الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات والمصالح الشخصية والفئوية للأحزاب السياسية

سامية نوري كربيت

2010 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يعد الحزب السياسي، من أقوى الأدوات التي ينتظم فيها الرأي العام ويعبر عن نفسه من خلالها ، وفي الدول البرلمانية فأن الحزب من أقوى الكيانات والتشكيلات السياسية فيها، ويكاد نشوء الحزب يوازي تاريخيا نشوء النظم البرلمانية , لاسيما في الدول الغربية .
وبصورة عامة، يتكون الحزب من اتفاق جماعة من الناس على العمل السياسي المشترك وفق أهداف يتفق عليها , وتصبح ارتباطاتهم ليست شخصية فحسب بل ارتباطات مصلحية وعاطفية وفكرية , فالعاطفة، والعقيدة الفكرية، والرغبة بالعمل المشترك تعد من العوامل ذات التأثير القوي والمستمر في عمل الحزب وديمومته . وتلعب المصالح الاقتصادية والطبقية أيضا، دورا في ولادة الأحزاب وقيامها , كذلك تؤثر العصبيات الدينية والعنصرية . وتتولد أحزاب جديدة عندما يشتد الخلاف حول المسائل الوطنية والقضايا المصيرية التي تتعلق بمستقبل امة من الأمم ويصبح الخلاف سببا في ظهور تنظيمات سياسية جديدة تتقدم ببرامج جديدة لتخليص البلاد من الأزمات, وتحاول الأحزاب الجديدة ان تجعل برامجها أكثر ملائمة لرغبات الجماهير وتيارات الرأي العام .
وبالمقابل فان دراسة الصراعات الاجتماعية، تسمح -في بعض الحالات- بتوضيح الانقسامات الحزبية , حيث ان الأيديولوجية ليست مجرد غطاء يموه بوعي او بدون وعي المصالح المادية بل ان هناك فعلا أناس يحددون أنفسهم تبعا لمثل يعتنقونها لكن هذه الحالة ليست الحالة الأعم , ان الفوارق الحزبية ترتبط بالخصومات الاجتماعية , فالأحزاب السياسية يمكن بالفعل ان تمثل طبقات اجتماعية أي مجموعة من الناس الذين يتواجدون في وضع موضوعي متشابه والذي ينمي لديهم هذا التشابه في الوضع شعورا بوحدة المصالح , ان الحزب يمثل أذن التعبير السياسي عن الطبقة والوسيلة التي بواسطتها تسعى لتغليب مصالحها الخاصة في الصراع الذي يقوم بينها وبين الفئات الاجتماعية الأخرى .
أذن الموقع الاجتماعي –الاقتصادي ،ليس العامل الوحيد المحدد للانقسامات الاجتماعية حيث ان هناك أحزابا قومية في البلدان المحتلة , وأحزابا ذات أساس عرقي في الدول التي تضم أقليات عرقية او قومية واعية للفرق بينها وبين أغلبية السكان , كما ان هناك أحزابا ذات صبغة طائفية وأحزابا أخرى يتجمع فيها الأعضاء تبعا لتجانسات أيديولوجية لا يمكن إرجاعها لمصالح اقتصادية ، وهكذا نجد أربعة نماذج من الأحزاب وهي: القومية، والعرقية، والدينية ،والأيديولوجية التي يمكن ان تولد تضامنا، وبالتالي أحزابا مستقلة عن المصالح الطبقية .
إن قسما من المفكرين يردون على هذا الفكر بان الأمر يتعلق بتضامن مزيف يرتكز على عوامل مؤقتة وهمية فالأحزاب القومية تضم البرجوازية المسماة بالوطنية لأنها تعارض المحتل.. والانتماء الحزبي الى عرق واحد او دين واحد لا يقوم، إلا بحجب الخصومات الحقيقية المحددة بالمصالح الطبقية وان عملية التخلص من المحتل سوف يؤدي الى تفجير هذا التحالف ألظرفي .
ولا يمكن تصور حياة ديمقراطية في أية دولة دون حياة حزبية في تلك الدولة والتي تعتبر ركنا أساسيا من أركان النظام السياسي الدستوري , كما إنها تشكل القاعدة التي تحكم تقاليد الحياة النيابية والبرلمانية إضافة الى ارتباطها بفكرة الحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير عن الرأي وحرية الاعتقاد السياسي , فالعلاقة بين الأحزاب السياسية والديمقراطية علاقة جدلية . وثمة اتجاهات حديثة للربط بين الديمقراطية والأحزاب ارتبط وجودها الى حد كبير بتطور الظاهرة الديمقراطية , وكثيرا ما نشأت الأحزاب في ظل التحولات الديمقراطية التي شهدتها معظم دول العالم مؤخرا , إذ تعتبر احد أهم قواعد الديمقراطية كونها تجمع الأفراد وتلعب دورا أساسيا في توعية الرأي العام وتوجيهه من خلال تثقيفه سياسيا وحزبيا بما يضمن مشاركة الشعب في الحكم والتعبير عن رأيه ومصلحته , إضافة الى أنها تعتبر إحدى الضمانات العملية والمؤسسية للممارسات الديمقراطية وتشكل قنوات اتصال بين الحكومة والشعب .
وعندما يتم تأسيس الأحزاب في إطار الجمعيات التمثيلية المنتخبة ينبغي ان تسعى هذه الأحزاب الى تعبئة جماهير الناخبين بطريقة ثابتة وقابلة للاستمرار , وتتمثل هذه الطريقة في تطبيق مبدأ سيادة الشعب وهذا يصاحبه عمليات تنظيم يسودها التنافس واتخاذ القيادة مواقف وأوضاعا عادة ما تصاحب عمل الأحزاب السياسي ألتعددي الطابع , وهذا يبدو عامل تهديد بالنسبة للنخب الأكثر تقليدية ولمسؤولي الحكومة ولهذا السبب فان مجموعات المصالح الرسمية هذه يسبب قلقها وتخوفها من الحريات المدنية الأساسية كحرية التعبير وتكوين الجمعيات , وخوفها كذلك من التدخل ومحاولات التخريب الأجنبية وعدم تمرسها بوسائل التنافس العنيف وعدم تيقنها من كيفية التخلي عن سلطتها في فترات يحددها الدستور خلال وقت قصير من الزمن , ستقاوم على الأرجح نمو سياسات حزبية نشطة . وهنا يكمن استعداد هذه المجموعات اللجوء الى تكتيكات العنف والقمع .
ويقر الباحثين مبدأ اعتماد الديمقراطية على فكرة السيادة الشعبية او السلطة الشعبية , حيث ان الديمقراطية قد عززت فكرة سيادة الدولة بإعطائها أساسا شعبيا وسندا عاطفيا , وليست سيادة الدولة في نظر الديمقراطية سوى التعبير عن حق الشعب في تقرير مصيره , فهي تقدس الإرادة الشعبية . والدولة بوصفها سلطة فعلية ذات سيادة تعرف أيضا بأنها سلطة شرعية , وموافقة الرأي العام على سلطة الدولة هي إحدى العناصر المكونة لها , وهنا يتساءل المفكر البريطاني ( هوب هارس )كيف يمكن ان يستند الحكم الى السيادة الشعبية إذا كانت هناك أكثرية غير نيرة وجاهلة تكون ضحية الشعارات الحزبية البراقة التي لا تطبق , كما انه يؤكد بان المنظمات الحزبية باستطاعتها بما تملك من إمكانات ان تلعب بالرأي العام وان تستغل الأكثرية غير النيرة , ويعالج هوب هاوس هذه المعضلة في الديمقراطية باقتراحه ضرورة قيام القيادات الشعبية المنظمة بإدارة شؤون الدولة .
ونستطيع تصنيف النظم الحزبية المعاصرة في الدول المتخلفة الى أحزاب أيديولوجية بمعنى أنها تقوم على الإيمان بأيديولوجية معينة تعمل على وضعها موضع التنفيذ من ثنايا وصولها الى سلطة الدولة , ومن هنا فان الحزب الذي يستطيع ان ينتزع السلطة الرسمية في مجتمعه بالعنف ثم ينفرد بها وبالحياة السياسية معا فلا يدع مجالا لغيره من الأحزاب فيصبح حزبا واحدا ليسس حزبا في المدلول الديمقراطي وإنما هو ركيزة لديكتاتورية مطلقة . ومن الملاحظ ان هناك توافقا بين ظاهرة الحزب الواحد في عصرنا وبين ظهور النظم السياسية غير المحايدة (المتعصبة) أي التي ترتبط بعقيدة معينة رافضة تماما أية عقيدة سياسية أخرى , فلا تقف الدولة موقف المحايد الذي ينحصر دوره في العمل على تحقيق الانسجام بين الأفكار والمصالح المتباينة ولتحول دون طغيان أي منها على غيرها .
ولكي يمارس الشعب حريته السياسية في وضع دستوره واختيار نظامه السياسي والاجتماعي لابد من وجود إطار من الحرية الفكرية والأيديولوجية وليس مجرد رأي واحد وأيديولوجية واحدة مفروضة مسبقا وهذا هو المقصود بالتعددية السياسية إذ يجب ان يسمح لكل الآراء والاتجاهات السياسية والبرامج وعلى قدم المساواة فحرية الشعب وسيادة الشعب تتطلب تعدد تلك الاتجاهات السياسية وحرية التعبير عنها حتى يعلم الشعب بجميع أبعادها وما لها وما عليها فيأتي اختياره حرا وحقيقيا وليس مزيفا ومفروضا عليه .
وفي الدول الديمقراطية تظل المعارضة نشطة بعد تولي الحزب الغالب الحكم , وكثيرة التودد الى الشعب وتنتظر بفارغ الصبر الجولة القادمة من الانتخابات , ويقدم لها الحزب الحاكم شتى التسهيلات لإدارة شؤونها الحزبية والإعداد لنقد الحكومة داخل البرلمان , ولزعيم الحزب مكتب في البرلمان وله راتب يتقاضاه كمكافأة من الدولة لينصرف الى الشؤون السياسية الموضوعية , كما يقدم أنصار الحزب المعونة الى الحزب بمساعدات واشتراكات دورية وبالمساهمة المالية في عقد المؤتمرات وفي الاكتتاب في نشرات الحزب ومؤلفات مفكريه .
والمذاهب الحزبية ،لا تشترط ان يكون عضو الحزب البارز من أصل ينتمي حتما الى المصطلح او الفكر السياسي للحزب بصلة , فلا يشترط حتما ان يكون عضو حزب العمال من عمال المناجم او التعدين او البيئة العمالية , فيكفي ان يدين بالفكرة، وينخرط في سلك الحزب ويكسب ثقة الأعضاء . وبالمثل لا يشترط ان يكون عضو حزب المحافظين من أصحاب الملايين ومت الطبقة الارستقراطية بل يكفي ان يدين بالرأي لمبادئ الحزب وأفكاره.
ان المصالح الخاصة،والنزعات الدينية والمذهبية والطائفية، التي تتميز بها اغلب أحزاب دول العالم الثالث، واستمرار التنافس، والتصارع بين هذه الأحزاب على فرض سيطرتها وتحويل الانتخابات الى صراع قبلي وصدام أسر وعوائل ومعارك دموية ،هي من المعوقات الأساسية لدخول الديمقراطية الى هذه الدول .
لذلك لابد من أن تتعمق الدعوات ، وترتفع الأصوات ،لإزالة كل ما من شأنه سيادة النزعات الطائفية والمذهبية والعشائرية والسير باتجاه جعل المصالح السياسية والوطنية هي الأساس في التنافس وحتى الصراع الذي لابد أن يكون سلميا .ويقينا أننا في العراق ،أحوج مانكون إلى ذلك وخاصة في مرحلة الانتخابات،وإثنائها وما بعدها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في