الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر، الدين خطان منفصلان

رندا قسيس

2010 / 3 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يطمح الانسان العقلاني في المجتمعات العربية الى فصل الدين عن السياسة املاً في اعادة تجربة العلمانية في مجتمعاته، الا اننا اذا تمعنا قليلاً في موضوع العلمانية، نرى انه من الاجدر بنا ان نطالب في فصل الدين عن الفكر قبل فصله عن السياسة، فنحن جميعاً نسعى الى المعرفة لاكتشاف افاق جديدة تصب في منفعة الافراد و الجماعة، من هنا اجد اهمية الاستناد على فكر قابل للتغيير، غير مرتكز على قواعد ثابتة لا حراك فيها، فتبنينا للثوابت تعاكس التغيرات البيئية و الزمنية.
دعونا في البدء نُعرف معنى المعرفة، في معظم الاحيان يتم خلط مفهوم المعلومة بالمعرفة ليضيع المعنى الاساسي للمعرفة نفسها. لا شك به ان المعرفة تستريح على قاعدة من المعلومات المتوافرة فكما قال اختصاصي الاعصاب "نكاش" المعرفة هي " رواية الانا"، ففي كل مرة نرغب باكتشاف ما لا نعرفه او نسعى نحو ادراك اوسع للمعلومة لتحويلها الى مفهوم معرفي، علينا ان نضع جميع معتقداتنا و مفاهيمنا على كفة الميزان لاستعراضها مجدداً، ففي كل رحلة غوص استكشافية، يتوجب علينا خلع جميع المكونات الانوية الناتجة عن معتقدات و اسس تراكمت في ذاكرتنا لتشكل جداراً استبدادياً و قمعياً كجدار برلين، لهذا يتوجب علينا التحرر من كل شيئ يمكنه اعاقة هذه الرحلة، و هذا لا يتم الا من خلال اعادة تغيير في مبنى "الانا" من خلال قبول الافكار المختلفة و محاولة ترميم التفكير المرتكز على الهدم و البناء بشكل استمراري.
و اذا اردنا تعريف مبنى "الانا"، نراه مرتكز على التعاليم المكتسبة من الثقافة الجماعية و هذا ما نسميه الوعاء الجماعي، لانه يحوي كل الافراد تحت بطانة من معتقدات و رؤى و مفاهيم، حيث يتداخل الوعاء الثقافي الواسع مع وعاء اصغر منه و هو الاسس التربوية الاسرية و التي تختلف بدورها ببعض التفاصيل ما بين اسرة و اخرى، ناهيك عن تداخل الاوعية الخارجية مع القاعدة البيولوجية لكل فرد، لنجد ان المحيط الخارجي له تأثير كبير على ظهور او انضمار بعض الجينات، فعندما نسعى نحو ادراك اوسع او معرفة امر خارج عن هذه الاسس يتطلب منا وضع "الانا" في خانة خارجية كي نستطيع تداولها لاعادة ترميمها.
ثمة من سيجد ضرورة اخلاقية في ابقاء الدين حاكماً للفكر كي يعطيه ابعاداً تتجاوز جميع الابعاد الكونية، فيبدأ اولاً بطرح عظمة الحكمة الدينية و استباقها الغير بشرية في مفهوم المعرفة، لينهي بعدها خطابه التقليدي بضرورية تقييد الافراد داخل بوتقة جماعية، فنراه يسترسل في غناء واعظ لا ينتهي الا بعد مماتنا، و بما اننا ننادي بضرورة احترام اطروحات الغير و السعي الى فهم الاخر، فاننا ملزمون لسماع الافكار المتكررة المليئة بالانشاءات الادبية و التحف الاخلاقية الثابتة و العديمة لكل ما هو متجدد و الغيرملائم لازمنتنا.
دعونا نلقي نظرة الى ينبوع الدين، لنجده مرتكزاً على النشاط النفسي المؤجج للمشاعر المتعاكسة فيما بينها مثل الخوف و الطمأنينة، الرعب و الامان ...عدا عن ذلك، نجد الدين خالياً من الاكتشاف فبتدوينه انغلق على المفردات و العبارات المتحكمة به، فأصبح سجيناً لها عاجزاً عن الحركة، ليتسم بصفات ثابتة، لذا لا نستطيع الاعتماد عليه لاكتشاف ما يحرك رغبتنا في معرفة الاشياء، فالتخلي عن الاكتشاف يعني التخلي عن المعرفة، لان المعرفة ناتج استكشافي، و الاكتشاف حصيلة استفسارات عدة لملاحظات و افكار شتى للواقع الخارجي، و من هذه الحصيلة تتأسس الفرضيات لانشاء النظريات فيما بعد و وضع البراهين لاثباتها في مرحلة لاحقة، لهذا علينا الاستفسارعن وسيلة للعطاء و الابداع في تحديد ركائز المتحول على اسس الثابت، اي كيفية تطبيق العلم على الركائز الدينية، و هنا تكمن المشكلة فالمتحول بحاجة الى اسس و ركائز مرنة قابلة للالغاء و الاكتساب و هذا ما يجعل الدين خارج حلبة العلم و التفكير، لهذا اجد ان المطالبة في فصل الاثنين عن بعضهما ضروري لغايات عدة تصب في خانات الابداع و الاختراع كما تهيئ لنا اجواءً اجتماعية قائمة على التبادل المشترك.
قام فلاسفة كثر باعطاء تفاسير مختلفة لحالة التفكير، منهم "هيوم" الذي اعتبر ان المعرفة مستندة على الانطباعات الحسية فلا يمكنها ان تكون دقيقة لانها ناتج عن محاولات شتى للتفكير معتمدة على الاسباب و النتائج المترابطة و الناشئة من تكرار الانطباعات الحسية.
اما علم البيولوجيا اليوم فقد اعطانا شرح اوسع مما اقترحه الفلاسفة انذاك، فعلينا ان لا ننسى اثر التحليل النفسي و اعتماده على علم الاعصاب القائم على تجارب لفهم دراسة الجهاز العصبي المؤسس بدوره على بيولوجيا الدماغ، كي يعطينا مساحة اكبر في تجنب الاخطاء لنصبح اقل تعرضاً و تفادياً لها. فتبني الفرد او الجماعة اسساً ثابتة، تجعله عاجزاً عن التعلم اي بمعنى اخر؛ القضاء على احتمال تغيير المشابك العصبية لادراك اوسع ناتج عن حالة التعلم، لهذا نجد ان الانسان المنغلق على مفاهيمه يجد صعوبة في تقبل المستجدات و هذا ما يسبب التراجع الفكري لانه في حالة ثبات غير قادر على مجاراة الزمن و التغييرات الطارئة عليه، فلا ثراء في الفكر من دون التنوع المثمر و التداخل الفكري الجماعي، لهذا يحق لنا المطالبة باعادة الدين الى مكانه الاصلي اي الى (المشاعر).
لا شك ان كل منا يختلف في ادراكه للاشياء و للخارج الواقعي، لان الادراك نفسه مبني على تمثيلات عقلية مرتكزة على قناعات و تفاسير ملخصة ب"الانا"، فعلينا ان نسعى دوماً نحو اعادة الحسابات الموجودة في هذا المبنى، و هذا لا يتم الا من خلال النقد و المحاولات المستمرة في تقبل الافكار المختلفة عنا و قبول الخطأ للوصول الى صواب جزئي، فالخطأ و الصواب متلازمان فهما انعكاس للمحاولات الجمة الساعية للوصول الى وعي اكبر لكل ما هوخارج عنا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حضرة الكاتبة المحترمة
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 3 / 31 - 16:41 )
الحركات الفكرية هي أساساً صراع في عقل الانسان ذاته بين الجمود والمرونة, بين الانكفاء على النفس ورغبة الخروج على المألوف توقاً للمعرفة ودعوتك مقبولة بالتأكيد لو لم تشترطي فصل الدين عن الفكر قبل فصله عن السياسة, فإن جاز لي الاجتهاد أرى أن حضرتك بهذا الشكل قد قلبت الهرم لأن قاعدته هي السلطة السياسية دولة الدستور والقانون التي بفصلها عن الدين نضمن لقمته سيادة العقل ونشر حقوق الانسان بما فيها حرية الفكر, ولمنع الحاكم من التحكم باسم الله , ويستتبع فصل هاتين المؤسستين الدينية _ السياسية بالتالي عزل المؤسسة المعرفية ونظامها الغيبي . تغيير طرق التفكير عند البشر يبدأ عندما تتغير الأوضاع السياسية والاقتصادية أولاً , لا العكس , الثورات لا تنتظر العقول حتى تتغير . أرجو أن تتفضلي بقبول الاختلاف وشكراً . دمت بخير


2 - جميل جدا ولكن
وليد حنا بيداويد ( 2010 / 4 / 1 - 10:01 )
الكاتبة الجليلة رندا قسيس، جميل جدا ان يكون التفكير هكذا ولكنه يبقى السؤال المطروح مدى امكانية قبول المجتمعات الشرق اوسطية والتى تقع على اشكالها فى هذا الطرح؟ هل يناسبها ام انها ستواصل على ذات النهج التى وصلت اليه الان؟ انا اتصور انه لايمكن تطبيق تلك المناهج هناك لانها ابت ان تتطور


3 - تعليق
ادم عربي ( 2010 / 4 / 1 - 13:13 )
سيدتي المحترمه انت تطرحين الغاء الدين من الحياه لما له من اثر كبير في سلوك الفرد وهذا ما لا يمكن تحقيقه اي لا يمكن الغاء اي دين من حياة الناس ولكن المطلوب من الدين فقط الاقتصار على المشاعر في هذه الحاله يساهم الدين باحسن ما جاء به من هنا نرى فصل الدين عن السياسه وعن الحياه العامه ممكن ومقبول اجتماعيا وحتما يقود الى ما تريدين
شكرا للمقال


4 - ملاحظات
رعد الحافظ ( 2010 / 4 / 1 - 14:25 )
تغيير الفكر الإنساني عموماً لا يحدث بجرّة قلم
الأمر يحتاج الى تدرّج ومناخ مناسب لتتكون منظومة إجتماعية وسياسية حرة وصحيحة
السيدة الكاتبة تدعو لفصل الدين عن الفكر .. وهذا رائع
لكن كيف يتم ذلك الإجراء بسهولة قبل الفصل بين الدين والسياسة ,هذهِ خطوة مهمة
لو تخلصنا من مساندة السلطة للمسخ الديني نستطيع مثلاً , أن نجلب من يصدرون فتاوي القتل والتكفير وتعريتهم فكرياً على الشاشات ثم محاكمتهم , وتنفيذ فيهم ما طلبوه لغيرهم
.......
السيد آدم عربي يقول كلام جيد / على الدين أن يقتصر على المشاعر , حسناً
لكنه يتسائل كيف يمكن إلغاء الدين من عقول البشر ؟
وعن تجربة أجيبه , بأن ذلك ممكن جداً
توقفنا فقط عن الكلام عن الدين أمام أطفالنا , ومنع ذلك في المدارس سينشيء جيل لا يعرف ماهو الدين , يؤمن بالعلم والتجربة والتطبيق والاحتمالات في الحياة
هذا ليس توقع منّي..لقد تمّ فعلاً في السويد والجيل الحالي وحتى الذي قبله لايعرف للدين قيمة تُذكر..إنّهم يضحكون علينا لإهتمامنا بهِ بدل الذهاب الى المسبح مثلاً
مع ملاحظة أن وصول الأسلاميين هنا ونشاطهم المحموم , قد يكون له تأثير سلبي لدى الآخرين
مع تحياتي للجميع


5 - تعليق 4
ادم عربي ( 2010 / 4 / 1 - 19:59 )
الكاتب المحترم انا لا اتسائل كيف يمكن الغاء الدين من عقول البشر وانما اقول ولا اعطي نظريه ان الدين لا يمكن الغائه في المجتمعات بل يمكن تهذيبه مع تطور العقل. بالمناسبه راي العلماء ان التدين صفه وراثيه في الانسان مثل لون الشعر مثلا او لون البشره وتختلف من شخص لاخر من يمتلك هذه الصفه لا يمكن ان يعيش بلا دين ومن لم يمتلكها مثلي لا يمكن ان يعيش بدين
اما عن سويسرا او السويد الا يوجد كنائس هناك؟ الا يتسائل الطالب ما هذه البنايات؟ ما هذه الاجراس.
لماذا يوجد الفاتكان والبابويه اذا كان بالامكان الغاء الدين
دعنا نبقي الدين جميل يختص بالمشاعر

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س