الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة أم ثورة مضادة - ترجمة. فاروق حميد

كورش مدرسي

2010 / 3 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ثورة أم ثورة مضادة
كورش مدرسي*

1 ـ المقدمة
ان التناحرات الداخلية في الجمهورية الاسلامية و الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة التي أعقبت انتخابات رئاسة الجمهورية في ايران هزت المجتمع الايراني بشدة. و تجسد هذه الاحداث اصطفاف سياسي طبقي جديد في ايران. و حدث هذا التغير في الجمهورية الاسلامية عقب هزيمة امريكا و الحركة القومية الموالية للغرب.

ان الصراعات الداخلية للجمهورية الاسلامية و الطابع القتالي الذي اتخذته الاحتجاجات الجماهيرية غيرت اجواء المجتمع الايراني بشدة. و تعد هذه من بين اكثر الاظطرابات حدة في ايران بحيث ان الكثيرين أطلقوا عليها ثورة و البعض يسميها ثورة مضادة. لقد اخترت لحديثي هذا عنوان " ثورة أم ثورة مضادة " كي اجلب الانتباه الى نقطة وهي ان هذه الاحداث لا بثورة و لا ثورة مضادة, كما أود ان الفت نظر الطبقة العاملة و الشيوعيين الماركسيين الى مسألة استحالة استبيان الاوضاع الجارية بواسطة مثل هذه المفاهيم البسيطة و عقلية الابيض و الاسود أو " الطره و الكتبه " فحسب.

ان الاحزاب السياسية, بدءا من هيئة الاذاعة البريطانية ( التي اعتبرها حزب سياسي) و " جناح الاكثرية " الى الحزب الشيوعي العمالي, مرورا بموسوي و جبهة الاصلاحات وصولا الى خامنئي و احمد نجاد و شريعتمداري و غيره اعطوا تحليلاتهم للاحداث و وجهات نظرهم حول الحقائق وحول من يجانبها, حول ماهية الاحداث و كيفية التأثير عليها وقد وصلوا الى نتائج متفاوتة.
ان الحزب الحكمتي يعد من بين احزاب معدودة له موقف يختلف اختلافا جذريا عن موقف الاخرين. و أود هنا ان اعطي توضيحا حول الرؤية النظرية التي يستند اليها موقفنا المتميز هذا. أن اوضح ان هذا الموقف متخذ من وجهة نظر الطبقة العاملة و مصلحتها.
ان الغرض من هذا البحث هو النظر الى هذه الاحداث انطلاقا من وجهة نظر الطبقة العاملة. أن نجسد تمايز هذه الرؤية عن الرؤى البرجوازية و نستخلص الدروس من هذه الاحداث للطبقة العاملة. أن التحليلات و التوضيحات السياسية طبقية قبل ان تكون صحيحة أو خاطئة.

لايمكن توضيح المواقف و التحليلات المتباينة انطلاقا من صحتها أو بطلانها. أن السياسات المتخذة تكون خاطئة او صحيحة طبقا لمصلحة الطبقة العاملة.
على الطبقة العاملة ان تدرك ان الحقائق السياسية في مجتمعنا انما هي حقائق طبقية. فما تعد حقيقة بالنسبة للبرجوازية تعد مناوئة للحقيقة بالنسبة للطبقة العاملة و العكس صحيح ايضا. ماتبدو حقيقة لنا تعد كذبة و حقيقة باطلة عند مختلف الشرائح البرجوازية.أود أن اقول هنا أن التحليلات السياسية ليست بحد ذاتها صحيحة أو باطلة. ان مسألة صحتها أو بطلانها مرتبطة بموقف أية طبقة في المجتمع يتخذه المرء ازائها. ان الاحزاب السياسية الواقعية غالبا ما لا تتخذ سياسات " خاطئة ". انها تتخذ سياسات عملية التي تعكس مصلحة هذا الجزء أو ذاك من المجتمع. عندما نتحدث عن الاخطاء, نتحدث في الواقع بصورة غير مباشرة عن الاخطاء في اطار " مصلحة واحدة " لطبقة معينة.

بهذا الاعتبار فان " جناح الاكثرية " أو " هيئة الاذاعة البريطانية " لايقدمون تحليلات خاطئة عن الاوضاع.
ان تحليلاتهم , انطلاقا من وجهة نظر الطبقة التي يمثلونها صحيحة. لو وقفت في موقفهم و ونظرت الى المجتمع من زاوية نظرهم فانك ترى العالم مثلما هم يرونه. فكما ان الرأسمالي و انطلاقا من موضعه يظن ان الرأسمال يولد الربح و ليس عمل العامل , و الاهم من ذلك فان مهمة مثقفي البرجوازية تتلخص في تعريف هذه الرؤية على انها حقيقة نافعة للمجتمع.

*المقال مترجم عن النص الفارسي لحديث قدمه كورش مدرسي في لندن في 27 حزيران 2009. محور الحديث
يدور حول النظريات و الاحكام الرائجة لدى مختلف الفئات البرجوازية المتعلقة بالاحداث و المظاهرات التي اعقبت الانتخابات الايرانية أواسط العام الماضي. يقدم الكاتب مستندا الى نهج المادية التاريخية لماركس, تحليلا دقيقا للاحكام الرائجة و يوضح الماهية الطبقية لتلك الاحداث و الحركات المشاركة فيها. ان الدرس الاهم لكل شيوعي و ناشط عمالي هو وجوب النظر الى الاحداث الجارية في المجتمع من زاوية مصلحة الطبقة العاملة دائما و عدم الانجراف وراء التيارات و الحركات البرجوازية المشاركة فيها. ( المترجم: فاروق حميد).
يتعلق بحثي بأن تحليلات الاحزاب البرجوازية السياسية لهذه الاحداث لا تعكس مصلحة الطبقة العاملة. و تبعا لذلك فأنها عندما لاتمثل مصلحة الطبقة العاملة, لا تمثل مصلحة تحرر الانسان أيضا. ان مصلحة الطبقة العاملة خصوصا في الاوضاع الراهنة تستوجب حديثا من نوع اخر.

نقطة اخرى ارى من الضروري تأكيدها وهي امكانية تحليل أحداث هذه الفترة من عدة زوايا مختلفة, و جميعها وجهات نظر معقولة. من الممكن تداولها من النواحي السياسية. من الممكن التعرض الى النواحي السيكولوجية الاجتماعية للجماهير و تحليل مسألة الالية التي تتخذها الجماهير و ماذا يحدث مثلا عندما تندفع الى الشارع ؟
من الجائز التطرق الى الناحية السيكولوجية الطبقية. من الممكن تحليلها و تقصيها من الزاوية التاريخية, أو توضيح العلاقة بين الاوضاع الراهنة في ايران و الازمة الاقتصادية العالمية. لايغطي بحثي كل هذه الجوانب ولا نية لدي ان أغطي كلها. أظن ان هذه المسألة متعددة الجوانب و كأي تحرك اجتماعي يمكن التطرق اليه و كذلك الوصول الى استنتاجات معينة انطلاقا من زوايا مختلفة.

في بحث اليوم اود ان اتكلم بخصوص عن الاصطفاف السياسي الطبقي في الاحداث هذه, و ان استدل مرة اخرى انه ينبغي للطبقة العاملة ان تنتبه الى الدروس الطبقية من هذه الاحداث و ان تنتبه الى كونها تملك مصلحة تختلف عما لدى سائر الشرائح البرجوازية و لابد للطبقة العاملة من اجل تحررها و معها تحرير المجتمع ان تختار نهجا و طريقا مختلفا و كذلك ان تتخذ سياسات مختلفة ازاء الاحداث الجارية.
ان المعني ببحثي هذا , هو الناشط و القائد الشيوعي للطبقة العاملة و ليس شخص متعاطف مع حركة الخضر بصورة واعية. ان المعني ببحثي ليس الناشط السياسي بالمعنى العام للكلمة. ان المعني ببحثي ليس يساري منتحب يهرع لاهثا وراء " الثورة الخضراء " بصورة واعية. هذا البحث لا يعطي الجواب لسؤالات شخص يهم بأنتظار ولو ذرة من الديمقراطية املا في تحسن الاوضاع. أن المعني ببحثي ليس المفكر و الناشط البرجوازي. ان المعني هنا هو شخص يجعل من انهاء العبودية و التحرر الشامل للبشرية هدفه الفوري. ان هذا البحث موجه أساسا الى الناشطين الشيوعيين في صفوف الطبقة العاملة, و الذين يهمهم معرفة ماذا حدث و ماذا يجري على الساحة.
نبذل جهدا في سبيل وضع تصور عمالي عن هذه الاحداث لدى الطبقة العاملة و نسعى الى المساهمة في تعميق الوعي الذاتي لديها, و طبقا لازدياد الوعي الطبقي ان نزيد من الاتحاد الذاتي للطبقة العاملة كي تندفع الى الميدان بسياسة مستقلة.
ان ما حدث كانت هزة من هزات المجتمع الايراني. سوف تأتي هزات عديدة. ان تاريخ المجتمع لم يبدأ بهذا الحدث كما لا ينتهي به. هذه المعركة لم تكن المعركة الاولى و لن تكون الاخيرة. انها معركة من معارك اسقاط الجمهورية الاسلامية و في سبيل الثورة الاشتراكية التي امامنا ان نخوضها.

2 ـ الوهم أم الواقع: كيف يمكن تقيم ماهية الاحداث
ان نفس مسألة كيفية بدء الاحداث الجارية و ماهيتها كالعادة تشكل المصدر الاساسي لجميع الاختلافات. اطلقت مسميات عديدة على هذه الاحداث. ثورة, قمة الثورة, الحلقة النهائية لسقوط الجمهورية الاسلامية, حركة الاسقاط, ثورة من اجل العودة الى الروح الحقيقي للجمهورية الاسلامية, حركة المجتمع المدني, حركة رجعية, ثورة خضراء و هلم جرى. و من الواضح ان كل واحد منهم حاول ان يأتي بأستدلالات غير قليلة لأحكامه.نتيجة لذلك علينا باديء ذي البدء ان نوضح الفرق في توجهاتنا مع اليسار بمجمله تقريبا في تفسير هذه الاحداث. ارجو السماح لي بالاستمرار في توضيح هذه الاختلافات ضمن تقيم الاحكام الرائجة حول هذا التحرك الاجتماعي.

الحكم الاول: " ان الجماهير التي نزلت الى الشارع تطالب بأسقاط الجمهورية الاسلامية "
ان الجماهير التي نزلت الى الشارع ليست موالية للجمهورية الاسلامية. انها نزلت الى الشارع احتجاجا على الجمهورية الاسلامية. ان الاحتجاجات جماهيرية و ينبغي مساندة حركة الاحتجاج ضد الجمهورية الاسلامية و كذالك المشاركة فيها و السعي الى جعلها حركة راديكالية.

يمكن القول ان التعبيرات المختلفة عن هذا الطرح تشكل الحجر الاساس لدى القسم الاعظم من الحركات السياسية الايرانية و ضمنها اليسار الايراني في اتخاذ موقفها حيال تلك الاحداث.
نتيجة لذلك يتحتم علينا بادي ذي بدء ان نتناول هذا الطرح البديهي في الظاهر, و كشفه على انه لايمت بصلة للحقيقة و المنفعة الانسانية من وجهة نظر الطبقة العاملة فحسب و انما في الغالب عبارة عن صيغة لتطعيم الطبقة العاملة و مناضلي الحرية الحقيقيين بالرجعية. و علينا ان نوضح ان هذا الطرح يشكل اساسا لتوجيه شامل بغية جر الطبقة العاملة و كل التحرريين الحقيقيين خلف التيارات البرجوازية و الرجعية.
من الواضح ان جماهير غفيرة في المدن الايرانية نزلت الى الشوارع في احتجاجات محقة و مبررة. اعترض كثير من المشاركين ضد الحجاب. اعترض الكثير منهم على القمع الثقافي و السياسي. و اعترض الكثيرون على التميز الجنسي. و شارك الكثيرون و احتجوا عن حق على جوانب محددة من الحياة اليومية في المجتمع.
بينت هذه الاحتجاجات ان المجتمع الايراني مجتمع ثورات. و لم يجرب أي بلد مثلما جرب ايران الثورة بمعنى اسقاط الدولة عن طريق الانتفاضة و الاحتجاجات الجماهيرية. ان الاعتراض القتالي ضد الدولة يعد جزء من الثقافة السياسية في المجتمع الايراني و بذلك يتميز ايران عن باقي دول الجيران و المنطقة التي تطرقت اليها في بحث اخر. اضافة الى ذلك بينت الاحتجاجات انه حالما تنفتح فرجة في دولة استبدادية يصبح بأمكان أي شخص ان يطلق صرخته .هذه حقيقة لا غبار عليها. نرى نفس المسالة في بورما و الصين ايضا حيث ما تحدث " جلبة" يأتي الشخص أيا كان و يطلق صرخاته. حسنا لو رأى أي واحد منا اناسا امام دارنا يصرخون عاشت الحرية لذهبنا معهم و صرخنا عاشت الحرية. لو صرخوا الموت للاستبداد و الدكتاتور لصرخنا نحن ايضا الموت للاستبداد و الدكتاتور و سعينا الى اطلاق شعاراتنا و التأثير عليها. انها من الخصائص الاجتماعية للانسان عند الغليان في مجتمعه ان يخرج و يطلق صرخاته.

غير ان الاستنتاج من هذه الظاهرة " الطبيعية " بأنها في خدمة مصالح الناس أو الطبقة العاملة النازلة الى الميدان و المطالبة بحقوقها, يعد نهجا تجريبيا تستند اليه التيارات السياسية وكذلك الصحافة و الاكاديمية " الموضوعية" للبرجوازية في مقابل المادية التاريخية لماركس و انجلس.
نظرة سريعة تبين ان " نزول الجماهير الى الشارع " ومسألة ان أي شخص ذو دوافع يطلق صرخاته ,لا تشكل خصوصية الاحتجاجات الاجتماعية في ايران أو الثورات التقدمية فحسب. أن الثورات و الحركات الجماهيرية في العالم سواء أكانت رجعية و قومية ام عمالية لها نفس الخصوصية. تعد هذه ميزة اجتماعية لاية حركة جماهيرية و ليست ميزة حركة اجتماعية محددة.
عندما ننظر الى ثورات أوروبا الشرقية التي كانت حركة ليبرالية لضمان غلبة رأسمالية السوق الحرة, نرى نفس الظاهرة.ماذا أرادت الجماهير التي نزلت الى الشارع في ثورات أوروبا الشرقية ؟الم يطلبوا بالتخلص من النظام الروسي الفاسد ؟الم يطالبوا بالتخلص من نظام رأسمالية الدولة المهترئ و نادوا بالحرية و الرفاه فحسب؟ الم يندفعوا الى الميدان دون ان يفكروا بغير الحرية و الرفاه فحسب ؟

حسنا ماذا أراد الذين أخذوا بيدهم المطرقة و هدموا جدار برلين ؟ كم في المئة منهم كان مواليا لنظام الرأسمالية الوحشية المنفلتة من عقالها ؟ الم يكن تسعون بالمئة منهم اناسا يهتفون بالحرية و الرفاه ؟ و عن الحرب القومي بين الصرب و الكروات حيث ذبحوا بعضهم البعض, ماذا أراد المواطن الصربي و الكرواتي ؟و ماذا عن دوافع الفرد الذي شارك في حرب افغانستان ضد الروس , حيث حمل السلاح و في يده راية مجاهدي الافغان؟ ما الذي اراده كل واحد منهم بالذات؟ الم يريدوا ان يحرروا بلدهم من قيود الاحتلال و ينعموا بحياة افضل ؟
لقد جذب النازييون الى صفوفهم في سنوات 1934/1935 قسما كبيرا من البروليتاريا الصناعية الالمانية من بين صفوف حزب الاشتراكي الالماني. ماذا قال العامل الالماني الذي كان يدعم النازيين و يذهب في مسيرات في شوارع برلين؟ ماذا كان دافعه؟ لم يكن دون مبرر ان اطلقت الفاشية الالمانية على حزبها القومي الاشتراكي ؟
هل اراد العمال الذين ساندوا النازية ابادة الناس في المحارق؟ هل ارادوا قتل 20 مليونا من سكان روسيا؟ هل أرادوا اخضاع اوروبا لجزمة الفاشية و سلاسلها ؟

لو وضعت نفسك مكان هؤلاء الناس في تلك الفترات لرأيت انهم أتوا و صرخوا تحت رايات خاصة بهم و النقطة الاهم هي ان تلك الحركات و التيارات كانت لها هوية متمايزة عن دوافع و " صرخات" المشاركين فيها.
ان استنتاج الهوية السياسية الطبقية لحركة معينة بناءا على عدد الافراد الذين يشاركون فيها و دوافعهم , يعد اكبر خطأ و أكبر حيلة في مجال تدوين التاريخ على الطريقة البرجوازية و موضوعيتها التافهة. هل لدى حركة طالبان قليل من الجماهير؟ هل لدى حماس و حزب الله قليل من الجماهير و هل تنقصهم مظاهرات جماهيرية؟ هل كان لدى متظاهري الفاشية في المانيا و ايطاليا قبل الحرب العالمية الثانية قليل من الجماهير؟

ألم يجرب الذين عايشوا تكون ثورة 79 قبل الانتفاضة في ايران الامر نفسه ؟ ألم يندفع اليسار الشعبي الى الميدان حاملا نفس الأفكار, جريا وراء الحركة الاسلامية المناوئة للملكية ؟ و هل الذين تظاهروا أيام تاسوعاء و عاشوراء 79 أرادوا قيام حكومة اسلامية برمتهم؟ غالبيتهم أرادت الحرية. قسم كبير منهم شارك في المظاهرات نفسها بشعار عاشت الاشتراكية,حيث كانوا ينزلون راياتهم بقوة احيانا و اخرى لم يفعلوا.

هل الملايين من الجماهير التي استقبلت الخميني ارادت هذه النتيجة ؟ ألم يلتحق اليسار صفا مستقلا بالسيل العارم
لاندفاع الجماهير؟ ألم يتصادم بضعة مئات من اليسار الى جانب مئات الالاف من الجماهير مع الحرس الشاهنشاهي في ميدان فوزيه في نفس ليلة الانتفاضة سنة 79 ؟ و هل تردد أحد في أن المقرر و قائد الحركة الاسلامية آنذاك لم يكن سوى هادي غفاري ؟ ماذا كان هتاف الذين نزلوا الى الشارع وانتفضوا؟ سوى عاشت الحرية ؟ سوى الموت للشاه ؟ سوى حكومة " المستضعفين"؟
هل اتت منظمة مجاهدي خلق بقليل من الناس الى الشوارع بشعارالموت للدكتاتور والموت للخميني يوم 20 حزيران 1981؟ أليس العديد ممن قتلوا في 20 حزيران 1981 كانوا رفاقنا الذين ضحوا بحياتهم و هم يواجهون الرصاص بشعار عاشت الاشتراكية ؟

و هل كان مقاتلي الحزب الديمقراطي في قتالهم ضد منظمة كومله رأسماليي كردستان؟ ألم تستفيد قيادة الحزب الديمقراطي و الشيوعية البرجوازية الايرانية بالضبط من كون مقاتلي الحزب الديمقراطي من " صفوف الشعب", في محاربة الشيوعيين و الطبقة العاملة في كردستان ؟ و هل كان الحرس الثوري و متطوعي " البسيج" الذين يقمعون الناس رأسماليي أيران؟ ألم يكونوا اناسا يظنون انهم يدافعون عن كرامة الانسان و تعاليه؟
الذين يتذكرون أحداث كردستان العراق بعد حرب الخليج الاولى سنة 1991 عليهم ان يتذكروا ان نفس النظريات القومية راجت و احدثت جدلا آنذاك, تفكك في أعقابه الحزب الشيوعي الايراني. [انظر " فقط خطوتين الى الوراء" منصور حكمت]

في كردستان و عقب حرب الخليج ثارت الناس وافرغت كردستان من مؤسسات حكومة صدام. أعتبر التيار القومي الكردي الايراني ذلك بمثابة انتفاضة " شعبية" و رحب بنظرائه في العراق بحفاوة. و النتيجة كانت استيلاء التيار القومي الكردي على السلطة في كردستان العراق. كم من المشاركين بالانتفاضة , لو رأوا أوضاع اليوم, كان على إ ستعداد أن يقوم بالانتفاضة بذلك الشكل آنذاك ؟
أ يريد جميع الموالين لحزب الله في جنوب لبنان حكومة إسلامية ؟ و ماذا يقول الموالين لطالبان ؟ يقولون ان الجميع لصوص, و نحن نحارب السرقة و الفساد. نريد حياة أفضل, و من أجل ذلك تراه أطلق لحيته و حمل سلاح طالبان.
إن استنتاج ماهية حركة ما من دوافع االافراد المشاركة فيها, نهج يتبعه منظمي تلك الحركات لتعبئة العمال و الشغيلة. لو سألت قادة طالبان ماهي ماهية حركتكم لأشار بك الى جماهير العمال و الكادحين الذين اندفعوا الى " الميدان" طالبين حياة أفضل. لو سألت حزب الله نفس السؤال لأجابك بالاشارة الى الجماهير قائلا انهم يدافعون عن انفسهم في مقابل نظام اسرائيل العنصري. و ما حماس سوى دفاع أهالي فلسطين المنظم للخلاص من حياة قاسية يتلقون فيها معاملة حيوانية ؟ ألا يشير موسوي الى نفس الدوافع و التركيبات كي يوضح الحركة الخضراء؟ هل يجوز الاستنتاج من دوافع جماهير كردستان التي ثارت و هدمت اجهزة الامن و الاستخبارات( مؤسسات الامن للحكومة العراقية), ان تلك الحركة لم تكن قومية؟ ألم تكن تلك حركة جماهيرية و ان قسما مهما منها كانت واقعة تحت تأثير يسار كردستان العراق؟

إن إستنتاج ماهية حركة ما من دوافع الافراد المشاركة فيها, عبارة عن خدعة تحليلية ـ دعائية تستخدمها البرجوازية من أجل إظهار نفسها بمظهر "لاطبقي" و "شعبي". إن تسعة و تسعين بالمئة من أحداث عالمنا اليوم تكونها هذه الفئة أو تلك من البرجوازية التي بغية تعبئة العمال و الشغيلة خلف رايتها , جعلت مثل هذا الفهم و التحليل فهما و تحليلا بديهيا في المجتمع.

لو سألت أي قائد برجوازي ما هي خصوصية حركته لأشار بك الى خصوصية الافراد المشاركة و دوافعهم.
ان الصحافة " الموضوعية" للبرجوازية أصبحت متخصصة في هذا المجال و جامعاتها تمنح شهادات دكتوراه في مثل هذا النوع من " الموضوعية". انهم يوضحون لك كيف انه من خلال استحضار جملة من الاسئلة الموجه الى الافراد المشاركة, يتم تعين ماهية تلك الحركة. انظروا الى نهج هيئة الاذاعة البريطانية و مجمل الصحافة و المراكز الاكاديمية البرجوازية, انه النهج نفسه.

ان السؤال المطروح هو لو تكرر اليوم مظاهرات الملايين من العمال دعما لحكومة الاشتراكية القومية الالمانية عام 1934, ماذا يفعل اليوم الشخص الذي جرى وراء حركة الخضر في مقابل الطرح الذي يعتبرها "عمالية و جماهيرية"؟ لو تكررت حركة الصرب و الكروات اليوم ماذا يفعل اليسار الصربي و الكرواتي بهذا النهج؟ لو تكررت اليوم انتفاضة كردستان أو أحداث حزيران 1981 أو مظاهرات تاسوعاء و عاشوراء 1979 و استقبال الخميني, ماذا يفعل اليسار؟ فقط السير في ذيل البرجوازية, فقط تحويل العمال الى المعسكر البرجوازي مرة ثانية؟
إن السؤال الذي ينبغي للطبقة العاملة أن تسأل نفسها حقا هو لو أن دافع غالبية المشاركين في كل الحركات الجيدة و السيئة في العالم هو من باب "خير" , اذن لماذا انتصار تلك الحركات ليس من نصيب الطبقة العاملة أبدا؟ لم يتم خداع الطبقة العاملة دائما؟ هل المشكلة تكمن في ان ليست للطبقة العاملة نبيا و بطلا يقودها؟ لو انها كذلك لم يقول النشيد الاممي اذن ان لا إله و لا ملك ولا بطل يحرر البقة العاملة؟ لم يكون الحكم الاول لماركس هو ان على الطبقة العاملة ان تحرر نفسها بنفسها؟

ان المسألة الاساسية في أي تحليل موضوعي هو ان يتمكن المرء في تشخيص ماهية و هوية الحركة قبل ظهور النتيجة لا بعدها. ان توضيح محصلة الحركة بعد انكشاف نتيجتها, تنبؤ منتهي وفارغ من المعنى. السؤال المطروح هو كيف نتمكن قبل انكشاف النتيجة ان نعطي تقيمنا حول ماهية النازية و القومية و النازية؟

ينجر الحديث هنا الى موضوعية ماركس. يقول ماركس انه لتفسير حركة اجتماعية لا ينبغي التركيز على دوافع الافراد المشاركة فيها أو وعهم عما يقومون به. إن الافراد دائما يدخلون الميدان من أجل حياة أفضل, حتى عندما يقودهم أكثر الحركات رجعية و ظلامية. ان دافع الافراد المشاركة في حركة ما لا يحدد مجرى الاحداث. غالبية الناس تشارك بدوافع طيبة أيا كانت الحركة.
ان المادية التاريخية لماركس تتناول عاملا اخر. ماركس و انجلس يشيران الى دور الحركات الاجتماعية و علاقتها بمختلف لطبقات المجتمع و يقدمون بذلك المادية التاريخية. يقولان ان وعي الفرد عما يقوم به ليس بعامل مقرر. ينبغي النظر الى الطبقات و حركاتها. ينبغي النظر الى الافق العام الذي تضعه الحركة أمامها.ينبغي النظر الى العلاقات الانتاجية القائمة التي تستند اليها الحركة و فيم ترى بالضبط انتصارها؟ و في تقوية اية احزاب و شخصيات سياسية ترى انتصارا لها؟ و تحقق اية مطالب ترضيها؟ متى تحتفل بانتصاراتها؟ و تقرب اية قوة سياسية من السلطة و تبعد أية منها؟ و حتى الاحزاب السياسية يمكن فهمها في خضم تلك الحركات.

لو فعلت ذلك لادركت ان الحركة الاسلامية, الحركة التي ترضى بانتصار نوع من الاسلام, حركة رجعية بتاتا, رغم ان غالبية المشاركين فيها افراد التحقوا بها صارخين بوجه الظلم و الفقر و القمع السائد.
قرابة مليون آذري الذين نزلوا الى الشوارع و احتجوا ضد قضية " الرسوم الكاريكاتورية" , لم يكونوا أتراك متعصبين. لقد فاض غيضهم و ارادوا اطلاق صرختهم.غير ان التيار القومي التركي الذي يتخذ من انتصار الترك قاعدة له, تمكن من خلق أجواء حشد فيها هؤلاء الناس تحت رايته كي " يطلقوا صراخهم". و كيف يمكن للقومية ان تحشد العمال و الشغيلة تحت رايتها دون مثل هذه الاجواء و التوجيهات ؟

قلت لو انك كنت قوميا و برجوازيا لكانت تلك الرؤية غير خاطئة . ان البرجوازية تحاول دائما ان تخاطب المجتمع بمثابة ممثلتها. فن البرجوازية تكمن في اعتبار أو تسمية حركتها حركة لاطبقية للمجتمع قاطبة. إن التيارات البرجوازية تعتبر الاحزاب العمالية طبقية بينما ترى احزابها غير طبقية. تقول البرجوازية انهم يمثلون مصالح طبقة معينة بينما انا أمثل حزب المجتمع كله و أعكس مصالح الجميع قاطبة. أنا مظلة تمثل الجميع و جميع الذين تجمعوا تحت رايتي, دليل على مصداقيتي. و تعلن بالطبع ان لكل فرد عقيدته. بعض الناس يمينيين و البعض الاخر يساريين غير اننا جميعا تحت مظلة واحدة. مظلة غير طبقية لأنسان غيرطبقي منفرد في المجتمع.

ان البرجوازية تحتاج الى مثل هذه النظريات , تحتاج الى نظرية تعتبر الفرد مصدرا للحقيقة و مصدرا للوعي الجماعي. من أجل ذلك يدفعون مصاريف الجامعات و اساتذة العلوم و علم الاجتماع كي ينشروا مثل هذه النظريات. لو نظرت الى الامر من وجهة نظر مصلحة البرجوازية فان هذا هو اصح الطرق, الذي يمكن بواسطته اثبات ان الفرد مسؤول عن الصالح و الطالح في حياته . ان الفقر هو من تقصير الفرد نفسه كما ان الثروة و الرأسمال من فضائل فرد اخر. و يحارب ماركس في الايدولوجية الالمانية و البيان الشيوعي و الرأسمال مثل هذه النظريات و الحركات و يقول انها خدعة برجوازية. خدعة تمررها البرجوازية انطلاقا من مصالحها على الطبقة العاملة. يقول ماركس انه ينبغي النظر الى الحركات و حتى الاحزاب ينبغي تقيمها في خضم الحركات تلك.
ان لم تفعل ذلك فلا يمكنك ان تفسر لم كانت " السياسة الاقتصادية الجديدة" بعد ثورة اكتوبر التي قضت بتوسيع الرأسمالية الخاصة, سياسة عمالية بينما انتفاضة بحارة " كرونشتاد" لم تكن ذلك. ولماذا لم تكن لتأميم المصانع من قبل الجمهورية الاسلامية بعد ثورة 79, صلة بمصلحة العمال و الشغيلة.

لقد تلاشى الحزب الشيوعي الايراني بالضبط في أعقاب الجدل الدائر حول ماهية الاحداث و الاستنتاجات المترتبة عنها التي جرت عام 91 في كردستان العراق و ان قادة جناح في الحزب الشيوعي الايراني التي اعتبرت الحركة حينها جماهيرية مستندة الى المشاركة الجماهيرية الواسعة فيها, أصبحوا اليوم قادة التيار القومي الكردي الايراني و الناطق الرسمي لها, بينمت أصبحنا نحن في حزب شيوعي. و قد جعلوا في ذلك الوقت شعارات و تركيبة المشاركين في الانتفاضة دليلا لحركة ينبغي حسب رأيهم " الالتحاق بها " و " التأثير عليها". في الوقت نفسه تنبأنا نحن ان التيار القومي الكردي كان بحاجة الى مثل هذه الرؤى و الاستنتاجات و لهذا السبب صارت عداء التيار القومي الكردي و تقابل اليسار الشعبي لمنظمة كوملة تجاهنا لحد اليوم.
ان توقعاتنا في ذلك الوقت لم تكن نوع من النبوءة أو قراءة حظ. إنما كان استخدام نهج ماركس و النظر الى تلك الاحداث من وجهة نظر مصلحة الطبقة العاملة. ان الافق الذي ساد مجتمع كردستان العراق آنذاك و ماعتبره انتصارا له كان في الواقع انتصار التيار القومي الكردي. لو وصل جلال طالباني و مسعود بارزاني الى الحكم كما وصلوا, لشعرت الناس بالانتصار كما شعروا.

الحكم الثاني: " هذه حركة عفوية لا قيادة لها"
انها حركة عفوية لا قيادة لها. طبقا لتناول الموضوع على هذا النحو , لو اصبح معلوما ان قادة حزب معين أو الحزب نفسه لم يكن يملك دور مباشر في الاحداث الاجتماعية و ان الحركة " عفوية", يستنتج من ذلك أن تلك الحركة لا ترتبط بنزعة أجتماعية خاصة و انها "جيدة" و تقدمية فحسب.

(التتمة تأتي لاحقا)

ترجمة. فاروق حميد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا