الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
صيد الخاطر 5 اسواق البالة ..
محمود المصلح
2010 / 4 / 11سيرة ذاتية
هي لمحات من تاريخ شخصي محض ، ذكريات ، جمعتها رياح العمر في زاوية روحي ، وما برحت تلح بالخروج كل حين ، هي احلام ميته ، اوبعض ميته ، هي أحلام وامنيات قليلة التحقق لحياة غالبة لانسان مغلوب دائما ، هي لحظات من القهر ، والانهزام امام جبروت طاغي من الغلظة والسلطة ، هي لحظات من التمني والتشظي والانكسار ، ولحظات من الحرمان .. اسوقها كما سيل ماء متدفق بلا ترتيب أو توظيب ، تخرج كما هي .. وكانها فضفضة داخلية .. تفكير بصوت عال.. او صراخ بصمت المقهور ..
كيف مرت حياتي الماضية لست أدري ، كيف انزلقت ، كحلزونة طازجة من بين يدي طفل صغير يلعب ، كيف مضى العمر ، كيف انهزم للخلف دون انتصارات ، اأو نجاحات ذات بال .. ألا تلك النجاحات التي رحنا نزعم أنها نجاحات وانتصارات .. كشراء ثلاجة بالتقسيط .. أو شراء تلفزيون من سوق الجمعة مستعمل .. لكنه بحاجة الى قليل من التصليح ..او شراء طقم من الاملابس الداخيلة من سوق البالة ..
وهذا هو الموضوع سوق البالة :
كانا صغارا .. نقف في طابور المدرسة أمام الخيمة الهندية الكبيرة .. ننتظر أن ينادي الاستاذ على اسم أحدنا لنستلم ( بقجة ) صرة من الملابس الاوروبية المستعملة .. لكنها في هذا الوقت وهي تأتي بحكم المساعدة لابناء الشعب الفلسطيني . . كانت تاتي نظيفة مكوية مرتبة .. قد لا تناسب من استلمها أو قد لا تناسب اي فرد من افراد العائلة .. وبهذا يمكن ان نتبرع بها ..
كانت تأتي الصرة ومعها ايضا .. بعض الالعاب .. لأن الاوروبيون يعتقدون أن الفتى الفلسطيني طفلا كسائر الطفال يحق له أن يلعب ..
كبرنا ورفعت الامم المتحدة ( وكالة الغوث يدها عن الكثير من المساعدات التي كانت تقدمها ..وابقت على التعليم والصحة وخدمات النظافة هذه الايام ..) كبرنا وتجاوزنا عقدة الحاجة الضرورية للحياة .. وبتنا نحلم باشياء اكبر فلم تعد البقجة تغرينا ، ولم تعد الالعاب حاجتنا وبغيتنا ..
لنكتشف اننا .. كامة شعب نعيش على فتات وزبالة الاعلم الغربي من كل جنس ولون ..
كانوا يقولون ..(الذين سافروا الى اوروبا ) أن الاوروبين يلقون بفضلات ملابسهم المستعملة ... واثاثهم .. والعاب اطفالهم .. ولاحقا سيارتهم ..الى قارعة الطريق ليكتبوا عليها هدية .. فيأخها الفقراء من المارة ..لأن الاوروبيين يعيشون في كوب أخر غير كوكب الارض الذي يعج بالفقراء والكادحين ..فهم يملون من مقتنياتهم بسرعة ويسارعون الى تجديدها مع كل موضة وموديل جديد أو مع بداية كل سنة ...
ثم قال المسافرون : أن الجمعيات الخيرية الاوروبية تنبهت الى ما يحدث ، فعمدت الى جمع تلك الفضلات ، وانشأت لها مشاغلا لتوضيبها وترتيبها ، وتقديمها كهبة ومساعدة لمن يحتاج من البشر تحت مسميات وهيئات عدة..لنقول أن المساعدت كانت من الجمعيات الدينية التبشيرية .. ولم تكن من حسن نية .. وأنها كانت تطمح الى نشر المسيحية في العالم ..
اليوم ..يبدو ان الجمعيات اختفت واختفت معها المساعدات .. وحلت مكانها مؤسسات تعمل على جمع وشراء الفضلات من اصحابها ..وتقوم بتوظيبها .. وتصنيفها الى درجة اولى وثانية وثالثة وربما رابعة حسب جودة تلك البضائع منملابس وادوات كهربائية والعاب ومعدات ألخ ..لتقوم تلك المؤسسات ببيعها الى دول العالم العربي ومنها الاردن .. حيث تنتشر اسواق البضائع الاوروبية المستعملة ..ويطلق عليها ( بالة ) ومنهم من يطلق عليها اسم ( الرابش ) .
ونجد من التجار من يفاخر بان بضاعته تلك ليست عربية أو كما يقولون هاي (مش صينية ) وباتت بعض المحلات التي تصف نفسها بالفخمة تنفق الالاف من الدنانير فقط على الديكور على الرغم أن البضاعة لا تساوي ربع ثمن الديكور في المحل ..بل راح البعض ممن يحلمون بالغرب وترابه وناسه وحضارته ..يفاخرون بأنهم من رواد تلك المحلات التي راحت تطلق على نفسها اسماء غربية اجنبية زيادة في اضفاء طابع من الفخامة والبهرجة عليها .. ولم يدركوا ان ما يبعونه محظ ( زبالة ) ليس أكثر ولا اقل .
اذا مضى زمن كنا نقف فيه كمحتاجين في طوابير المساعدات الاوروبية ...في المدارس ومراكز التوزيع المعتمدة من قبل الامم المتحدة ووكالة الغوث الدولية .. لنجد انفسنا نقف جنبا الى جنب مع عامة الشعب في ازمة خانقة في اسواق البالة .. والزحام الشديد والتافس على التقاط ما يرمي به البائع على البسطة ..
هي لحظة وجدت نفسي فيها وانا اشاهد الزحام على فضلات الانسان الاوروبي في حالة من الانكسار والهوان والقهر .
هي حالة اسوقها وانا في أشد حالات الانحسار الى الداخل ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فرنسا.. عمل أقل، حياة أفضل؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. جنوب لبنان جبهة -إسناد- لغزة : انقسام حاد حول حصرية قرار الح
.. شعلتا أولمبياد باريس والدورة البارالمبية ستنقلان بصندوقين من
.. رغم وجود ملايين الجياع ... مليار وجبة يوميا أُهدرت عام 2022
.. القضاء على حماس واستعادة المحتجزين.. هل تحقق إسرائيل هدفيها