الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السباحة في بحر الفيسبوك

رائد الدبس

2010 / 3 / 29
الصحافة والاعلام


قبيل انعقاد القمة العربية في مدينة سرت الليبية، التي تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، كنتُ أقرأ خبراً في جريدة هآرتس الإسرائيلية عن مديرة مدرسة إسرائيلية توزع شريطاً عنصرياً على صفحات الفيسبوك، تقول فيه أنها تريد أن تلقي بالعرب في البحر كي يتعلموا السباحة.. ضحكتُ في سرّي وقلتُ : هذه عنصرية لطيفة .. فهدفها المُعلن –على الأقل- هو تعليم العرب السباحة !

وفي تعليق من قارئة فلسطينية على المقالة التي نشرها الشاعر والروائي إبراهيم نصرالله في صحيفة القدس العربي، عن قرار إيقاف صفحة مبدعون فلسطينيون ، تقول القارئة: أنها قرأت مقالاً في صحيفة هآرتس، يصف صراعاً بين مجموعتيْن إسرائيليتيْن في صفحات الفيسبوك، واحدة مُصنّفة كمجموعة يسارية والأخرى يمينية اسمها إم ترتزو ، توصف بأنها مجموعة عمل فاشيّة ضد مؤسسات حقوق الإنسان، وضد المثقفين والمفكرين والفنانين، وضد الفلسطينيين والعرب، بطبيعة الحال...وتستطرد القارئة فتقول: للوهلة الأولى، استشطتُّ غضباً فكيف تجد تلك المجموعة المتطرفة مُتسعاً للعمل من خلال الفيسبوك في حين أن صفحة مبدعون فلسطينيون تمّ إيقافها عن النشر بقرار من إدارة الفيسبوك؟ وهو تساؤل طرَحَته أيضاً الصحفية الفلسطينية هبة لاما، في مقال نشرته العديد من الصحف والمواقع الإعلامية.

عجائب وغرائب عالم الفيسبوك وإدارته، كثيرة ولا حصر لها، مثل عجائب هذا العالم وإداراته.. أعطي مثالاً حياً آخر. الصديقة الفلسطينية المقيمة في المهجر،عايدة نصار، وهي من أبرز الناشطين والناشطات في حملة داعمي صفحة مبدعون فلسطينيون التي زاد عدد أعضائها عن 3600 مشترك خلال أسبوع واحد فقط، أرسلت رسالة إلى إدارة الفيسبوك بلغة إنجليزية راقية، تدافع فيها عن الصفحة وتشرح طبيعتها الثقافية والخ. جاءها رد الإدارة شاكراً لها على تقديمها شكوى ضد الصفحة ، بل ومشجعاً إياها على عدم التردد في إرسال المزيد ..!! أما د. وليد الشوملي، رئيس المركز الفلسطيني للدراسات وحوار الحضارات، الذي أرسل لهم رسالة بالانجليزية تركز على فكرة حوار الثقافات والحضارات، فقد أهملوا رسالته. وكذلك فعلوا مع الشاعر والروائي إبراهيم نصرالله، الذي تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية. وكذلك فعلوا مع مبدعين آخرين. هذا كله يُضاف إلى إهمال الرد على رسائل إدارة الصفحة ذاتها.

أصابني مؤخراً شيء من الذهول المساعد على الفهم ،عندما قرأت مقالاً للإعلامي الفلسطيني فادي أبو سعدى، الذي زار مقر الفيسبوك في كاليفورنيا، واكتشف أن عدد العاملين فيه لا يتجاوز 1400 موظف، يديرون العمل اليومي للفيسبوك الذي يضم 400 مليون صفحة لمشتركين حول العالم. النتيجة التي يمكن الخروج بها من هذه المعلومة، هي أنه لا يمكن إطلاقاً لهذا العدد الضئيل جداً من الموظفين أن يغوص في أعماق كل صفحة من أل 400 مليون صفحة مسجلة، كي يفهم ويحلل محتوياتها ومدى تطابق ما تنشره مع شروط الاستخدام المُعلنة في الفيسبوك..فيبدو أن هذه المسألة تخضع لمتابعة آلية مبرمجة تتسم بالميكانيكية والبلادة والبلاهة، في تلقي شكاوى من لوبيات أو مجموعات يعتمد مدى نجاحها في إيقاف أية صفحة لا تروق لهم، على ممارسة عمل منظم قد لا يستغرق جهداً كبيراً . فالتخريب والشكوى لا تحتاج لجهد إبداعي ، بل لقليل من المثابرة وكثير من النوايا السيئة وضيق الأفق.

تجربة عمل صفحة مبدعون فلسطينيون على الفيسبوك، التي قارب عدد المشتركين فيها عشرين ألف مشترك، هي تجربة استحقت ما استحقته من الانتباه والاحترام من ناحية، مثلما استحقت ما استحقته من كره وعداوة خصوم مجهولين مثل وطاويط الظلام، لأنها عملت بشكل جاد ومثابر، على الترويج لثقافة وطنية فلسطينية جمعية ومنفتحة على أفقها الإنساني الرحب.
في كل اختياراتها للنشر، سواء في الشعر أم النثر أم المسرح والسينما والموسيقى والفن التشكيلي وغير ذلك، حرصت الصفحة حرصاً شديداً على إبراز الوجه الحقيقي الإنساني المتنوع للثقافة والإبداع الفلسطيني الملتزم، ذلك الوجه الإنساني الجميل المشرق الذي لا يريد أعداؤه رؤيته، مثلما لا يريد رؤيته أيضاً، بعض خصومه المحليّون، ضيّقوا الأفق، أصحاب الفكر الظلامي المعادي للثقافة والفنون، والمقلل من شأنها ودورها. لأجل ذلك فقد تم استهدافها.

وسواء استعادت هذه الصفحة حقها بالنشر على الفيسبوك أم لا، فيكفي أن نقول الآن ،أنها لن تفقد الوسيلة. وكما قالت العرب: رُبّ ضارة نافعة. وعَليّ أن أضيف هنا، شكراً لشاب فلسطيني لم نكن نعرفه ولا يعرفنا سابقاً، صاحب شركة برمجيات اسمه زيد عميرة. الذي تطوع دون أي شرط أو طلب لتحويل الصفحة إلى موقع يجري العمل عليه الآن. وهذا دليل آخر على حيوية روح هذا الشعب.

أما ميزة الصفحة الأساسية التي يمكن أن تفسر التفاف ومحبة هذا الجمهور الواسع حولها وتضامنه الفعلي معها، هي أنها حاولت أن تطرح نموذجاً ومنهجاً، كان الناس يرغبون برؤيته على صفحات الفيسبوك وربما خارجها أيضاً. فهي ليست صفحة فلسطينية ذات نبرة فصائلية، لا ضيقة ولا واسعة.. كما أنها ليست صفحة فردية تروّج لمبدع فرد مهما علا شأنه.. ومثلما حاولت أن تبرز دور المبدعين الراحلين والأحياء، فهي لم تغفل دور مؤسساتنا الوطنية الإبداعية أيضاً. كما أنها لم تقدم نفسها للناس بأي ادعاءات من أي نوع. وربما كان نجاحها تعبيراً عن مصادفة وعن ضرورة في آن معاً... ذلك هو ما ميّز محاولة صفحة مبدعون فلسطينيون عبر صفحات الفيسبوك. ويكفيها اعتراف هذا الجمهور الواسع الذي يستحق الشكر والاحترام. كما يكفيها اعتراف ودعم مجموعة من أبرز المبدعين والمثقفين والأكاديميين الفلسطينيين.

أخيراً، يمكن القول أنّ العرب قد ألقوا بأنفسهم في بحر الفيسبوك وغيره، وتعلموا السباحة فيه. ولم يُلق بهم أحد كما شاءت مديرة تلك المدرسة الإسرائيلية. لكن الأسئلة التي لا تزال مطروحةً هي: كيف ولماذا يسبحون؟وهل يسبحون فرادى أم مجموعات منظمة ؟
وعمَّ يبحثون ؟ وإلى متى سيبقون مضطرين للسباحة في بحار الآخرين ؟؟
تلكَ هي الأسئلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على