الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة خاصة في الممنوعات

لطفي الهمامي
كاتب

2010 / 4 / 23
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن


رسالة خاصة في الممنوعات

أهلا صديقي الداودي
حدثتني المرّة الفارطة عن موقع الحوار المتمدن الذي تُصدر فيه نصوصك الشعرية والنثرية، وقد تبيّن أن يد الحجب قد طالته أو حاصرته في المجال الذي يمكنها أن تسيطر عليه أي على شبكة الانترنت المستعملة في تونس.
يبدو الحدث عاديّا فالعشرات من المواقع والمدوّنات الخاصة محجوبة، و لكن لديّ ملاحظة أريد أن أبديها لك:.
إذا كانت المواقع المحجوبة في مغلبها مهتمة بالشأن العام وصنفتها السلطة مناوئة لها ، فان الحوار المتمدن ليس موجّه أساسا ضدّها بل هو موقع متعدّد الأطروحات والكتابات والتوجّهات وخاصة مروج التمدن المختص في الأدب إبداعا ونقدا ، ولكن يبدوا أن درجة الحساسية بلغت مأخذها ودرجة الهستيريا لم تعد مضبوطة بحدود ما.
خطر ببالي الموقف الذي أنت فيه، فمن ناحية لا يمكنك نشر نصوصك في المواقع والجرائد التونسية الرسمية منها وشبه الرسمية وكذلك الحزبيّة وأنا وأنت نعرف معنى شبه الرسمية، فان لم يكن للمنع فلأنها تحولت إلى خرقة من الأوراق الملونة بالإعلانات. فإذا وضعت فيها نصّا ابتلعته فإذا بنصّك على مائدة فطور أو بوتيك للملابس الداخلية والماكياج وفي أحسن الحالات إعلانات العرافين ونجوم الرياضة والإجرام هذا وقد سمعت أنّك تمتعتمهم بأسبوع الموضة الخاصة بالدواخل المنزلية لأنه لا مشكل لديّ مع علاقة الملابس الداخلية باللّحم البشري الذي هو أقرب إليها من أيّ شيء آخر، فضلاً عن أن بلدنا هو الرابع فى العالم من حيث تصدير الأمور الداخليّة، ولكن لديّ مشكل مع الضمير والذكاء والمعدة...)، ومن الأدب واحترام النص عليك إبعاده لان المكان ليس بمكانه. أمّا إذا قرّرت أن تنشر في صحف المعارضة فعليك أن تنتظر تاريخ صدورها والذي في كل مرة يكون بعملية قيصرية وبخوف من سحبها من الأكشاك، وان صدر، فمهما كان محتواه فان البيانات التنديدية وأخبار الانتهاكات إما أن تجعل منه نصا من ذات النبرة العامة للجريدة أو الموقع أو انه سيكون مقالا متروكا، فإذا به يقتلك حتى لا تفكر في النشر ثانية.
ماذا تفعل إن أردت أن تربط جسورا مع قراء عبر عمود خاص بك يكون دوريا؟
مَن مِن الصحف يمكن أن تمنحك هذا الجزاء العظيم؟
لم يبق لك غير المواقع الالكترونية يا صديقي ،ولكن الموقع الذي تنشر فيه محجوب أي انك مجبر على التوجه إلى مواقع أخرى أو أن تبحث عن طرق ملتوية لإرسال مقالك إلى الموقع الذي تريد.
في الحقيقة وأنا أفكر في حالك وأهذي عن الممكن أن تفعله، فأنا أتحدث عن عموم الكتاب وبالأخص العشرات من الشبان الذين يواجهون مثل هذا الأمر بتغيير محتويات مقالاتهم وتطويعها إلى المائدة التي حدثتك عنها لان السبيل أمامهم مقطوع.
ما شدّ انتباهي أن الكاتب من المفترض أن يكتب ويفكر في عناصر وأفكار ما يكتب بكل حرية دون أن تربكه عناصر من المفترض أن تكون ثانوية، فإذا بالكاتب بات يفكر أين ينشر قبل أن يكتب، ليس من جهة الإجراء ألنشري والبرمجة وإنما من جهة ضوابط النشر قبل الفكرة التي يريد أن يكتبها.
ولكن حتى في هذه الحالة عليه أن ينضبط إلى الإطار المسموح به أو أن يكتب ويناضل من اجل النشر.
لا اقصد أن يناضل من اجل حرية النشر بل من اجل أن ينشر ما يكتب لأن بين الأمرين مساحة شاسعة. يصبح الكاتب إما تابعا للمطحنة العامة ويكون تافها أو انه يتساقط بالتدريج أو انه يتحول إلى مكافح من اجل نشر مقال.
ليس من السهل أن نكتب، لأنه بعد ذلك علينا أن نبحث عن طريقة ملتوية لإرسال مقال ثم الدخول بالبر وكسي للموقع الذي نشر المقال وان ننزله ونطبعه ثم نوزّعه على بعض الأصدقاء لنقول لهم لقد صدر في الموقع الفلاني ونمدّهم بالعنوان ولكنهم في النهاية لا يمكنهم الاطلاع على المقال وهو على الصفحة كما نشر، وبدل اهتمامهم بالأفكار في النص يكون اهتمامهم مرتبط بحجب الموقع وبذلك نكون قد أدخلناهم في شراكة معنا، دون وعي منهم أو منا، في الاطلاع على موقع محجوب وهو إجرام مفترض.
في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ورغم بدايات التجربة الصحفية في الأوطان العربية ورغم سيطرة الاستعمار على منافذ النشر والتوزيع ورغم وضع المجتمعات العربية الإقطاعية ورغم الانهيار العثماني وسيطرة الغريب الأجنبي على دواليب الحياة ورغم عدم وجود الانترنت والاتصالات الحديثة، كانت الكتابة والنشر وقودا للتربية والإبداع والتمرّد والمقاومة والجمال لدى شعوبنا وأعمدة الصحف كانت اقوي تأثيرا في تشكيل الذهنية العامة من الآن.

ما أتصوره قد يبدو اخطر مما نعتقد نحن أنه بديهة : "القادم أفضل". فيتملكنا جراء ذلك، في كثير من الأحيان، الانتظار ويحولنا تدريجيا إلى منهزمين بأوهام نحن صنعناها ونحن صدقناها لان الواقع لم يسربها لنا بل على العكس من ذلك هو يدلل بالوقائع ان القادم أسوأ..
ربما لو غيرنا أفكارنا ونفسياتنا والذهنية العامة بان القادم أسوا، ربما يثور الناس من اجل تغيير مستقبلهم ولكن يظهر ان الوهم أقوى لأنه يعمل على احتمالات مفتوحة يتبين منها ما يريده الواحد منا من قادم الأيام أي المستقبل.
ماذا لو كتبت بالفرنسية أو بالانغليزية؟
أنا شبه متأكد انك ستجد في اقرب وقت ممكن جريدة أو موقع ينشر عمودك أو نصوصك وربما وهو المرجح إذا كان هذا الإطار له مدا خيل أن يمارس الشفافية المالية معك وأنت لست بطالبها.
ألا يعنى هذا انك محاصر وبذلك لغتك محاصرة في حين أن اللغات الأخرى تنتشر وتنشر حبرها الفكري وتأثيراتها؟
طبعا أنا مدافع عن اللغة العربية ليس من موقع شوفيني ولكن الأمر قاتل إلى حدود اللحظة.
كثير من الأصدقاء يقولون لي أن العولمة أقوى من الحجب، صحيح، ولكن مثل الديمقراطية أقوى من الدكتاتورية. هي مستقبل البشرية ونحن في زمن الديمقراطية، معنى ذلك أن الأنظمة بدل أن تصبح ديمقراطية عندنا تزداد شراسة وتسير عكس التيار جاعلة من القادم فضاعة لا تطاق، انظر مثلا إلى جمهورية جيبوتي "العربية". عام 1977 تمت صياغة دستور جديد نص احد فصوله على أن رئيس الجمهورية يمكنه الترشح مرة واحدة على اثر انتهاء مدته الأولى فحكم الرئيس الأول إلى 1999 ونحّاه المرض لان سنه تجاوز الثمانين وجاء ابن شقيقه ليحكم مدة أولى ست سنوات ومدة ثانية ست سنوات أخرى تنتهي في المستقبل، في الوقت الذي يتصور فيه شعب هذا البلد أن مستقبلا آخر خارج دائرة هذا النموذج المسيطر، ولكن الرجل استبق أحلامهم قبل نهاية ولايته بتنقيح الدستور ليسمح له بولاية ثالثة.
أنا أتحدث عن جيبوتي لأنني لا أفكر في الذهاب إليها خلال السنوات القادمة على الأقل، أما البلدان الأخرى وأنا اكتب عنها فعليّ أن أفكر قبل ذلك هل لدي نية لزيارتها أو لا لان للكتابة ضريبة فهل كتّابنا في تونس مستعدون لدفع ضريبة نشر مقال خارج دائرة الطحانة والفاسدين لصياغة مستقبل بديل ما دمنا لم نتمكن من فرض واقع بديل؟
أليس بالضرورة على العقول الحرّة في تونس أن تناضل ويكون الكاتب عندئذ مقاوما أو فلاقا...؟؟
مع هذا يعجبني كُتّاب التّقيّة والسرية والتلميح والرمزية والسريالية والتنقيطية والتكعيبية، ولكن في بلد يصبح فيه الكاتب والناشر والقارئ في مكتب واحد بمنزل الحاجب، ألا يجعل ذلك من كل هذه الإبداعات والتقليعات والمدارس حاملة لمعنى الخوف والرهبة والتقيّد كما أن أيّة قراءة أو دراسة نقدية لا يمكنها إغفال ذلك إذا كانت جادّة. تدور الدائرة ونعاود من الجديد الحديث عن الرقابة والمحاصرة والسمسرة وحجب الحوار المتمدن...
قلْ ألم يفتحوا إلى الآن وزارة الخوف؟
صديقي صلاح
لنا لقاء بمقهى الدينار للاطلاع على نصك القادم
صديقك
لطفي الهمامي
باريس:21 ابريل 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش