الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوارُ الأديانِ : هلْ يستطيعُ الفارسُ أن يجريَ أسرعَ منْ جوادِه؟

رائد الدبس

2010 / 5 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



انعقدَ في تونس على امتدادِ يوميّ 13و14 مايو أيار الجاري، مؤتمرٌ تحتَ عنوان: دورُ الجامعاتِ ومراكزِ البحثِ العلميّ في حوارِ الأديانِ والحضارات.شاركتْ فيه شخصياتٌ أكاديميةٌ بارزةٌ، منها : المفكرُ البروفيسور محمد أركون والبروفيسور محمد فنتر والبروفيسور محمد حداد ، بالإضافةِ إلى نخبةٍ من الباحثينَ العربْ والأوروبيين. كان لكاتبِ هذهِ السطور شرفُ المشاركةِ وتمثيلِ فلسطين كمندوبٍ عن سفارةِ دولةِ فلسطين في تونس، ومحاولةُ طرحِ وجهةِ نظرٍ فلسطينية، خصوصاً وأنَّ توقيتَ انعقادِ المؤتمر جاءَ عشيةَ ذكرى نكبةِ فلسطين، كما أنَّ لفلسطين في حوارِ الأديانِ والحضارات، خصوصيةً لا يرقى إليها الشكْ. فهي أرضُ الدياناتِ السماويةِ والحضاراتِ القديمة.ولا بدّ هنا من أن نسجلَ لتونس دورَها الرياديّ الاستثنائيّ في استضافةِ ورعايةِ هذا الحوار بشكلٍ دائم. ففي ظلِّ ما يشهدُهُ العالمُ في القرنِ الحادي والعشرين من سعار دينيِّ متزايدٍ ناتجٍ عن الخوفِ المتبادلِ بينَ أتباعِ الدياناتِ المختلفة،بكلِ التعبيراتِ والتجلياتِ السياسية التي توظفُ وتستثمرُ ذلك السعار والفوبيا المتبادلة،والتي تتمثلُ في النجاحاتِ السياسيةِ المتزايدةِ لأحزابِ اليمين السياسيِّ والدينيِّ المتطرفِ والأصوليِّ في مناطقَ مختلفةٍ منَ العالم، فإنَّ استمرارَ حوارِ الأديانِ والحضارات يكتسبُ أهميةً استثنائيةً متزايدة.

يطرحُ هذا الحوارُ الهامّ في حدَّ ذاتهِ مجموعةً منَ الأسئلةِ والإشكالياتِ المنهجية، من بينها أسئلةٌ من قبيلِ: منْ يتحاورُ مع منْ؟ كيفَ يجري الحوارُ،وهلْ هنالكَ معاييرَ موحدةً ومحددةً له أم معاييرَ متعددة؟ ما هي معيقاتُ تقدمِ ونجاحِ الحوار؟ ما هو الدورُ الذي تستطيعُ أنْ تؤديه الجامعاتُ ومراكزُ البحثِ العلميّ في بلادِنا لإنجاحِ حوارٍ كهذا؟ إلى أيِّ مدىً يرتبطُ مفهومُ الحوارِ بفكرةِ تحقيقِ العدلِ والسلامِ والأمنِ وغيرِ ذلكَ منَ الأسئلة. لكن سؤالاً جوهرياً كنّا قدْ طرحناهُ في المؤتمر هو :ألا يشكلُ غيابُ السلامِ والعدلِ عن أرضِ الدياناتِ أحدَ أهمِّ معيقاتِ نجاحِ وتقدمِ هذا الحوار؟ ًكلُّ هذهِ الأسئلة تُحيلُنا إلى التذكيرِ بمَثَلٍ عربيِّ قديم، لا بأسَ من صياغتهِ على شكلِ سؤال: هل يستطيعُ الفارسُ أن يجري أسرعَ من جوادِه؟

لنتركَ الأسئلةَ المنهجيةَ قليلاً طالما أنَّ المتفقَ عليهِ أنَّ أهدافَ الحوار : تعارف-تعاون-تواصل. في مواجهةِ ثلاثيةِ الجهلِ والتجاهلِ والتجهيل.في هذا السياق، يرى المفكرُ محمد أركون أنَّه لكيْ يكونَ تحقيقُ أهدافِ الحوار أمراً ممكناً فلا بدَّ من أن تأخذَ الدراساتُ العلميةُ دورَها الرياديّ وألاّ يقتصرَ الحوارُ على رجالِ الدين. فرجالُ الدينِ عندما يتحاورون ينطلقونَ منَ الأحكامِ الشرعيةِ ومن هاجسِ التأصيل.
( تأصيلُ الحقيقةِ الدينية) وعندما تسيطرُ تلكَ الأحكامُ وهواجسُ التأصيلِ على الحوارِ تجعلُه يدورُ في حلقةٍ مفرغة. لذا فهو يقترحُ بديلاً عن الحوارِ فكرةَ التركيزِ على الأبحاثِ العلميةِ في كلِّ من حقلِ الأنثروبولوجيا وحقلِ تاريخِ الأديانِ وحقلِ اللسانيات، ومن ثمّ تبادلُ نتائجِ تلكَ الأبحاثِ وتداولها على أوسعِ نطاقٍ ممكن. حيثُ يكونُ المؤرخُ إلى جانبِ الأنثروبولوجي وعالمِ اللسانيات يصبحُ ممكناً قراءةُ النصِّ الدينيِّ قراءةً تاريخيةً كما يصبحُ ممكناً أيضاً دراسةُ مثلثِ الحقيقة- المقدس- العنف دراسةً أنثروبولوجية. فكلُّ بعدٍ منْ هذهِ الأبعادِ الثلاثةِ ينبغي أنْ يُدرَسً كموضوع أنثروبولوجي مرتبطٍ أوثقَ الارتباط بباقي الأبعاد. العنفُ في الأديان لا ينفصلُ عنْ موضوعِ الحقيقةِ والمقدسِ بل ينتجُ عنهما، وهذا الأمرُ يصعُبُ بلْ يستحيلُ على رجالِ الدينِ أن يعترفوا به، الأمرَ الذي يجعلُ الحوارَ محدوداً وقليلَ الجدوى منْ وجهةِ نظرِه. أمّا الباحثونَ وعلماءُ الأنثروبولوجيا والتاريخِ واللسانياتِ فهم قادرونَ على الخروجِ بنتائجَ علميةٍ مثمرةٍ تؤدي إلى مقارباتٍ تقاربُ ولا تباعدُ مثلما يفعلُ الحوارُ المنطلقُ منَ الأحكام.في هذا الجانبِ تكمنُ الإجابةُ على سؤالِ: من يتحاورُ معْ منْ؟ لكنْ هلْ أسهمَ الحوارُ في إطفاءِ شعلةِ صراعٍ واحدٍ يتمُ فيهِ توظيفُ الدينِ لخدمةِ أغراضٍ سياسيةٍ، من البلقان إلى فلسطين والهند والباكستان وغيرِها؟ ألا تشكلُ المعاييرُ المتعددةُ عائقاً وعقبةً كبرى أمامَ نجاحِ الحوار؟ هذا ما سوفَ تتناولُه المقالةُ القادمة.


تنويه: بينما ناقشَ المؤتمر دورَ الجامعاتِ ومراكزِ البحثِ العلميَ في حوارِ الأديانِ والحضارات خلال الأيام الماضية، قامت السلطاتُ الإسرائيليةُ اليوم بمنعِ المفكرِ الأميركي َالشهير وعالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي من دخولِ الأراضي الفلسطينيةِ لإلقاءِ محاضرةٍ في جامعةِ بيرزيت.إسرائيل لم تعُد دولةً فوقَ القانونِ فحسبْ بل فوقَ الحوارِ أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 14-Al-Baqarah


.. #shorts -15- AL-Baqarah




.. #shorts -2- Al-Baqarah


.. #shorts -20-Al-Baqarah




.. #shorts - 7- Al-Baqarah