الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسيح يحيي الموتى

حمزة الجواهري

2010 / 3 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من تحت الغبار الذي يعلو الذاكرة، أقرأ بعضا من وصف الشاعر اليوناني العظيم كسانتساخيس عودة الموتى بلمسة من يد سيدنا المسيح ع:
وجوههم كالحة كما الموت والتراب، وعيونهم جامدة كما الصخر، لا بريق فيها، وأجسادهم حين تضغط عليها بالإصبع، فإنه سيخترق الجسد دون أن ينبثق الدم، لأن لم يعد بعروقهم دماء، لكن العائد للحياة يتكلم، وربما يرقص، لكن لا تستطيع أن ترى البسمة على محياه، إذ ليس لوجهه محيا.
ليس بالتزوير وحده يمكن أن يعود البعث لحكم العراق كما يعتقد البعض، فعملية العودة معقدة وصعبة، ومازال أمامها أشواطا طويلة، حيث أن عملية إعادة تشكيل الأشلاء المقطعة بحاجة إلى سلسلة من العمليات الجراحية المعقدة، الفوز في الانتخابات لا يكفي، إذ مازال أمامهم عقبات لا حصر لها، آخر هذه العقبات، السخيفة، ما برز أخيرا من أن زعيم القائمة العراقية الدكتور أياد علاوي من أم لبنانية، وهذا يعني وفق الدستور أن علاوي لا يمكن أن يكون رئيسا للوزراء، أقول "عقبة سخيفة" لأني لا أجد أن هذا الأمر ذو قيمة حتى لو كانت أمه هندية، فهي بالتأكيد قد اكتسبت الجنسية العراقية في وقت ما، فهي عراقية وهو عراقي بلا أدنى شك، لكن هناك فعلا عقبات حقيقية تقف بوجهه، سنعالج أهمها حسب الأهمية في هذه الوقفة السريعة، ونحاول تحليل المشهد السياسي ومعرفة إمكانية تشكيل العراقية حكومتها التي يفترض أن تكون علمانية وتقف بوجه الأطماع الإيرانية في العراق.
الإئتلاف العراقي الموحد لم يعد موحدا:
لو لم يفترق الحلفاء في "الإئتلاف العراقي الموحد" لما استطاعت كتلة العراقية منافستهم بأي حال من الأحوال، حيث من هنا نبدأ التحليل، بمعنى أن الأسباب التي كانت وراء هذا الانقسام، هي ذاتها وراء فوز قائمة علاوي وتعقيدات تشكيل الحكومة الجديدة فيما لو كلفت بتشكيل الحكومة.
كان هناك ثمة اسباب دعت كتلة دولة القانون إلى الابتعاد عن شريك الأمس، حيث أن بعض الشركاء في القائمة الأساسية، أي قائمة الإئتلاف العراقي الموحد، قد ابتعدوا كثيرا عن حزب الدعوة، والأسباب المعلنة تتلخص، بعض الأداء السيء لوزراء المحاصصة الطائفية وتداعيات هذا الأمر على المشهد السياسي، منها عمليات ضرب المليشيات الشيعية بقسوة في بغداد ومحيطها والمحافظات الجنوبية، إضافة إلى حرمان بعض كياناته السياسية من مناصب سيادية كانوا يصبون إليها ما اعتبروه أكبر ضربة وجهت لأحزابهم من قبل رئيس الوزراء.
الأهم من تلك الأسباب هو ما تمخضت عنه انتخابات مجالس المحافظات، حيث أن نتائجها قد بينت بوضوح تراجع الدعم الشعبي للتيارات الدينية، وكان أكبر المتضررين من هذا الأمر تلك الأحزاب الأكثر قربا من إيران. لذا لجأت الأخيرة التي تدعم هذه الأحزاب بقوة إلى إعادة ترتيب أوراقها من جديدا، فجاء الرد على هذا الواقع الموضوعي هروبا للأمام دون تريث، وذلك من خلال تشكيل "مجلس استشاري" في الإتلاف العراقي الموحد وظيفته تقويم أداء رئيس الوزراء، وأن يستمر هذا المجلس في عمله للدورة الانتخابية الجديدة الذي يفترض أن تكون محسومة للكتلة الشيعية، هذا الأمر، والحق يقال، رفضه رئيس الوزراء بقوة مدعوما من قبل عدد غير قليل من أعضاء حزبه، حيث أن هذا الرفض كاد أن يتسبب بشق الحزب قبل أن تنتهي الأزمة ويتم احتوائها من قبل قياداته بشكل من الأشكال داخليا.
ليس من الصعب فهم الأهداف أو الدوافع التي تقف وراء هذا التشكيل ل ""المجلس الاستشاري""، فهو ليس كما يزعم بعض القادة الإسلاميين الأكثر حماسا له من أنه مجرد مجلس يهدف إلى ضبط أداء رئيس الوزراء وحكومته، وإنما، استباقا للأمور وتشكيل قيادة لا تختلف من حيث المضمون عن نظام ولاية الفقيه، بل إنه أحد النماذج المعروفة لنظام ولاية الفقيه المعروفة، وكان قد حضي هذا النموذج الجديد بنصيب كبير من الدراسات على اعتبار أنه نوذج متقدم بدلا من النموذج الحالي المطبق في إيران.
بالرغم من أن حزب الدعوة الذي يقود السلطة التنفيذية المنتهية ولايتها يعتبر حزب إسلامي بامتياز، لكن رئيس الوزراء وجد أن هذا الأمر خطير جدا، لذا كان رفضه لهذا المجلس الاستشاري شديدا، ليس لأنه يقوض من صلاحياته وحسب، بل كونه يتعارض مع روح الدستور وبنوده الواضحة في هذا المجال، لأنه يشكل سلطة أعلى من رئيس الوزراء لم ينص عليها الدستور العراقي أبدا، ويرفضه جميع الشركاء في العملية السياسية، ويؤجج روح العداء بين المكونات العراقية التي مازال دخانها يتصاعد من نار تحت الرماد، وهو أيضا ما تخشاه جميع دول الجوار الإقليمي، كما يرفضه بقوة الحليف الأمريكي وكل من يدعم التجربة العراقية من دول العالم.
الأكثر من ذلك، هو أن الأحزاب المتحمسة لهذا المجلس، النموذج المقترح في الحكم، مازالوا مصرين عليه وقد تم إدخاله في البرنامج لكتلتهم، وكان أحد أهم شروط تحالفهم مع الآخرين. الولاية الحقيقية في هذا "المجلس" ستكون بلا أدنى شك لإيران، وهذا يعني تدخلا سافرا بالشأن العراقي وإخلالا بمفهوم السيادة الوطنية، ليس هذا وحسب، بل أن القبول به يعني وضع النهاية الحتمية لجميع التيارات الإسلامية في العراق إلى الأبد، وليس كما تعتقد إيران أو بعض أطراف الإسلام السياسي الشيعي المتحمسين لهذا المشروع.
وهكذا تحول الإئتلاف العراقي الموحد إلى كتلتين يمكن منافستهما كل على حدة من قبل كتلة قوية فيما لو استطاع الدكتور علاوي تشكيلها، وقد فعل، لكن في حال تجاوز هذه الأزمة من قبل أحزاب الإسلام السياسي الشيعي، فإنها ستكون العقبة الكأداء أمام قيادة العراقية في مساعي تشكيل الحكومة الجديدة خصوصا بعد أن جاء رد المحكمة الإتحادية العليا بما يتعلق بتفسير المادة76 من الدستور.
المادة76
فقد طلب مكتب رئيس الوزراء المنتهية ولايته من المحكمة الاتحادية العليا تفسيرا للمادة (76) من الدستور، حيث كان رد المحكمة كالآتي:
ان تعبير ((الكتلة النيابية الأكثر عدداً )) يعني: إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة, دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد, أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب, أيهما أكثر عدداً, فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى بتشكيل مجلس الوزراء أستناداً إلى أحكام المادة (76) من الدستور.
العقبة الأولى:
العقبة الأولى تتمثل بطبيعة الكتلة الواسعة التي شكلها الدكتور علاوي على أنها تضم أغلب التجمعات العلمانية في البلد، لكن علاوي أضاف لها، أو صممت بتركيبتها الجديدة لتكون قادرة على حصد أصوات بقايا النظام السابق كونه ضم أهم العناصر التي مافتئت تدافع عن النظام السابق وتعلن رفضها لقانوني اجتثاث البعث ومن ثم القانون البديل له، وهذا الأمر يستفز إلى حد بعيد أبناء الجنوب والكورد مما يساهم إلى تمهيد الطريق أما إلتئام طرفي الإسلام السياسي الشيعي من جديد، أي العودة إلى المربع الأول الذي انطلقت منه العراقية بتشكيلتها الجديدة في حال تراجعت إيران عن خطتها كونها تعتبر علاوي في مقدمة اعدائها.
العقبة الثانية، الطائفية:
في الانتخابات السابقة كان المحرك الرئيسي للجماهير هو الخوف من الشعارات الطائفية التي يرفعها قادة الطوائف من كلا الجانبين، أما الآن فهو الإصرار الغير معلن على عودة البعث إلى السلطة، يقابله الخوف من عودة البعث للسلطة مرة أخرى بعد أن لاحظ الجميع بمنتهى الوضوح تلك المحاولات المستميتة من قبل جهات كثيرة، داخلية وخارجية، تدعم هذه العودة، وقد نجحوا بالفعل بإقحام الكثير من أحزاب البعث، الظل، وقادته وظباط جيشه للعملية السياسية والجيش وباقي الأجهزة الأمنية عبر مفهوم وجهود المصالحة الوطنية، ذلك المفهوم الذي بقي بلا تعريف رسمي لحد الآن.
قد يعتقد البعض أن الإنقسام على هذا الأساس لا علاقة له بالطائفية، أبدا، فهو يجسد مفهوم الطائفية بأوضح تجلياته، وذلك أن حزب البعث ومن خلال أدائه على مدى عقود، قد قدم بنفسه الأدلة الدامغة على كونه حزبا طائفيا وعنصريا بامتياز، ولا أعتقد أنني بحاجة إلى دليل لإثبات صحة ما أقول، لذا من السهل القول أن طبيعة الصراع بقيت في جوهرها طائفية ولم تتغير أبدا، وهذا يعني أن الصراع، وربما الاقتتال، سيكون أشد قسوة من السابق وبالتالي فشل المشروع برمته.
أضف إلى ما تقدم، صحيح القول إن إنقسام الإئتلاف السابق إلى كتلتين قد ساهم بشكل كبير باندفاع مؤيدوا النظام السابق في "المحافظات السوداء"، كما كان النظام السبق يسميها، إلى منح أصواتهم بحرية تامة للقائمة العراقية، لتنافس الكتلة التي وصمت بالطائفية في عقر دارها، وصحيح أيضا القول أن هذا التوجه يشجع المزيد من بقايا أعضاء حزب السلطة السابقة للعمل بحرية أكبر لتوسيع رقعة عملهم في المحافظات الجنوبية والوسطى. لكن عندما يشعر الآخرون بأن الخطر أكبر من إرادات الجوار، بلا أدنى شك سيكون لهم أداء آخر، ربما سيحد من حجم الحرية الذي يتمتع به أنصار العراقية في الجنوب والوسط العراقي ما يمكن أن يسبب انتكاسة بشعبية العراقية وتراجعا في مساحات عملها في تلك المناطق، وربما يتسبب بإنتكاسة أمنية كبيرة في تلك المناطق الغنية بالنفط الذي يعد المورد الرئيسي للدولة العراقية.
العقبة الثالثة متمثلة بموقف الكورد:
من الواضح إن موقف البعض من قادة العراقية يقفون ضد الثوابت الكوردية، تلك المواقف التي تنعش أحلام الأمس بعراق عروبي خالص، هذا الأمر يعتبر خطا أحمر بالنسبة للكورد مهما كانت ضغوط الحليف الأمريكي.
خلاصة القول:
ما تقدم يعني أن أعداء القائمة أوسع من قدرتها على استيعابهم، فهم يشكلون نسبة عالية جدا من أبناء العراق، ولهم كتلهم السياسية التي مازالت تحضى بتأيد الشارع في مناطق عملها، الكورد وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي، وقد أنظم إليهم أخيرا الإسلام السياسي السني وأطراف علمانية سرقت أصواتها علنا جهارا أما أنظار الجميع وعجز تلك الأطراف من حماية أصوات مؤيديها، فهل تستطيع العراقية تخطي كل هذه العقبات وتشكل حكومة تستمر أربعة سنوات؟
مفارقات تستحق الرصد:
نرصد مفارقتين في السوق السياسي العراقي تستحق الوقوف عندها بشيء من التأمل لكن بلا تعليق، أولها مشهد الفلوجة كمدينة منكوبة خلال حكم علاوي الأول تحتفل بفوزه! في حين كان المستهدف من الهجوم آن ذاك ليس كما يدعي البعض من أنه مجرد هجوم على معاقل القاعدة في هذه المدينة، فالهجوم قد أكل الأخضر واليابس، ولكني أجد اليوم أن أبناء هذه المدينة يحتفلون بعودة القائمة التي قودها علاوي إلى السلطة! وحتى الارهابيون مؤيدوا القاعدة فرحون!! فمجرد مشاهدة سريعة لفضائية الرافدين التي تديرها هيئة علماء المسلمين سنلاحظ حجم الفرح المبطن، وحتى الصريح.
أيضا، كان علاوي قد هاجم معاقل الصدريين في النجف كما فعل في الفلوجة، لكن التيار الصدري يكافئ علاوي بالوقوف إلى جانبه، ويحاوره حول تشكيل الحكومة، بذات الوقت يعاقب شريكه الاستراتيجي لأنه ضرب المليشيات في البصرة! كل هذا والسيد مقتدى مازال يعيش في إيران التي تجد بعلاوي عدوها اللدود!
إنه حقا العجب العجاب!!!
ألا يعني ذلك أن القوتان الأساسيتان المتصارعتان على أرض الرافدين، إيران من جانب والسعودية حليفة العم سام من جانب آخر، قد نسقوا المواقف؟ أم أن إيران حسبت الأمور بطريقة خاطئة؟ يجب أن لا ننسى التقارب السوري مع السعودية وأمريكا والوعود المعلنة، والخفية، التي قدمت إلى سوريا، والكل يعلم علم اليقين عمق الشراكة الاستراتيجية بين سوريا وإيران.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار