الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية/الثيوقراطية/ الاسلامية/الليبرالية مفاهيم لايفهمها اصحاب الشأن

نزار احمد

2010 / 2 / 27
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


في عراقنا الجديد اختلطت المفاهيم والتحمت التناقضات فتجد الثيوقراطي يدعو الى العلمانية وتجد الاسلامي يدعو الى الليبرالية (كيف؟, لا ادري), وتجد الليبرالي والاسلامي مجتمعان في ائتلاف واحد يحمل مشروعا مشتركا (مشتركا على ماذا؟ لا ادري) وتجد الثيوقراطي والعلماني في بودقة واحدة, وتجد ممن يعرف العلمانية على انها كفر والحاد ويعتبرها نقيض الدين في الايدلوجية ومهدمته وتجد الاسلامي يعتبر الليبرالية على انها الاعتدال في الدين. فهل يعي ساسة واقلام العراق هذه المفاهيم البديهية او قد اصبحت الفوضى والتناقض جزءا لا يتجزء من لعبة ديمقراطية الدكاكين التي تبيع جميع السلع وحسب رغبة المشتري. وقبل ان اتعمق اكثر في الموضوع علينا بتعريف مفاهيم العلمانية والثيوقراطية والاسلامية والليبرالية.
العلمانية والثيوقراطية هما انظمة حكم احدها نقيض الآخر ولاعلاقة لهما بالفكر والايدلوجية لانهما لا علاقة لهما بالاعتقادات والممارسات الشخصية. العلمانية بمفهومها المبسط تدعو الى فصل الدين عن السياسة بحيث لاتتدخل الدولة في عمل المؤسسات الدينية ولاتفضل او تختار دينا او مذهبا معينا على اخر وفي نفس الوقت لاتتدخل المؤسسات الدينية في عمل الحكومة وان تكون للحكومة والبرلمان مطلق الحرية في تشريع القوانين واتخاذ القرارات بعيدا عن ثوابت واحكام الدين بينما تدعو الثيوقراطية الى التزام الحكومة بثوابت الدين وفي مجتمعنا تعني الثيوقراطية التزام الحكومة بالشريعة الاسلامية حرفيا او بمعنى آخر تأسيس دولة اسلامية تتخذ من الشريعة الاسلامية دستورا وقانونا لها ولاتشرع قانونا او تمارس ممارسة تتناقض مع ثوابت الشريعة الاسلامية او بمعنى آخر يصبح الدين هو الدولة.
يعتقد خطئا الاسلاميون سواء كانوا رجال دين او سياسيين او اشخاصا بأن العلمانية تهدم الدين وتقضي عليه وتقيد حريته ولكن في الحقيقة ان العلمانية تحمي الدين وتصونه وتصب في مصلحته لانها تحميه من تدخل السلطة الحاكمة في شؤونه وفرض ارادتها عليه مما يمهد الطريق الى تحوير ثوابت الدين وبما يخدم المصالح السياسية الذاتية للسلطة الحاكمة, في بريطانيا عندما اراد ملك بريطانيا طلاق زوجته والزواج بامراة اخرى على خلاف ثوابت الدين المسيحي, انهى ارتباط الكنيسة البريطانية بالكنيسة الام واسس محلها مؤسسة دينية اجازت له طلاق زوجته مما اسفر عنه نشأة المذهب البروذستاني والذي تزيد اعداد مقتنعيه عن البليون شخصا. ايضا لو درسنا بحيادية واستقلالية تامة بعيدا عن العواطف تأريخ نشأة مذاهب الدين الاسلامي لوجدنا اسباب نشأتها لم تكن نابعة عن اختلاف في الاجتهاد والتفسير ولكنها كانت نتيجة تدخل السلطة الحاكمة في ادارة شؤون المؤسسة الدينية ابتداءا من تخلي معاوية بن ابي سفيان عن نظام الخلفاء الراشدين وتأسيس دولة ثيوقراطية اصبح فيها معاوية مرجعا اعلى للدين الاسلامي وهو لايملك الثقافة والعلم الاسلامي لتولي هذه المسؤولية مما اسفر عنه انشقاق في الدين ما بين مؤيد ومعارض ومرورا بالدولة العباسية التي اتخذت من اعادة الاعتبار الى سلالة الرسول هدفا ترويجيا لها ولكن حال نشأتها حارب وسجنت وقتلت سلالة الرسول ومرورا بالدولة الفاطمية والصفوية وانتهاءا بالحركة الوهابية. واذا استمر تحزيب الدين بنفس الشراسة التي اجتاحت الدول الاسلامية خلال الثلاثة عقود الماضية فلن استغرب مع مرور الوقت بروز مذاهب جديدة في الدين الاسلامي كالشيرازيين والصدريين والقاعديين الذين لربما توجوا يوما اسامة بن لادن نبيا لهم فعندما يسيس الدين تصبح جميع الاحتمالات واردة.
اما الليبرالية فهي فكر سياسي واقتناع شخصي يدعو الى تحرير الشخص من ثوابت الاديان السماوية وقيود المجتمع التي تقف عائقا بوجه الشخص تمنعه عن التمتع بملذات الدنيا. واهم مبادئ الليبرالية هي اطلاق الحريات الشخصية الكاملة للمواطن والمساواة الكاملة ما بين الرجل والمرأة وعدم التمييز بين الاشخاص اعتمادا على الدين والعرق والمذهب والمنشأ والانتماء الفكري والسياسي والاجتماعي واعطاء الحرية الكاملة للشخص في ممارسة حياته بالطريقة التي يراها هو وليس غيره مناسبة له والتي تضمن له التمتع بالحياة وبالطريقة التي يفضلها الشخص على شرط ان لاتسبب هذه الممارسات أذا او اساءة لشخص اخر. ايضا ترفض الليبرالية اجبار الشخص على اقتناع دينا او فكرا سياسيا او اجتماعيا او ممارسة ضد ارادته الشخصية. ونقيض الليبرالية هي الاسلامية او الفكر المحافظ كما يطلق عليه في دول الغرب حيث تعتبر الاسلامية حياة الشخص عبارة عن امتحان فرضه عليه الخالق من اجل الفوز بملذات الجنة. وعليه فهي تفرض ممارسات تقيد حرية الشخص بالتمتع بملذات الدنيا الا بتلك التي حددتها له ثوابت الشريعة الاسلامية. وبما ان الاسلامية تعتبر حياة الشخص عبارة عن امتحان فهي قد حرمت على الشخص العديد من الملذات والممارسات الدنيوية وحتمت عليه ممارسة طقوس واساليب عبادية تقربه الى السماء. ايضا تعتبر الاسلامية الشخص الذي لايتلزم بثوابت العقيدة الاسلامية او يمارس ممارسات تتناقض مع ثوابت الاسلام كافرا يحلل قتله وذلك لحماية المسلمين من سمومه بينما ترفض الليبرالية رفضا قاطعا اجبار الشخص على ممارسة طقوس سماوية او دنيوية لم يكن الشخص مقتنعا بها سواء كان عدم الاقتناع نابعا عن عدم دراية او كان ناتجا عن قناعة تامة وترفض فرض الرأي والفكر والعقيدة والممارسة على الشخص ضد ارادته. ايضا لاتدعو الليبرالية الشخص الى عدم الالتزام بدينه حيث الاقتناع والالتزام وممارسة الفكر والعقيدة هي جزء من حريات الشخص الفردية التي تصينها له الليبرالية وترفض الامساس بها او المساومة عليها بينما تحرم الاسلامية تحريما قاطعا الشخص من اقتناع وممارسة الفكر والعقيدة اللتين يتعارضان مع ثوابت الشريعة الاسلامية.
طبعا وبما ان الاسلامية والليبرالية هي افكار وممارسات شخصية فأن هناك حلول وسط متمثلة بتيار الوسط الذي يوازن بين حريات الشخص الفردية وضرورة الالتزام المعتدل بتعاليم الشريعة الاسلامية. ايضا هناك عدة اتجاهات داخل كلا الليبرالية والاسلامية ففي الاسلامية غالبا ما نجد تيارات متطرفة دينيا واخرى متشددة دينيا واخرى معتدلة دينيا, ايضا في الليبرالية هناك الليبرالية المنفتحة كليا والتي تدعو الى عدم الاعتراف بالاديان السماوية وتقاليد المجتمع المتوارثة والليبرالية المعتدلة والتي لاتدعو الى نبذ فكرة الخالق ولكنها في نفس الوقت لاتعلن اعترافها المطلق به. فالليبرالية المنفتحة تدعو الى اطلاق جميع حريات الشخص الفردية بينما تدعو الليبرالية المعتدلة الى اطلاق حريات الشخص التي لاتتعارض مع اخلاقيات المجتمع.
اكبر سوء فهم يرتكبه الاسلاميون هو ربط العلمانية بالليبرالية وكأنهما توأمان لايمكن فصلهما عن بعضهما البعض وهذا تصور خاطئ جملة وتفصيلا لأن طبيعة الحكم يحدده الحاكم او السلطة الحاكمة وليس النظام المتبع. ففي الانظمة الدكتاتورية تلعب شخصية الحاكم ومصالحه دورا كبيرا في تحديد نوعية الحكم ان كان اسلاميا او ليبراليا او معتدلا فأن كان الحاكم اسلاميا او وجد في ترويج الدين الاسلامي منفعة له فأن نظام الحكم سوف يكون اسلاميا والعكس هو الصحيح وخير مثال على ذلك صدام حسين الذي تحول من شخص ليبرالي الى شخص يتظاهر بالاسلام عندما تبنى ما يسمى بالحملة الايمانية اثناء فترة الحصار الاقتصادي الدولي. اما في النظام الديمقراطي فأن ارادة الشعب هي التي تحدد نظام الحكم ان كان اسلاميا ام ليبراليا. فقرارات الديمقراطية نوعان الاول ديمقراطية جماهيرية كما في علميات الاستفتاء او ديمقراطية تمثيلية وفيها ينتخب الشعب ممثلين عنه يحق لهم صنع القرارات. فأن كانت اغلبية الشعب تميل الى الليبرالية فأن نظام الحكم سوف يكون تلقائيا ليبراليا لأن الشعب سوف ينتخب ممثلين ليبراليين وان كان الشعب يميل الى الاسلامية فأن الشعب سوف ينتخب ممثلين اسلاميين. فان كانت المؤسسات الدينية ترغب في نظام منحاز الى الاسلامية فالافضل لها تثقيف الشعب بالاسلامية حيث يكون الاقتناع ناتجا عن ارادة الشخص مقارنة بفرض النظام الثيوقراطي الذي يكون فيه الاقتناع الديني مفروضا على الشخص. الانتقال ما بين الليبرالية والاسلامية ظاهرة تحدث عادة في الدول التي تعتمد على نظام حكم ودستور علمانيين. في تركيا اثناء الثمانيات كانت غالبية الشعب التركي تميل الى الليبرالية مما اسفرعنه حكومات وبرلمان وتشريعات وممارسات ليبرالية بينما في السنوات الاخيرة بدأ الشعب التركي يميل الى الاسلامية متأثرا بالظاهرة الاسلامية التي اجتاحت دول الشرق الاوسط خلال العشرين سنة الماضية مما تولد عنه حكومة وبرلمان وتشريعات وسياسيات اسلامية. اما نظام الحكم في العراق فهو نظام ثيوقراطي لان الدستور العراقي هو دستور ثيوقراطي حيث تنص المادة الثانية (اولا: الف) من الدستور العراقي على انه "لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام؟. فهذه المادة الدستورية تنص على ضرورة توافق القوانين العراقية مع احكام الشريعة الاسلامية او بمعنى آخر تطبيق الشريعة الاسلامية. ايضا يناقض الدستور العراقي نفسه في العديد من النصوص الدستورية حيث على سبيل المثال ينص الشطر الثاني من المادة الثانية اولا على انه "لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية". فالمادة الثانية اولا تنص على عدم معارضة القوانين العراقية لشرطين يناقضان احدهما الاخر ولايمكن نظريا او عمليا تحقيقهما معا وهما الالتزام الحرفي بكلا احكام الاسلام ومبادئ الديمقراطية. فمن اهم مبادئ الديمقراطية هي المثول لرغبة اغلبية الشعب فمثلا ان كانت رغبة اغلبية الشعب العراقي في اباحية شرب الكحول او ممارسة الجنس خارج نطاق الزوجية فمبادئ الديمقراطية تحتم تلبية رغبة الشعب هذه بينما تحرم احكام الاسلام هذه الممارسات. فكيف يا سادة ياكرام نعالج هذه المشلكة وبدون التجاوز او اهمال احدى شرطي المادة الثانية اولا.
اما بخصوص احزاب وساسة عراقنا الجديد فلا اجد تفسيرا مقنعا يفسر لي رغبة السياسي الاسلامي او الحزب الاسلامي الهوية في اتباع النظام العلماني حيث لهذا التناقض تفسيران لا ثالث لهما وهما اما ان تكون شعارات السياسي الاسلامي او الحزب الاسلامي تختلف عن سلوكه الحقيقي كأن تكون شعارات تبني العلمانية ليس سوى بضاعة تسويقية يستخدمها للضخك على ذقون الناخب العراقي بينما تصرفاته وممارساته على ارض الواقع هي تطبيق وتكريس النظام الثيوقراطي او لم يكن هذا السياسي او هذا الحزب ملتزما باسلاميته حيث يكون مستعدا لتجاوز وتجاهل احكام الاسلام من اجل تحقيق مصالح شخصية وذاتية له او لحزبه وبكلا الحالتين فهو شخص او حزب منافق يخدع نفسه والشعب ودينه الاسلامي. أما الطامة الكبرى فهو اجتماع الاسلامي والليبرالي في حزب واحد او ائتلاف واحد وهما احدهما نقيض الاخر فالاسلامي والليبرالي كالثلج والنار فأن اجتمعا معا فأما سوف تذيب النار الثلج او الثلج يطفؤ النار او يهلكا كلاهما. التفسير الوحيد لادعاء الثيوقراط بالعلمانية و التحام الاسلاميين بالعالميين هو ان هؤلاء الاشخاص والاحزاب لايملكون التزاما اخلاقيا او فكريا بالشعارات التي يرفعونها او المفاهيم التي يدعون اعتناقها فالشخص والحزب الاصيل هو الذي لايساوم او يتخلى عن المبادئ والقيم والاسس التي يؤمن بها مهما كان الثمن ومهما كانت ضخامة المغريات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إسمح لي أن أخالفك
سليم نصر الرقعي ( 2010 / 2 / 28 - 18:12 )
أولا تحياتي إستاذ -نزار- المشكلة أنه حتى لو فرضنا أننا نفذنا علمانية الدولة فماذا عن المجتمع!؟.فلو طبقنا الديموقراطية التي تعني في مفهومها المبسط إمرار رأي وقرار الأغلبية فلابد أن القرارات السياسية والقوانين التي يتم تشريعها تتأثر بإتجاه ورغبة جمهور الشعب فإذا كان هذا الشعب مسلما فلابد أن قرارات الدولة وقوانينها تتأثر برأي ورغبة أغلبية الشعب وسأضرب لك مثلا ً من دولة علمانية كسويسرا فقد تم بقرار شعبي ديموقراطي ناتج عن إستفتاء منع المسلمين السويسريين وهم مواطنون من بناء المآذن! وهذا المثل يوضح لنا تأثير المجتمع وتوجهات الرأي الشعبي العام على قرارات وقوانين الدولة الديموقراطية إلا إذا قررنا أن تكون السلطة للنخب لا للشعب بمعنى أن تمارس النخب العلمانية ليبرالية أو يسارية الوصاية بالقوة على الشعب حتى تعلمنه وتلبرله ثم بعد ذلك - وبعد ذلك فقط -تسمح له بحق الإختيار وهنا نجد أنفسنا في مواجهة حكم علماني نخبوي يفرض الوصاية على الشعب!. يا سيدي والله أنا أعيش في الغرب ومغرم بالديموقراطية ولكني وصلت إلى قناعة مفادها أن مجتمعاتنا يحكمها الدين لذا لابد من دمقرطة ولبرلة فكرنا الديني وأسلمة الديموقراطية

اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر