الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعادة انتاج سؤال الديمقراطية العراقية

يوسف محسن

2010 / 2 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


خطاب امام المؤسسة الوطنية للديمقراطية في واشنطن العام 2003 بين الرئيس الاميركي (ان انشاء عراق حر في قلب الشرق الاوسط سيشكل نقطة انعطاف في الثورة الديمقراطية الكونية) هذه العملية الكبرى والتي بقيت طي الكتمان الفكري في العالمين العربي والاسلامي والعالم العراقي المضطرب تحتاج الى مراجعات دورية على صعيد الدراسات الاكاديمية والسياسية وذلك لكونها نقيض للاستعارات الهيغيلة والفكر الاستشراقي الاوروبي والتي يقوم على فرضيتين اساستين الفرضية الاول: هي ركود التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية للعالم الشرقي وبالذات العالم العربي والفشل الدائم في التغيير والتحول.
الفرضية الثانية: هي ان الامم الصغيرة او مجموعة الاقليات لا تسهم في تطوير الرأسمالية كنظام علاقات اقتصادية عالمي.
ان هذه الفرضيات ادت الى تشكيل صوراً فكرية نموذجية صارمة داخل النظام الاستشراقي المؤسساتي عن ديناميكية المجتمعات الغربية. كونها مجتمعات فاعلة في صناعة التاريخ ازاء مجمعات الشرق، بوصفها استبداديات بلا تاريخ وفضاء سياسي للركود والانحطاط والفوضى وهامشية الفلسفة والثقافة. وادخلت بلا مراجعات نقدية في الانظمة الفكرية والسياسية للمجتمعات الغربية، حيث تعتمد لغة ايديولوجية بسيطة تأخذ صفة البداهة والمطلقية وتخاطب الوعي السطحي. وتحولت الى حقائق، انها انظمة تغييب الاقتصادي بما يعنيه الاقتصاد من وجود فاعل في التاريخ وعلاقات انتاج وقوى وانساق تاريخية وهيمنات وتحذف الحقل السياسي. (القاعدة المادية التاريخية التي تقوم فوقها مفاهيم الديمقراطية والمساواة والحرية والحياة الطبيعية السوية).
ان هذه الفرضيات الهيغيلة المؤسساتية تحاول تثبيت واكتشاف العناصر اللانسبية والاسطورية والبيولوجية المثالية خارج حقل التاريخ (الشرق اوسطي) او البحث عن عوامل جوهرية لتحديد كليات الشرق بديلاً معرفياً لقراءة التاريخ الحقيقي لتقسيم العمل العالمي او تحديد الاشكال السياسية للصراعات داخل مجتمعات الشرق او طبيعة الاستحواذ على السلطة السياسية والفشل الاقتصادي للدولة الوطنية الشعبوية مابعد الاستقلال والتي تشكل احد السمات البارزة للانظمة الكليانية الشرق اوسطية ما ادى الى بناء منظومة ايديولوجية كاليات دفاع في معاداة الغرب والحداثة الفكرية والسياسية وقد وجدت ضالتها في الايديولوجية القومية ذات الميل الفاشي والعدواني للتعددية والتنوع الاجتماعي والاثني والقومي.
فالديمقراطية ليس اداة سحرية وانما مسارات تاريخية ضخمة اقتصادية وسياسية وفكرية واحزاب وطبقات وصراعات وطوائف وقد اثبتت التجربة العراقية ذلك. فقد ذهب ملايين العراقيين الى محطات الاقتراع معناه وجود اغلبية صوتت للمستقبل عارفين بانهم يخاطرون بحياتهم في كل لحظة من هذه العملية وكان ذلك انجازاً عظيماً كما يقول برنارد لويس (لقد ربحت الديمقراطية معركة وليس حرباً وما تزال تواجه مخاطر متعددة ويمكن ان تثبت الانتخابات العراقية انها نقطة تحول في الشرق الاوسط لا تقل اهمية عن وصول الجنرال بونابرت والثورة الفرنسية الى مصر). حيث تم تثبيت دستور دائم للعراق الفيدرالي وتكريس الفريضة الغائية في العالمين العربي والاسلامي التداول السلمي للسلطة السياسية التي تعتبر احدى الثيمات الكبرى في الديمقراطية فضلاً عن تأسيس عناصر المجتمع المدني التي تأخذ عبر مسارها كقوة ضاغطة في البنية السياسية للمجتمع العراقي والسعي نحو التحديث واقامة اقتصاديات السوق مما يحول الدولة الى هيئة سياسية وبناء دولة القانون ما يؤدي الى فتح حوارات عقلانية تنويرية هي الكفيلة بالتوجه صوب العقلانية السياسية انها مسارات التاريخ وهي مشروع تنويري قبل كل شيء.
تتضمن التداول السلمي للسلطة السياسية والتعاقد الاجتماعي وتقسيم السلطات والخضوع للقانون واقامة المجتمع المدني وتثوير المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية واستيعاب الاخر السياسي والديني وانتاج مجموعات بشرية بعيدة عن الهوس الديني والاسطوري وهذيانات الاحزاب القومية والعشائرية والاحزاب ذات التركيبات الطائفية.
فضلاً عن انها كتشكيل مجتمعي.
وكممارسة سياسية تقوم اولاً على اختيارات ثقافية لصالح النزعات العقلانية عبر تحديث النظام التعليمي والخدمات الاساسية ونظام المواصلات واضعاف تأثيرات القادة السياسيين التقليديين وعندما نتفحص البنى المجتمعية العراقية نجد ان عدم حدوث (التراكم الرأسمالي الاولي) بسبب آليات التوسع في مجتمعات المركز وطبيعة الدولة الريعية العراقية الذي كان من الممكن ان يؤدي الى قيام عناصر الفصل بمختلف اشكالها في المجتمع والتي تمثل حجر الزاوية في فلسفة الديمقراطية وهنا يكمن مأزق مشروع الديمقراطية في العراق وتظل في هذه الحالة فرضية شكلية وجزئية ناقصة بسبب انحراف بنيوي في المجالين السياسي والاقتصادي وضعف الطبقات الاجتماعية الوسطى (حاملة التنوير والديمقراطية) وفشل المجتمع العراقي في خلق شخصية مدنية او تحول ذاتي الى ثقافات حديثة وجذرية وعلمانية.
فالديمقراطية في العراق كما هو معروف لم تنبثق من خلال الصراعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أي الضرورة التاريخية للمجتمع وانما تم صياغتها (منظومتها الفلسفية والاقتصادية) بعد التغيير السياسي العاصف العام 2003 حيث لم تتوفر لها لحد الان البنية التحتية الكاملة (احزاب او مجتمع مدني، او بنية مؤسساتية).
فضلاً عن ذلك يلعب الارث السيوسيولوجي للدولة العراقية (الدولة المركزية الاستبدادية، الحزب القائد، الفرد التوتاليتاري) دوراً فاعلاً في تقويض بعض البناءات الديمقراطية في العراق، حيث تحول البناء المؤسساتي للدول مابعد 2003 الى استحواذ (العشائر الطائفية الاثنية) على المؤسسات والاجهزة الحكومية واستفحال الفساد المالي والاداري وذلك لتوفر حماية ثقافية ودينية لهذا الفساد، وكذلك انتشار القيم القبلية في بنية الدولة العراقية وهي احد المعايير الجوهرية التي تتصادم مع المجال الديمقراطي.
اضافة الى ذلك حداثة المجال المدني في المجتمع العراقي وهو بحاجة الى تأطيرات فكرية متعددة وفاعلين اجتماعيين ديمقراطيين/ مدنيين. لم يستطيع المجتمع انتاجهم.
فالديمقراطية العراقية اتسمت بالفوضى في الممارسة السياسية وهي تناقض الديمقراطية والتي هي عبارة عن نسق متكامل من القيم والممارسات تتبنى المساواة بين مختلف الافراد والجماعات وتحقق الحرية للمواطنين.
فضلاً عن ذلك ان الديمقراطية العراقية المتحققة حققت تماثل فج بين الدولة والمؤسسات التمثيلية مع تركيبات المجتمع العراقي الما قبل الدولة (الخارطة القومية والدينية والطائفية والعرقية) وذلك لكون هذه التركيبة تمثل اصالة المجتمع المخترع سياسيا من قبل هذه الجماعات.
ادت هذه التركيبة الى نتائج مأساوية على الصعيد السياسي والمجتمعي وذلك لانها تفتقد الى سيرورات التمركز السياسي للمجتمع حول نواة صلبة مهما اختلفت التيارات السياسية او تنوعت اتجاهاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا