الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية الرأي وثقافة الخوف في العراق

سامية نوري كربيت

2010 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


حرية الرأي هي الام لسائر الحريات الفكرية , ولها جانبان الاول حرية كل انسان في التفكير وتكوين رأيه ومعتقداته الخاصة ازاء القضايا السياسية والاجتماعية , والجانب الاخر الاكثر اهمية هو حرية التعبير , اي حرية الانسان في التعبير عن رأيه بالاساليب السلمية غير العنيفة سواء بالقول او الكتابة او التصوير او السينما او المسرح , وحرية الرأي هي جوهر النظام الديمقراطي الحر ولكنها لا توجد في الدول ذات النظام الشمولي او الاستبدادي حيث يسيطر على السلطة مبدأ حكم الحزب الواحد او الرأي الواحد او الفئة الواحدة من فئات المجتمع المختلفة .
وحرية الرأي تكسب الانسان ثقة في تفسه واحتراما لشخصه , وهذا حق من حقوق الانسان الطبيعية التي اقرتها جميع اعلانات حقوق الانسان ودساتير جميع الدول التي تطبق النظام الديمقراطي كأسلوب حكم ونسق حياة , فالمجتمع الذي يخرس الألسن ويصادر حريات الرأي في اشكالها المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية هو مجتمع لا يمكن ان يكون مجتمع حي , انه مجتمع مكتوب له الفناء لانه مجتمع فئة قليلة من الناس وليس مجتمع جميع الناس .
اما ما يقصد بالثقافة فيوضحها بشكل مبسط "جهاد بن عبد الاله الخنيزي " في كتابه " جدل الدين والثقافة والاجتماع - المجتمع السعودي نموذجا " حيث يذكر " ان اي تعريف من تعريفات الثقافة لايختلف عن غيره في انه يعدد مكونات ما يشكل في النهاية ثقافة , ولم يوجد لنا في يوم ما موضوع يسمى ثقافة مستقل بذاته كعلم ومعرفة بل هي نتاج تفاعل عدد كبير من فعاليات : عقلية ومعرفية وسلوكية ونفسية وتاريخية ونظرة للذات الاجتماعية وخبرات اجتماعية وقيم وعادات واعراف , الى اخر ما يمكن ان نعده من شواهد في المجتمع , فأين هي الثقافة هذه ؟, لا يوجد لنا سلوك او عادة او عرف باسم الثقافة , كما لا يوجد لدينا معرفة تسمى ثقافة مستقلة بذاتها والموجود هو هذا المزيج الذي يخرج في النهاية ليعبر عن مرجعيات كبرى تشكل حركة الوعي في المجتمع وهذا ما يجعل للثقافة وزنها ومكانتها في التكوين العقلي للأمم , وهي الميزان الذي به يقاس مستوى نضجها او تخلفها بما تحمله من مستوى وعي بنفسها وبغيرها وبالكون والحياة , وهذا ما يجعل الثقافات تتمايز من حيث حيويتها وقدرتها على صناعة الأفراد الفاعلين او الخاملين او العدائيين , والثقافة لا تنحصر في احد جوانب الحياة بل هي نتاج هذا الكل الذي يشكل في النهاية طريقة سلوكنا وتفكيرنا " .
ان المجتمع العراقي يواجه اليوم هجمة شرسة من قبل فئة تحاول ان تفرض ثقافة القطيع عليه وترفع شعار التخوين والتخويف في وجه حملة رسالة الحفاظ على هذا المجتمع من الضياع بايدي ترمي الى الغاء ثقافة مجتمع ترجع حضارته الى الاف ااسنين , ان مثقفي ابناء الرافدين يحاولون حماية العراق من مخططات من يعمل على دفع العراق الى خطر الانكفاء على نفسه وفقدان مقومات تطوره وجعله يتحجر بالماضي ويعجز عن تجاوز تخلفه والانطلاق الى الامام لمواجهة تحديات المستقبل , وبمعنى اخر فرض ثقافة مكانك سر او الى الوراء در التي لم يعد لها مكان في القرن الواحد والعشرين , ان الارتفاع الى معطيات القرن الواحد والعشرين لا تعني الانسلاخ عن الماضي ولكنها تعني الاعتزاز بثقافة الماضي واستلهام منه الدروس والعبر للانطلاق نحو بناء حاضر ومستقبل الامة حسب ما وصلت له المجتمعات الاخرى من تطور علمي وتكنولوجي , ومن المسلمات الان ان الدول العربية ومنها العراق لا تتوفر فيها ما يمكن ان نسميه حرية الرأي بسبب تخلفها الذي نتج عن العديد من الممارسات والاخطاء القاتلة التي تراكمت على شعوبها من خلال النماذج السياسية التي فرضت عليها والجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية ذات المفهوم الضيق لمعنى الحرية والتقدم والرقي .
ولنا في العراق وما يحدث فيه الان خير مثال على ذلك حيث انه واقع تحت سيطرة من يحملون ايديولوجيات تقوم على مصادرة الرأي الحر وفرض ثقافة التجهييل والعمل على نشر الاساطير والخرافات واغراق البسطاء بعالم مسكون بالغيبيات التي تعمل على ترسيخ واقع التخلف وتجعل من المجتمع اداة قمع لكل فكر حر , بالاضافة الى الجماعات المؤدلجة من حملة ثقافة تكفير الاخر واخضاعه بحد السيف وقطع الرقاب , فاين المثقف من كل ما يحدث وهل يستطيع في ظل هذه الاجواء ان يصرح برأي حر وهو مهدد من الجهتين , ان المثقف العراقي فاقد لحريته الفكرية مما يجعله عاجزا عن القيام بدوره في تنوير المجتمع وتحريره من قبضة من يفرض عليه الرضوخ بقوة التهديد بالقتل او ممارسات تجعله عاجزا عن المقاومة وفاقدا لمقومات الصمود .
ان فقدان حرية الرأي لا تشمل فقط من يعيش في العراق من المثقفين وذوي الاراء الحرة بل تشمل ايضامثقفي الخارج الذين يعيشون في المنافي حيث ان المثقف العراقي الذي يعيش في الغرب بسبب هامش الحرية الواسع الذي يتمتع به لا يستطيع مهما حاول تقدير المخاطر التي يتعرض لها المثقف في داخل وطنه فينزلق احيانا الى اخطاء او خطايا تصدر عن حسن نية بتوجيه تحية عرفان وتقدير لجهود مثقف لدوره في خدمة قضية ما , ليكتشف بانه قد يكون عرضه لاحراج او خطر ما قد يصيبه , مما يضطر الذي يعيش في الخارج ايضا ان يمتنع عن ابداء كلمة حق في احد الاشخاص وهذا هو قمة الارهاب الفكري الذي يعيشه المثقف تحت ظل مجتمع تسوده ثقافة الخوف سواء اكان في الخارج او الداخل .
ان مما يحز في النفس ان نرى المثقف العراقي سواء اكان اكاديميا او غير اكاديمي وهو يعيش داخل سجن معنوي بحراسة فئتين من السجانين , هذا السجن الذي يخنق فيه فكر المثقف وتصادر حريته وتسلب ارادته تحت سياط التهديد والوعيد وتنتهك ابسط حقوقه في التعبير وابداء الرأي في قضايا بلاده المصيرية , ويهمش دوره ويحتل موقعه اخرين من مدعي الثقافة وتجار الكلمة , ان الهدف في كل ما يحدث للمثقف من محاولات لتقزيمه في ظل سياسة التخويف هو لادراك القائمين بذلك اهمية دور المثقف في دفع ابناء المجتمع لمقاومة الفساد والطغيان لكي يخلو لهم الجو في الاستمرار بنهب ثروات البلاد , كما انهم مدركين جيدا لدور الرأي الحر في ايقاظ المجتمع الذي سيعمل على الاطاحة بهم , ان الاضطهاد الذي يعانيه المثقف هو الاضطهاد عينه الذي يعاني منه الكثير من ابناء العراق ليس فقط المثقف بل ايضا المرأة والطفل والسياسي الشريف والفقير المعدم وكل من يقع عليه الظلم والاضطهاد في ظل حكومة المتخومين , فحكومتنا والحمد لله حققت العدالة والمساواة في توزيع الظلم والقهر والاضطهاد بشكل متساوي على الجميع , كل في مجاله وموقعه وهذا ما يطلق عليه بالمفهوم السياسي قمة الاستبداد والطغيان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا