الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في قضية المرأة .

رائد الدبس

2010 / 3 / 8
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



تكاد تكون قضية المرأة في مجتمعاتنا العربية، من أكثر القضايا المعقدة والمعرضة دوماً لخلط وتسطيح واختزال كبير في المفاهيم والقيَم والمعايير ، واختلاف الرؤى والمقاربات الفكرية والنظرية وازدواجية المعايير،بالرغم من توافق معظمها على رزمة من الشعارات المتعلقة بالمرأة مثل: حقوق المرأة والمساواة ومكافحة التمييز والعنف ضد المرأة وغير ذلك من الشعارات. إلا أن الشعار يبقى شعاراً لفظياً لا يتحول إلى قيمة اجتماعية معيارية، ولا يأخذ مكانته الحقيقية في حيّز الواقع والتطبيق والممارسة الاجتماعية ، طالما استمر هذا الخلط والاختزال والتسطيح.

وبداية فإن الخلط والاختزال وتسطيح المفاهيم الاجتماعية، غالباً ما ينجم عن جهل ، لكنه كثيراً ما يكون متَعمّداً ومُعبّراً عن مصالح اجتماعية واقتصادية وسياسية محددة. وفي كلتا الحالتين فنحن أمام حالة فريدة من نوعها، ألا وهي خلط وتسطيح واختزال، سواء في مفهوم المرأة-الأنثى أو في مفهوم الرجل-الذكر. ومن الخطأ القول بأن هذا الخلط والتسطيح والاختزال، يعشش في عقل الرجل العربي بوجه عام، أو في عقل المرأة العربية بصورة عامة، إنه يعشش في عقول الكثير من الرجال والنساء العرب على حد سواء.

عمليات الاختزال والخلط والتسطيح، تأخذ أشكالاً متنوعة ومركبة جداً إلى درجة يصعب تفكيكها غالباً، وهي غالباً ما تحدث بصورة لاواعية وغير مُفكر فيها على نحو معقول، حتى لدى شرائح واسعة من المثقفين. اختزال مفهوم المرأة بدور الأم ، ما هو إلا الشكل الأكثر تكريساً إلى درجة تقترب من القداسة، نظراً لما للتكريس الاجتماعي من سحر هائل يستطيع أن يرتقي بالعادي إلى مرتبة قريبة من القداسة. الاختزال يأخذ أشكالاً أخرى مثل المرأة المشتهاة كفاكهة مُحرّمة في معظم الأحيان، ويجري الحديث عنها بوصفها جسداً وأرضاً للفتنة والغواية واللذة الساحرة. نجد هذين الشكلين من الاختزال يطلان برأسيهما في كل يوم تقريباً عبر كتابات أدبية متعددة وغزيرة في دلالاتها الغرائزية، بصور لا علاقة لها بالأدب والغزل الجميل الراقي، الذي يعبر عن حب المرأة ككائن بشري وكقضية في حد ذاتها، بل مجرد جسد يتمّ التعامل معه كموضوع حسّي غرائزي بحت.. ومثلما قال الشاعر والروائي إبراهيم نصرالله: من العار أن يتغزل الأدب بالمرأة ، لكنه لا يجرؤ على الدفاع عنها ..
وفي كلتا الحالتين، سواء تمّ اختزال المرأة على نحو يقاربُ التقديس أم على نحو يطابق التدنيس من خلال التغزل بها بوصفها فاكهة مُشتهاة، يجري الحطّ من قيمة المرأة بصورة بدائية متخلفة، ووضعها رهينة محبسيْن لا ثالث لهما: إما محبس الإنجاب، وإما محبس الغواية واللذة.
تُعامل المرأة بنتيجة هذا الاختزال بوصفها جسداً، إما يُنجب وإما يُغوي ويحقق اللذة، وليس بوصفها كائناً بشرياً كامل التكوين.!! نحن إذاً أمام ثنائيات ضدية . .

لا يمكن هنا توجيه اللوم للرجل العربي وحده. فالمسألة تتعلق بأدوار متبادلة،ومصائر مشتركة تساهم المرأة العربية أيضاً في صنعها، سواء اختُزلَت في المحبس الأول أم في الثاني. في الحقيقة، يجب أن يتجه اللوم والنقد إلى منظومة متكاملة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، شديدة الترابط والتعقيد والتخلف. وهذه المنظومة تسعى للحفاظ على اختزال صورة المرأة والرجل على حد سواء..

يتمّ اختزال مفهوم الرجل بالذكورة والفحولة، وغالباً ما يجري تضخيم هذه الصورة على نحو بدائي، لكنه ماكر ومُخاتل، وذلك من جانب الرجال والنساء على حد سواء. ثم يجري خلط معنى ومفهوم الشجاعة الرجولية بمفهوم العنف والوقاحة، سواء بأشكالها المباشرة أم الرمزية. ومن هنا، غالباً ما ينشأ بين الرجل والمرأة، نمط من العلاقات الاجتماعية المحكومة بقوالب جاهزة، يسودها التوتر المُعلَن وغير المُعلًَن والنفاق المتبادل بين الطرفين، والعنف المباشر والرمزي من جانب الرجل، بهدف الحفاظ على صورة الرجولة وعلاقة إخضاع الأنثى للذكر. بينما تسعى المرأة ضمن منظومة كهذه، إلى الحفاظ على الصورة المكرّسة للأنوثة عبر إظهار حالة من الخضوع المزيّف وسهولة الانقياد. وهي في هذا تعلم أنها تمارس فعلاً من أفعال التواطؤ ليس على الرجل فحسب، بل على ذاتها الإنسانية أيضاً.

في هذه المنظومة المعقدة، يحدث اغتصاب المرأة على نحو مباشر ورمزيّ أيضا، من خلال التحرش المتعدد الأساليب. وفعل الاغتصاب في حد ذاته سواء كان مباشراً أم رمزياً، لا يمكن النظر إليه بوصفه حالة من حالات الاختلال النفسي فحسب، بل هو ناتج عن حالة اختلال منظومة العلاقات الاجتماعية برمّتها.. وفعل الاغتصاب يحدث في كل المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، وفي كل شرائح المجتمع الواحد أيضاً، بما في ذلك مجتمعنا العربي. الاغتصاب المباشر يحدث غالباً في أوساط الشرائح الاجتماعية الأقل حظاً من حيث التعليم والمكانة الاجتماعية. أما الاغتصاب الرمزي فهو غالباً ما يحدث في أوساط الشرائح الأكثر حظاً من حيث التعليم والمهارات والتكريس الاجتماعي. الفارق ما بين المجتمعات المتقدمة والمتخلفة، هو أن المجتمع المتقدم لا يسمح لنفسه بالسكوت عن ذلك، كما لا يسمح للفاعل أن يفلت من العقاب القانوني الصارم. أما في المجتمعات المتخلفة، فإن هذا الفعل وفاعله، غالباً ما يتم السكوت عنهما، وينجو الفاعل من العقاب. وإذا حدث أن انكشف الفعل والفاعل فإن عقاب الضحية غالباً ما يكون أقسى من عقاب الجاني بكثير. لذا تضطر الضحية أن تتواطأ على ذاتها وتلوذ في صمت مهين لكرامتها.

لا يستطيع الفكاك من أسر هذا المصير الذي يتمّ تكريسه يومياً، إلا رجال ونساء يحترمون ذواتهم وكرامتهم البشرية أولاً وقبل كل شيء.. رجال يمتلكون ما يكفي من الكرامة والجرأة الحقيقية اللازمة، للانسجام بوعيهم وبسلوكهم اليومي،الذي يؤدي فعلاً وليس قولاً، إلى احترام المرأة وكرامتها كإنسان كامل التكوين، والاعتراف بكامل حقوقها وبمساواتها التامة،والتعامل مع هذه الأمور كقيم معيارية أساسية، وليس مجرد شعاره نرفعه ونتغنى به وقتما نشاء الظهور بمظهر لائق وأنيق أمام نساء المجتمع، ثم نلقيه في سلة المهملات عند الدخول إلى البيت. ولقد كتبتُ عن هذه الظاهرة في مقال سابق ، إذ كيف نفهم رجالاً يتغنون بالمرأة ويتغزلون بها ليل نهار، بينما نساؤهم المحددات تكاد لا تسمع منهم كلمة غزل إلا في الأعياد والمناسبات والضرورات ؟ ناهيك عن أن معظم هؤلاء يمتنعون عن الظهور إلى جانب نسائهم المحددة، أو لا تظهر نساؤهم في الفضاءات الاجتماعية التي يتحركون هم فيها بكامل أناقتهم ولباقتهم الظاهرية تجاه نساء المجتمع، بينما لا تظهر نساؤهم أبداً إلا في فضاء البيت العائلي.. أليس هذا عيباً ونقصاً في الرجولة؟؟

يتطلب الأمر للفكاك من هذا المصير أيضاً، نساء يدركنَ أن الحرية والمساواة ليست شعاراً ، وليست ممارسة تسيء لفكرة الحرية والمساواة، بل هي التزام واحترام للنفس وللرجل وللكرامة بوجه عام. وهي موضوع كفاح مثابر ودؤوب، لا يمكن أن يؤتي ثماره إلا عبر عمل منهجي ومؤسساتي،وفي الحالة الفلسطينية على وجه التحديد، فإنه ليس معزولاً عن الكفاح الوطني التحرري الهادف لتحقيق الاستقلال والعدل والتنمية الشاملة .

في هذا الصدد، فإن كل إنجاز بسيط للمرأة مهما كان حجمه ضئيلاً، هو أمر هام يتوجب دعمه وإبرازه والاحتفاء به ، لذا فإن القرار الذي اتخذته الحكومة الفلسطينية برئاسة د. سلام فياض، بإيقاف العمل بالمواد المتعلقه بالعذر المُحلّ والمُخفف للعقوبة، فيما يسمى بجرائم الشرف، وإعادة تلك الجرائم إلى الأصل العام واعتبارها جرائم قتل عادية، هو قرار جريء يستحق التقدير والدعم، وهو خطوة على الطريق الصحيح، بانتظار المصادقة الرئاسية والتشريعية.

أخيراً ، وعلى الرغم من الأهمية القصوى لإحداث التغيير في أوضاع المرأة في بلادنا العربية عبر بوابة التشريع وسنّ القوانين، وكذلك التوقيع على اتفاقية سيداو التي تمنع كل أشكال التمييز ضد المرأة، إلا أن ذلك لن يكون كافياً ما لم يقترن بتغيير جدي في منظومة الوعي والعلاقات الاجتماعية داخل مجتمعاتنا.. هنا تكمن القيمة المعيارية المرتبطة بالممارسة الفعلية ،وهنا يظهر الجد من اللعب والتلاعب بالشعار. وهنا يزول الخلط والاختزال والتسطيح، سواء تعلق الاختزال بالمرأة أم بالرجل.
تحية للمرأة العربية والفلسطينية الجادة في كفاحها لأجل الكرامة البشرية والحرية والمساواة.

- ثنائيات ضدية. تعبير استخدمه المفكر الراحل إدوارد سعيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سبع سنوات وما يزال الإصرار على النضال خيارهم


.. بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر




.. رجل استخبارات إيراني يتنكر كامرأة ويتجسس على قدرات إسرائيل ا


.. الرجال أكثر صدقاً مع النساء الجميلات.. دراسة تكشف أسرار سلوك




.. موجز أخبار الواحدة - منظمة دولية: غزة أصبحت مقبرة للنساء وال