الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقوب خطاب الفريق الإصلاحي في سورية: تعليق على مقال السفير سامي الخيمي

عماد هرملاني

2004 / 8 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تكتسب مقالة (دعوة للوطن) للدكتور سامي الخيمي (صحيفة الحياة، نشرة كلنا شركاء 23/7/2004) أهميتها من اسم كاتبها أكثر مما تكتسبها من أهمية الأفكار المطروحة فيها، فالمتتبعون للشأن السوري يعلمون أن الدكتور الخيمي الذي يعرف نفسه في تذييل المقالة بأنه (أكاديمي وباحث سوري)، هو أحد أعضاء فريق لعب خلال السنوات الأربعة الماضية دورا استشاريا مؤثرا ضمن محيط قصر الرئاسة السوري وارتبطت أسماء أعضائه بالمشروع الإصلاحي الذي طرحه الرئيس بشار الأسد إبان تسلمه منصب الرئاسة في سورية، وفي آخر المعلومات أن الدكتور الخيمي رشح وقبل ترشيحه لمنصب سفير سورية في بريطانيا وهو يستعد حاليا لاستلام منصبه الجديد الذي ثمة من يهمس أنه سيتولى من خلاله مهمة إصلاح مسيرة العلاقات السورية ـ البريطانية ومعالجة الأزمات التي عصفت بها خلال الفترة الأخيرة، وذلك على غرار مهمة إصلاح العلاقات السورية الأميركية التي أنيطت بسفير سورية الجديد في واشنطن الدكتور عماد مصطفى الذي يشترك مع الدكتور الخيمي بأنهما عملا سابقا في إطار الجمعية المعلوماتية السورية التي كان يرأسها الرئيس بشار الأسد قبل استلامه منصب الرئاسة.
وهكذا يمكن اعتبار مقالة الدكتور الخيمي بأنها تشكل نافذة تتيح تسليط الضوء على طريقة تفكير الفريق الذي يفترض أنه يحمل لواء المشروع الإصلاحي في سورية ويمثل ما أصبح يعرف باسم (الجيل الجديد) الذي يشق طريقه نحو المواقع العليا في هرم القيادة السورية (طرح اسم الدكتور الخيمي في مراحل سابقة كأحد المرشحين المحتملين لمنصب رئاسة الحكومة السورية).
وإذا استبعدنا هنا بعض الزوائد الإنشائية يمكن التمييز داخل المقالة التي أمامنا بين محورين رئيسيين عرض الأول منهما تشخيصا (أريد له أن يكون مخبريا) لأسباب حالة التردي والهرم (الخدمي كمدخل للاقتصادي والتنموي) التي وصلت إليها أوضاع مدينة دمشق (نقرأ المدن السورية) بالمقارنة مع انطلاقة النهوض والإعمار التي لمس الكاتب شواهدها خلال زيارته إلى لبنان، ولنترك هنا أيضا العامل الخارجي لهذا التردي والذي تحدثت فيه المقالة عن ((جبروت الصهيونية وجبروت أميركا))، فالأهم حسب ما تشي وجهة المقالة هو العامل المحلي الذي يوجه فيه الكاتب سهام نقده نحو تداعيات سياسة ((ديموقراطية التعليم)) التي انتهجها القوى الوطنية السورية منذ مرحلة مقارعة الانتداب الفرنسي وأدت إلى ((إخراج كثير من الفئات المحرومة من القمقم الاجتماعي وجعلها تصعد بثبات في سلم الارتقاء الوظيفي))، مشيرا على أن تنامي النفوذ السياسي لتلك الفئات ((لم يتزامن مع ارتقاء مماثل في المهارات)) مما دفع إلى ((سدة المفاصل التنفيذية في الدولة بكادرات محدودة الثقافة والإمكانات)) حاولت تغطية عجزها وضعف تأهيلها من خلال ((المزايدة السياسية القوموية أو المزايدة في التصريحات الاقتصادية القاصرة)).
وقد لا يكون من باب المجاملة أن يقال هنا بأن الدكتور الخيمي لامس بالفعل عصب قضية اكتسبت على مدى عقود طويلة صفة الـ((تابو)) ووضعت خارج دائرة المناقشة والمساءلة رغم الآثار المؤذية التي أدت إليها على أكثر من صعيد اقتصادي واجتماعي وسياسي، لكن يبدو أن الكاتب آثر أن يرنق في قراءته عند حدود تلك الملامسة دون أن يغامر بمتابعة تداعيات الظاهرة التي رصدها بمهارة وجسارة ثم تركه تفلت من بين يديه وترك بالتالي تشخيصه حول أسباب حالة التردي التي تعيشها البلاد يسقط في هوة سحيقة من الخفة والتبسيط اختزل فيه تداعيات الحراك الاجتماعي الذي حصل في سورية خلال العقود الماضية ضمن حدود إشارات عابرة إلى مظاهر قشورية مثل ((التراجع المهني)) واختفاء المرجعيات المهنية (شيوخ الكار)، ومن نافل القول هنا أنه حين يتم رد الخراب الشامل الذي وصلت إليه البلاد إلى مثل هذه المعاملات السطحية، ف|إن ذلك يؤدي (عن قصد أو بدون قصد) إلى تغييب الأسباب العميقة للخراب المذكور والتي ترتبط بالبعد السياسي الذي أثمرت عنه نقلة الحراك الاجتماعي التي أشارت إليها المقالة، والتي تجسدت أساسا في الطبيعة الاستبدادية للأنظمة السياسية التي نشأت على خلفية ذلك الحراك والتي انفردت على مدى عقود مديدة في التحكم بمقدرات البلد الاقتصادية والطبيعية والبشرية وعطلت طاقاته العلمية والثقافية والفكرية والمهنية، وعممت ثقافة خوف أغلقت بموجبها أبواب المشاركة في الشأن العام أمام كل من يخالفها في الرأي والاجتهاد تحت طائلة تغييب من يحاول اختراق جدران الحجب في أقبية السجون والمعتقلات لسنوات طويلة دون أن يجسر أحد من أقاربه أو معارفه على أن يسأل عنه أو يحاول الحصول على خبر عن مصيره.
ويمكن سحب الملاحظة نفسها على تشخيص الدكتور الخيمي لأسباب الانهيار الاقتصادي حيث يخدم الكلام عن ((العجز أو الخسائر الناتجة عن سياسة اقتصادية غير متماسكة)) في حرف مجال الرؤية وإبعادها عن التركيز على مظاهر النهب المنظم لثروات البلاد واستباحة المال العام التي رافقت السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الفئات الجديدة (المحرومة) حين صعدت إلى سدة الحكم على صهوة شعارات اشتراكية لاقت رواجا واسعا في ذلك الوقت داخل دول العالم الثالث بشكل عام ولاسيما الدول التي اتبعت أسلوب (الاقتصاد الدولتي) بعد أن أطلقت عليه اسم (طريق التطور اللا رأسمالي)، والذي تبين بعد تجربة مريرة أنه كان مجرد قناة أتاحت للنخب السياسية والاجتماعية التي خرجت من صفوف ((الفئات المحرومة)) أن تجني ثروات خرافية تضاهي ثروات الفئات البورجوازية التقليدية التي تم إخراجها بشكل قصري (قرارات التأميم والإصلاح الزراعي) من دائرة المنافسة أو المشاركة في أي نشاط اقتصادي مثمر.
وبالانتقال إلى المحور الثاني تعرض علينا مقالة الدكتور الخيمي وصفة (روشتة) علاج ناجزة للخروج بالبلاد من أتون الأزمة التي وصلت إليها وتمكينها من التصدي الناجح لـ ((خصم جارف القوة)) يتمثل في ((الجبروت الإسرائيلي والأميركي اليميني)). وتدعو وصفة الدكتور الخيمي إلى العمل على أربعة محاور تشمل 1ـ ((تحقيق سلم أهلي حقيقي في مجتمعنا)) 2ـ العمل على ((بناء اقتصاد وطني منفتح يسهل الانتقال إلى اقتصاد السوق)) 3ـ ((دراسة المجتمع السوري من خلال قراءة متأنية لنقاط القوة والضعف)) مع نصيحة بتركيز الدراسة على مجالي التاريخ والجغرافيا 4ـ ((اعتماد سياسة واقعية تأخذ بعين الاعتبار أن إمكانيات الخصم أكبر من إمكانيتنا)) والنصيحة هنا هي المبادرة إلى ((بدء حوار مفتوح مع أميركا يتم التوضيح فيه بأن أي خطوة نحو السلام من طرفها ستقابلها خطوتان من طرف سورية)).
ومع التسليم للدكتور الخيمي بأن بنود وصفته يمكن أن تعمم لمعالجة وشفاء أية دولة من دول العالم تعاني من أزمات الضعف والفقر والتخلف، إلا أن المفارقة التي تستوجب التوقف عندها هنا هي أن الوصفات القابلة للتعميم الواسع نادرا ما تكون صالحة للتطبيق العملي والتنفيذ الفعلي ضمن معطيات واقع عياني محدد. وعلى غرار الحالة التي لمسناها في تشخيصه لأسباب الحالة التي المتردية التي وصلت غليها الوضاع في سورية، يكرر الدكتور الخيمي في وصفته العلاجية تجاهل حقائق ومعطيات المشهد السياسي السائد في سورية والذي يفترض أن يوفر الحاضنة الملائمة من أجل تطبيق المشروع الإصلاحي العتيد، وهكذا يغفل الكاتب في تحليله عن ذكر أية إشارة حول هوية وطبيعة القوى الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تحمل لواء تنفيذ هذا المشروع وتحديد موقعها ضمن خارطة التوازنات السياسية التي تحكم حركيات المجتمع السوري خلال المرحلة الراهنة، كما يغفل في المقابل عن تحديد حجم القوى التي يمكن أن تتضرر وتتهدد مصالحها حال البدء في ترجمة هذا المشروع إلى برامج تنفيذية تطبق على أرض الواقع، والتي يمكن أن تجيش قواها لهذا السبب في مواجهة المشروع وتعمل على إجهاضه. وفي نتيجة هذا التغافل يحيل الدكتور الخيمي وصفته العلاجية إلى نوع من التمرين الذهني على رسم لوحة تخطيطية ميسرة لطريق الإصلاح المنشود في سورية، دون أن يكون لهذه اللوحة (على إتقانها) صلة تذكر بالواقع الحي والملموس الذي تعيشه البلاد.
وإذا كان من الجائز العودة هنا إلى ما أشرنا إليه في مستهل هذا التعليق حول إمكانية اعتبار مقالة الدكتور الخيمي بمثابة نافذة تسلط الضوء على طريقة تفكير الفريق الذي يحمل لواء المشروع الإصلاحي في سورية، فقد كون في النتيجة التي يمكن الخروج بها من قراءة المقالة ما يبعث على طمأنينة ساجية حول صدق إيمان هذا الفريق بأهمية الإصلاح وحدبه على مصالح الوطن وحرصه المخلص على ((دعوة السوريين أينما وجدوا وإلى أية فئة انتموا وبأي معتقد آمنوا ومن أي منطقة أتوا)) للمشاركة (بعقولهم وسواعدهم) في بناء سورية وإعادة مجدها المفقود. لكن تلك الطمأنينة لن تلبث أن تتعرض لهزة قوية حين ننعم النظر وندقق في طبيعة الأدوات (أقله الفكرية) التي يتسلح بها حملة لواء الإصلاح في تصديهم لمهمة الصعبة والثقيلة التي جندوا أنفسهم للقيام بها، وحين نقف عند ماتتكشف عنه المقالة من علامات الخفة في تحليل الواقع والتبسيط في تصور سبل معالجته، لابد وان تتحول تلك الطمأنينة إلى قلق حقيقي حيال مستقبل المشروع الإصلاحي الذي تشخص نحوه أنظار السوريين منذ أمد بعيد، وتزداد مشاعر القلق حدة دون شك حين نتذكر بأن تلك الأدوات التي يستند إليها حملة لواء المشروع الإصلاحي سيكون عليها أن تجابه والهجمات المرتدة التي يقودها المتضررون من مشروع الإصلاح وبينهم دهاقنة تمرسوا في ألاعيب الدهاء السياسي ممن ما زالوا يقيمون داخل قلاع (زمن قديم) ويسهرون على حراسة أسوارها من أية رياح تحمل رائحة تغييرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!