الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذيان الرسل

رندا قسيس

2010 / 3 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يتواصل الانسان مع محيطه من خلال تجربتين ادراكيتين يعيشهما، الاولى تتجلى بادراك داخلي يتعاطى فيها مع الخارج من خلال التجربة الحسية و الممزوجة بواقع تأثر مع مرور الزمن بالتركيبة الجماعية و بالمؤثرات المحيطية و بدورها هذه التجربة الاولى انشأت تجربة داخلية مبنية على قواعد تخصها، نستطيع تلقيبها بالتجربة الداخلية الجماعية و المتمثلة بثقافة الجماعة، اما التجربة الخارجية فهي مجموعة ثقافات جماعية عديدة تراكمت مع الزمن و اكتسبت خصائص عدة من افراد الجماعات المختلفة و التي (التجربة الخارجية) تطورت و تغيرت مع الزمن من خلال الملاحظة و الدراسة لظواهر عديدة طبيعية.
و بدوره ينقسم الادراك الداخلي الى تجارب ادراكية فردية داخل ادراك جماعي، لينشأ تبادل ما بين الافراد و الكتلة الجماعية، في بعض الاحيان تغني التجارب الادراكية الفردية الجماعة كما تضفي عليها قوانيناً و معاييراً جديدة، الا انها في احيان اخرى تخلق هذه التجارب بعض الاثار النفسية التي تؤثر سلباً على مجتمعاتها في حال تغلغلها بشكل لاواعي في الافراد لتصبح افكاراً و اعمالاً تلقائية غير قادرة على اكتساب صفات اخرى، كما ان جمودها يسجن الفرد ضمن معطيات ثابتة متشنجة عاجزة عن ابداء اية مرونة، مثل الاديان المتشبثة بأخلاقيات بدائية لم تعد تصلح لعصرنا الحالي مع استحالة استمرارها بشكلها الراهن و المناقض للعلم و المعرفة.
لكن قبل التطرق الى البعد الديني عند الافراد و المجتمعات، ارغب بالكلام عن التجارب الادراكية الداخلية للافراد و الصور العقلية الواهية التي سيطرت على افرادها و دعونا نخص بالتحديد الرسل و الانبياء و علاقة النبوة مع المرتفعات العالية (الصعود الى اعلى الجبل) و الصيام، كموسى الذي صعد الى الجبل للحصول على وصاياه العشرة، و لتوضيح هذه الحالة، علينا ربطها مع حالة الهايبوكسيميا (نقص التأكسج) فنرى ان المرتفعات العالية تؤثر في نقصان كمية الاوكسجين في الدم، و التي تشكل عاملاً اساسياً في تغيير نشاط الفص الصدغي الدماغي و من العوامل المؤثرة لحالة الهايبوكسيميا هي: المرتفعات العالية، الصعود السريع، النشاط الجسدي المكثف...
عند دراسة بعض الحالات كحالات الهلوسة و الهذيان لبعض متسلقي الجبال وهي اعراض جانبية ناتجة عن العلو المرتفع، نستطيع تفسير ضرورة الصعود الى مرتفعات عالية عند الافراد الراغبين في بدء الاتصال مع الله، و لا ننسى ايضاً ان الصيام ضروري قبل الخوض في هذه التجربة، و لهذا نرى على سبيل المثال صيام موسى عند بدء احتكاكه بالاله، فتجويع النفس يساهم الى حد بعيد في تغيير النشاط الدماغي ليخلق عند الانسان حالة من الهذيان، لهذا نلاحظ ان فرض الصيام و تجويع النفس تواجدت عند كثير من القبائل الهندية و غيرها للخوض في تجربة الاله كما صنفها "برسينجر"، و التي تغيرت مع الايام الى تجويع جزئي (الصيام) و اصبحت فرضاً من الفروض الاجبارية لمؤمني الديانات الاخرى.
ميز "برسينجر" تجربة الاله عن مفهوم الاله، فأعتبر ان الاولى تأتي من تجارب ادراكية داخلية فردية تعتري الافراد لتنتابهم مشاعر فياضة و احساس داخلي بالمعرفة مع امكانية سماع صوت داخلي ينسب الى الاله.
و اذا تمعنا قليلاً في ظواهر الادراك الداخلي و المتجلية بتصورات و تخيلات انسانية تقمصت في صور عدة؛ منها الطاقة الكونية، او الوعي الكوني، او الاله الخالق... نجدها ناجمة عن تغيير في النشاط الكهربائي الدماغي، هذه النشاطات تطرأ على الانسان اما في مرحلة النضوج، او في حالة ورطة شخصية، او عند حالة التعب مع تداخلها في عدة ظروف نفسية منوعة تهيئ انتاج او خلق معاني مكثفة من المشاعر الدافئة كالامتلاء و العمق النفسي، و نجدها اشبه بحالات الهلوسة او الاخطاء الادراكية المسجلة في الدماغ من دون وجود اية علاقة مترابطة ما بين هذه الصور الهذيانية و بين الواقع، فالهلوسات هي تمثيلات عقلية واعية خالية او مفرغة من الغرض الخارجي، اي ان هذه الصور ما هي الا ادراك داخلي لا ينطبق على واقع خارجي، مثلها مثل تجربة الاله الذي يدركه البعض من خلال داخلهم من دون الاستناد الى واقع خارجي معين.
لا شك ان الادراك الداخلي للاله عند البعض قد تم بشكل لا ارادي، فهؤلاء تعرضوا الى ظروف نفسية داخلية تمازجت مع ارادة صلبة للخروج من واقعها الداخلي.
نعود قليلاً الى الرسل و الانبياء و لعملية ادعاء الوحي و الاحساس الداخلي بها و الانجراف الى فخ الادراك الداخلي و الاصابة بالهذيان و الهلوسات طويلة المدى و المقترنة بارادة و رغبة شديدة منهم بالتفرد عن الاخرين من دون تخطيط مسبق من ناحيتهم او بمعنى اخر من دون وجود مخطط واعي مسبق، الا ان امتلاكهم لحس قوي جعلهم اكثر فطنة لانتهاز الفرص المناسبة، و لشرح عملية الاحساس المسبقة و التي تسمى احياناً ب(الحاسة السادسة) و هي عبارة عن تراكم تجاربي فردي و جماعي مسجل في الذاكرة الطويلة و التي تساعدنا في استباق الاحداث او توقعها، كما ان الارضية الخصبة بالالهة و الاعجازات الاسطورية انذاك مهدت لبعض الافراد التميز و الابداع في اضافة اسطورات جديدة.
لنتخيل لو اتانا احد منهم في عصرنا الحالي، نستطيع الجزم بما سيؤول اليه وضعهم فمأواهم لن يكون الا مشفى الامراض العصبية او زنزانة منعزلة و ذلك لشدة خطورة افكارهم على المجتمعات و الافراد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكراً على الموضوع
ratibbauosh ( 2010 / 3 / 13 - 17:55 )
قرأت ما سطرت أناملك
أردت أن أعلق على الموضوع الرائع بقصة من واقع الحياة العربية وهي خير مثال على واقعنا
ذهب الزوج الى طبيب ( أذن أنف حننجرة
قال له دكتور: زوجتي لم تعد تسمع أعتقد أنها مصابة بمرض قد أئّر على حاسة السمع وباتت في حالة من الطرش , لذلك قررت أن أحجز لها دوراً عند حضرتك يا دكتور, كي تفحصها .
الدكتور : لا حاجة لكي تأتي بزوجتك الى العيادة
أنا سأعلمك طريقة تفحص بها زوجتك , وأخبرني النتيجة
أذهب الى البيت وأبتعد عن زوجتك مسافة عشرة أمتار بشكل تقريبي
ثم نادي عليها بصوت مسموع. إذا لم ترد أقترب مسافة 2متر وكرر المناداة وإذا ام تسمع أيضاً أقترب 2متر وكرر المرات حتى تصبح بجوارها وأخبرني ما هي المسافة التي أجابتك منها لنحدد لها علامة من عشرة ونصف لك الدواء
ذهب ونفذ ما طلب منه حرفياً حيث نادى خمس مرات وأصبح بالقرب منها
حيث كان يسألها . ماذا جهزتي لنا غداء لهذا اليوم يا زوجتي؟
ردت عليه وهي تقول له : يبدو أنك لم تعد تسمع يازوجي العزيز
لأنني كنت أرد عليك في الخمس مرات التي تنادي عليّ فيها
إن غداؤنا اليوم هو زر وبامية يا عزيزي
كم هم الذين يتهموننا بأننا لم نعد نسمع وهم الط


2 - الصعود
بسيونى بسيونى ( 2010 / 3 / 13 - 19:20 )
وياترى انتى كنتى صايمه ولا فوق جبل


3 - فى زمن التخلف
مازن ( 2010 / 3 / 13 - 20:49 )
فى زمن التخلف والاميه تكثر المزابل وينبت على السطح الفطر السام ويبتلعه الفقراء دون طهى لشدة تضور امعائهم فيسمم كل كيانهم ويتحولوا الى فوضىا عارمه وهنا دور الاطباء الشرفاء لتخليصهم من السموم العتيقه عتق رداء جدتى الداخلى التى مازالت تجتر صفحات شباباها به جدتى رداءك تفوح منه رائحة نتنه جدتى تمزق جدتى القمل يخرج من ردائك لبيت الجيران جدتى جدتى جدتى لاتضغى الى لهذيانها ؟؟؟


4 - هل العيب في موسى أم في الجبل ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 3 / 14 - 00:18 )
السؤال الإفتراضي هو هل العيب في موسى أم في الجبل ... !؟
لنفترض أن العيب في موسى وليس في الجبل ... فما العذر لمن كان في غار حراء يعيش وفي السهل ...!؟
لنفترض أن ألإثنان صاما شعبان وصاما رمضان ... فمن الراسب في رايك سيدتي من ألإثنان ...!؟
وما ريك سيدتي في أرسطو وسقراط وأفلاطون وفلسفة اليونان ... فهل العيب في الرسل أم العيب في إله يكفر ألإنسان ... ويقلبهم قردة أو خنازير أو أي حيوان ....!؟
أرجو أن لا تكوني أكثر تعمقا فقط في علم النفس ... بل في علم الفقه والتحليل والمقارنة والبيان ...!؟
أرجو تقبل خالص محبي لك ولمجهودك الشكر والإمتنان ... ولكل القراء والمعلقين ولكل إنسان ....!؟


5 - المنع دليل ضعف الحجة
زين العابدين ( 2010 / 3 / 14 - 18:28 )
منع التعليق إذا كان من الكاتب فهو دليل على تهافت الحجة فيما كتب فلم يجد سوى الحجب مداراة لهذا التهافت
أما إذا كان من الادارة فهذا دليل على ماقلته من قبل أن معايير الحجب لوغاريتمات فى حاجة إلى الشرح


6 - لا حجب للتعليقات
رندا قسيس ( 2010 / 3 / 14 - 18:51 )
الى زين العابدين، لا اميل ابداً الى منع التعليقات لانني اعتبرها حق للقارئين مهما كانت ردودهم، لست على علم فيما حصل بالنسبة لتعليقك. اتمنى ان تحاول مرة اخرى و شكراً


7 - الدين تجارة مُربحة سوقها الجهل
الحكيم البابلي ( 2010 / 3 / 14 - 20:19 )
السيدة الكاتبة
يقول الأخوة المؤمنون ( كفانا العقل شرهم ) بأن موسى صعد إلى أعلى الجبل ليكلم الرب !!!!، ولا أعرف لماذا يصعد إلى أعلى الجبل ؟ ألا يدعي المؤمنين بأن الله على كل شيئ قدير !! فلماذا لم يقتدر على أن يُسمِع موسى وبلا تسلق وعنتريات ؟
وقبل التطرق إلى هذا السؤال كان يجدر بنا أن نُثبت أولاً بأن موسى ليس شخصية وهمية خيالية إبتدعها البعض لأغراض شتى ، كذلك هي شخصيات مثل ابراهيم وإسماعيل ولوط ونوح وإلى نهاية قائمة ( الحبربشية ) الذين دمر خلقهم الإفتراضي طعم الحياة ، لأنهم كانوا بداية الفكر الغيبي الذي لم يستطع كل علماء الأرض إثبات واحد من مليون من صحته
وهنا نجد أن العيب ليس في بائع الوهم ، بل في الشاري المغفل
والطريف في كل الموضوع هو أن رجال الدين يبيعونا ديناً لا يؤمنون به ، هي مجرد تجارة مُربحة سيدتي
تحياتي


8 - مرة أخرى
زين العابدين ( 2010 / 3 / 14 - 22:46 )
تقول الكاتبة
فاعتبر-المدعو برسينجر- ان الاولى تأتي من تجارب ادراكية داخلية فردية تعتري الافراد لتنتابهم مشاعر فياضة و احساس داخلي بالمعرفة مع امكانية سماع صوت داخلي ينسب الى الاله
==========
فعلى أى أساس علمى بنى اعتباره هذا أم أنه أقام اعتباره على أساس تأملى مثل ماادعاه على الرسل ..تناقض ، أليس كذلك؟
===========
ثم تقول
نجدها ناجمة عن تغيير في النشاط الكهربائي الدماغي، هذه النشاطات تطرأ على الانسان اما في مرحلة النضوج، او في حالة ورطة شخصية، او عند حالة التعب مع تداخلها في عدة ظروف نفسية منوعة تهيئ انتاج او خلق معاني مكثفة من المشاعر الدافئة كالامتلاء و العمق النفسي، و نجدها اشبه بحالات الهلوسة او الاخطاء الادراكية المسجلة في الدماغ من دون وجود اية علاقة مترابطة ما بين هذه الصور الهذيانية و بين الواقع
============
نحن نستطيع أن نطلق هذا الادعاء على المنتج الفكرى لأى إنسان لأنه بلا مقدمة علمية فمن الممكن أن ندعى نفس الادعاء على المنتج الفكرى للكاتبة أو للمدعو بريسنجر

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح