهة تضامن دولية متماسكة في مواجهة طهران، التي تستغل تباين مواقف المجموعة الدولية وتوظفها لخدمة مصالحها. كما تبنت هذه الدول لهجة حادة ضد إيران، متهمة إياها بأنها تمثل "مصدراً للتهديد في الشرق الأوسط والعالم"، مطالبة إياها باحترام التزاماتها الدولية في هذا الشأن، في هذه الاثناء فتح الموقع النووي الجديد للتفتيش الكامل. و وجه " الدكتور محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية" بدوره انتقادات لإيران على أساس أنه كان يتعين عليها إبلاغ الوكالة بهذا المفاعل بمجرد شروعها في إقامته، طبقاً لالتزاماتها المترتبة على انضمامها للاتفاقية الدولية لمنع الانتشار النووي وطالبها بتفعيل البروتوكول الإضافي )سبق أن وقعت عليه إيران، لكنها لم تصدق عليه حتى الآن.( من جانبها عملت إيران على امتصاص غضب المجتمع الدولي عبر اتخاذ عدة خطوات تكتيكية استطاعت من خلالها تنفيس بعض الضغوط التي صاحبت الكشف عن هذا المفاعل النووي السري، سواء بالتقليل من أهميته عبر الزعم بأنه مخصص لتوليد الكهرباء وأن مستوى التخصيب فيه سيكون بحدود 5% فقط، وهو مستوى منخفض لا يكفي لإنتاج مواد انشطارية تستخدم في صنع القنبلة الذرية، وأنهم أبلغوا الوكالة الدولية به قبل إعلان الغرب عنه (وهو تصرف اضطرت إليه طهران بعد أن تأكدت أن الاستخبارات الغربية تعرف بأمر المفاعل الجديد، وأن هناك نية للكشف عنه في توقيت يزيد من الضغوط الدولية المفروضة عليها، لذا بادرت هي بالكشف عنه). غير أن هذه الخطوات والتصريحات لم تأت بالنتائج المرجوة إيرانياً؛ لأن الضرر بسمعة إيران وبمصداقيتها كان قد وقع بالفعل بعد الكشف عن هذا الموقع السري، الذي عزز شكوك أطراف كثيرة في مصداقية وشفافية النهج الإيراني.
وقد دفع الكشف عن هذا الموقع السري والضغوط الدولية التي رافقته طهران إلى تخفيف حدة تشددها حيال برنامجها النووي، وبدا هذا واضحاً خلال مؤتمر جنيف الذي عقد في مطلع تشرين الأول 2009؛ حيث أكدت طهران أنها ستسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المنشأة النووية الجديدة في قم للتأكد من عدم استخدامها للأغراض العسكرية، وتم تحديد موعد لذلك هو يوم 25 تشرين الاول 2009، كما أجرت محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة على هامش الاجتماع، كانت هي الأعلى مستوى بين الدولتين منذ ثلاثة عقود، ووافقت إيران من حيث المبدأ على إرسال اليورانيوم إلى الخارج لتخصيبه وتحويله إلى وقود نووي بغرض استخدامه لأغراض الأبحاث الطبية. ونتيجة لهذه المواقف خرج المجتمعون في جنيف بانطباعات إيجابية ربما بأكثر مما كان متوقعاً، وتم النظر إلى هذه المواقف على أنها تمثل مؤشراً قوياً إلى استجابة مشجعة وإيجابية من جانب طهران للخيار الدبلوماسي.
وقد عكست تصريحات الأطراف المختلفة المشاركة في محادثات جنيف هذه الصورة التفاؤلية. فسعيد جليلي رئيس الوفد الإيراني وصف الاجتماع بأنه "خطوة تقدم إيجابية" تم خلالها شرح وجهات نظر الطرفين، وتقرر أن تستمر المفاوضات وأن يحدد إطارها، بينما ذهب علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي إلى أبعد من ذلك بقوله" إن الاجتماع أحدث تحولاً كبيراً وتجاوز أسلوب التحكم والمساومة وسلك مساراً منطقياً". وعلى الجانب المقابل اعتبرت واشنطن على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون أن " الاجتماع كان بنّاء" وشددت على ضرورة أن تقترن الأقوال بالأفعال، و تبنت باريس وبرلين وجهات نظر مماثلة. أما البرادعي فأوضح أن هدف الاجتماع كان الانتقال من حالة "القلق" إلى عملية "بناء ثقة" بين الجانبين، والبدء في التحرك من "التآمر" إلى "التعاون ".واستكمالاً لهذه النبرة التفاؤلية التي عززت الآمال بإمكانية حدوث تفاهم يقود إلى تسوية سلمية للملف النووي الإيراني، أعلن مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، في منتصف شهر تشرين اول 2009، أنه قدم مسودة اتفاق إلى إيران وثلاث من القوى الكبرى) أمريكا وروسيا وفرنسا( نص على قيام طهران بإرسال "1.2" طن من مخزونها المعلن من اليورانيوم منخفض التخصيب، الذي تصل كميته إلى "1.5" طن إلى روسيا، كي تقوم بزيادة درجة تخصيبه، ثم ينقل إلى فرنسا لتحويله إلى قضبان وقود، ويعاد بعدها إلى إيران لاستخدامه في مفاعل يانتاج نظائر مشعة تستخدم في الأبحاث الطبية.وقد اتسم الموقف الإيراني من هذه المسودة بالتردد والارتباك الواضح، ففي البداية رحبت طهران بمسودة الاتفاق، ثم عادت وأكدت على لسان أكثر من مسؤول أن هذا العرض غير مقبول. ويرجع المحللون هذا التردد إلى خوف إيران من أن تضعف سيطرتها على مخزونها من الوقود النووي، أو أن ينظر إلى قبولها هذا العرض على أنه يمثل تنازلاً للولايات المتحدة والغرب، وقامت طهران في المقابل بتقديم مقترح جديد، طلبت فيه السماح بشراء يورانيوم مخصب من الخارج، وليس إرسال ما تمتلكه هي من يوارنيوم للتخصيب في الخارج، وأكدت أن الوكالة ملزمة بتزويد إيران بالوقود النووي بناء على اتفاق منع الانتشار النووي ، وقد نظر البعض إلى هذا الأمر على أنه محاولة من جانب طهران للتهرب من الالتزامات التي تعهدت بها في جنيف وكسب مزيد من الوقت.
من واقع هذه التطورات، ومن خلال المعرفة بحقيقة السلوك الإيراني ، يصعب تصنيف التغيرات الحادثة في الموقف الإيراني، وما إذ كانت تكتيكية أم استراتيجية. فهل أقدمت طهران على اتخاذ تلك المواقف بغرض تهدئة المجتمع الدولي وكسب مزيد من الوقت لاستكمال خططها النووية؟ أم إن هذه المواقف نابعة من قناعتها بأن المفاوضات الحالية هي مفاوضات الفرصة الأخيرة، وأن مهلة إثبات حسن النوايا بالأفعال وليس بمجرد الأقوال لن تطول إلى أكثر من نهاية العام 2009، وبعدها قد تتعرض لعقوبات وضغوط تزيد من صعوبة المشكلات التي تواجهها.
وإذا كانت كلمة "العقوبات" لم يتم تداولها خلال اجتماع جنيف، فإن ما تم تسريبه أو إعلانه عن حجم العقوبات الشاملة القادمة في حالة فشل المفاوضات، والتي ستشمل عقوبات مالية ومصرفية وحظر تصدير احتياجات إيران من البنزين والحصار البحري... إلخ، ستكون كفيلة بإعادة سيناريو حصار النظام العراقي السابق والتي ادت الى انهاءه .
إن الطموح النووي الإيراني أصبح قضية شعبية إيرانية ومصدراً لشرعية نظام الحكم الإيراني، ولاسيما أن طهران قطعت شوطاً مهماً في هذا المجال وأصبحت تمتلك تكنولوجيا التخصيب، وتستطيع إدارة دورة وقود نووية كاملة، إلا أن نوايا إيران المستقبلية ما زالت غير معروفة. بمعنى آخر هل ستكتفي بما حققته، وهو ليس بالقليل، لتلافي الأسوأ مستقبلاً؟ أم ستذهب إلى أبعد من ذلك وتغامر بتحدي المجتمع الدولي؟
وهنا لابد من القول أنه لا توجد في السياسة خدمات مجانية، وتأمل طهران حدوث تقارب مع واشنطن والخروج بصفقة ما مقابل تنازلات متبادلة، ويبدو أن الوضع الراهن بكل معطياته على الجانبين قد يهيئ الطريق لتقريب المسافات السياسية بينهما، وقد يمهد لعقد صفقة شاملة بينهما تسمح بالوصول إلى خط التوازن المقبول من كلا الطرفين، أي قبول الدول الغربية بواقع البرنامج النووي الإيراني في مجمله وخطوطه العامة، وذلك نظير قبول الإيرانيين بتخلي برنامجهم النووي عن الطموحات العسكرية، والسماح بمراقبته، ليطمئن المجتمع الدولي.
ولكن إذا كان من الصحيح القول إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، فإنه من المهم أن تكون هذه الخطوة في الاتجاه السليم. والزمن وحده هو الكفيل بتأكيد هذه النظرة التفاؤلية أم نقضها. وستكشف الاجتماعات القادمة عن أي من المسارين سيتخذه هذا الملف الشائك.
ردود الفعل الدولية:
ذلك التقدم الجوهري في الموقف الإيراني،و الذي أشاد به مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريره، لم يكن لافتاً لأوروبا وواشنطن وكأن الإدراك الغربي لنص التقرير وقف عند عدم اتضاح الرؤية كاملة لدى الوكالة الدولية حول مقدار تقدم البرنامج النووي الإيراني، ومستنداً إلى عبارة للبرادعي يصف فيها التعاون الإيراني بأنه غير ديناميكي.ادى الى توحّد موقف واشنطن وحليفتيها لندن وباريس، داعياً إلى تشديد الضغط على طهران لتوضيح الجزء المتبقي في صورة لم يكمل التقرير تفاصيلها بعد، وتتعلق بضرورة تطبيق إيران للبروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي إضافة إلى وقف تخصيب اليورانيوم.من جانبها امتناعت الصين عن النسج على منوال الحلفاء الثلاثة بامتناعها عن حضور اجتماع كان مقرراً للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا وإن لم يؤثر على آلية التعاطي الأوروبي مع الملف الإيراني النووي فإنه أحدث قلقاً في الأوساط الدولية. قلقٌ دفع الإدارة الأمريكية إلى تحذير الصين من تحميلها المسؤولية كاملة في حال شُنّت حرب على إيران، بينما تتجه العلاقات الصينية الإيرانية نحو تقارب أساسه تعاون اقتصادي.
خلاصة القول ان "النظام الإيراني يريد القنبلة حتى لا يتكرر ما حدث عام 1980 عندما خاض حربا مع جاره" "مصلحة النظام" هذا هو المبدأ الذي يعلو على كل شيء وبه يمكن تفسير الأحكام الإسلامية - التي تتعارض مع الحكم – من جديد أو قد يتم إلغاؤها. وحتى يتمكن الخميني من تشريع هذا المبدأ أوعز قُبيل وفاته بتأسيس ما يُسمى بمجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يبت نهائيا في الأوامر الإسلامية التي تتعارض مع مصلحة النظام. وكان هناك تخوف جراء هذا العمل البراغماتي من أن تفقد الثورة بعضا من ذوات الأفق الإسلامي الضيق.

وكان رئيس هذا المجلس رفسنجاني بالذات الذي حاول عام 2001 التوفيق بين القنبلة والإسلام، حتى إنه قال: إننا لا نريد العيش بفكرة أن الاعتداء علينا قد يكون ممكنا، كما لا نريد أن تؤدي المواجهات إلى حرب عالمية ثالثة، وهذا أسوأ ما قد يحدث. وإذا جاء اليوم الذي يتسلح فيه العالم الإسلامي بأسلحة مناسبة مثل التي تملكها إسرائيل فلن تبقَ لإسرائيل بعدُ هذه الغلبة الاستعمارية. ذلك لأن إلقاء القنبلة الذرية على الآخر يعني بالنسبة لإسرائيل أنها ستُمحى في حين أن العالم الإسلامي لن يُصاب إلا بالضرر فقط. هذا التصريح – إلى جانب تصريحات أحمدي نجاد – الذي يعتبر دليلا واضحا على أن إيران تنوي بالفعل الاعتداء على إسرائيل بالأسلحة الذرية، وهذا التصريح يتكرر دائما بصيغة: قنبلة واحدة تكفي لمحو إسرائيل عن الوجود . ولكن إذا قرأ المرء التصريح بالكامل فسوف يتبين أن رفسنجاني لا يعني الهجوم، بل التخويف طبقا للمبدأ الناجح الذي اتسمت به العلاقات بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي عقودا طويلة. لهذا السبب تبدو رغبة الإيرانيين في امتلاك القنبلة أكثر من محتملة، وهذا لا يعني أنهم يريدونها ليستعملوها كمهاجمين، ولكن النظام يريد القنبلة حتى لا يتكرر ما حدث عام 1980 ، وأيضا لأن النظام ترقب عن كثب نهاية النظام العراقي، واستنتجت إيران من ذلك أن من لا يملك القنبلة يُعتدى عليه، ومن يملكها يسلم من ذلك..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
جاسم ( 2011 / 11 / 6 - 11:33 )
المزاعم الاميركية والتهديدات الاسرائيلية الاخيرة ضد ايران مفضوحة ومكشوفة الاهداف عشية بحث الملف النوي الايراني في الوكالة الدولية للطاقة الذرية،
http://www.alalam.ir/news/821524

اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال