الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار الأديان: هل يستطيع الفارس أن يجري أسرع من جواده؟(2)

رائد الدبس

2010 / 5 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




استكمالاً للمقالة السابقة والسؤال حول وجود معيار محدد وموحد لحوار الأديان أم معايير متعددة، يمكن النظر إلى البلقان باعتبارها واحدة من أهم مناطق التوتر والاضطرابات العرقية التي يشكل الدين محوراً رئيسياً فيها. ويُجمع الكثير من الباحثين أن هنالك علاقة قوية بين الدين والهويات القومية لشعوب منطقة البلقان، إلى درجة أن كثيراً من الباحثين يعتقدون أن قوميات شعوب البلقان قد بَنَت ذاتها على التاريخ وعلى العداء للآخر المختلف دينياً. ليس من قبيل الصدفة مثلاً أن سراييفو عاصمة كوسوفو تسمى القدس الثانية. كما ليس من قبيل الصدفة أن "البشنقة" نسبة للبشناق تقوم على الإسلام وترتبط به في الأذهان. كما أن الهوية الصربية تقوم على الأرثودكسية وترتبط بها في الأذهان.

كان الدين دائماً في منطقة البلقان ومنذ قرون طويلة خلت، يُوَظَف لخدمة السياسة بصورة لافتة جداً . فقبل أكثر من ستة قرون كانت صربيا ترفع شعار حماية أوروبا من خطر التوسع الإسلامي، واستطاعت بانتصارها على الجيوش الإسلامية في عام 1389 في كوسوفو أن توظف انتصارها لصالح أوروبا المسيحية. ومنذ أن أطلق سلوبودان ميلوسوفيتش مشروعه الهادف إلى التطهير العرقي عام 1889 ، أي بعد ستة قرون بالضبط، كان شعاره حماية أوروبا المسيحية من الخطر الإسلامي، مع أنه كان من بيروقراطيي قيادات الحزب الشيوعي اليوغسلافي قبل انهيار جدار برلين وما تلاه من تفكك المنظومة الاشتراكية. والجميع يعلم الآن أن تدخل حلف الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة هو الذي أوقف حملة التطهير العرقي في كوسوفو وأدى إلى استقلالها وإلى جلب الجناة الذين ارتكبوا جرائم التطهير العرقي وعلى رأسهم ميلوسوفيتش إلى العدالة الدولية. كان حوار الأديان آنذاك ولا يزال يرفض هذا التوظيف المسيء للأديان في السياسة، ويدين ويرفض كل ما نتج عنه من نتائج كارثية أدت إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية . وبنتيجة تضافر جهود المجتمع الدولي مع جهود الاتحاد الأوروبي ودول الجوار، وكذلك جهود القائمين على حوار الأديان، تمت إعادة تأهيل فريدة لدولة صربيا وتم وضعها على طريق التصالح مع هويتها ومع جيرانها وخصوصاً كوسوفو ، ولم يبق عليها كي تدخل الاتحاد الأوروبي سوى التوقيع على ميثاق محكمة الجنايات الدولية كي يتسنى محاكمة باقي المجرمين الفارين من وجه العدالة.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا : إذا كان القائمون على حوار الأديان - وعلى رأسهم الفاتيكان الذي يعود له الفضل في إطلاق فكرة الحوار- قد رفضوا وأدانوا توظيف الدين في السياسة في البلقان وأجبروا صربيا على التراجع بصورة نهائية عن مشروعها السياسي العنصري، فلماذا يترددون في توجيه أي نقد لإسرائيل على توظيفها الدائم للدين في خدمة مشروعها الاستيطاني المتعارض أيضاً مع الشرعية الدولية وقراراتها؟ ثم هل اشترط الاتحاد الأوروبي على إسرائيل مثلاً توقيعها على ميثاق محكمة الجنايات الدولية كشرط للانضمام إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ؟أو هل اشترط عليها تفكيك أو وقف النشاط الاستيطاني في القدس الشرقية على الأقل؟ ( لم تعترض أي دولة من الدول الأعضاء في المنظمة، بما في ذلك تركيا، على انضمام إسرائيل.. مع أن اعتراض دولة واحدة كان كفيلاً بمنع انضمامها). ولماذا تكاد لا تُطرح مسألة توظيف إسرائيل للدين على الأجندات الرئيسية للحوار ؟

أليست مفارقة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تُعرّف ذاتها بتعريف مزدوج يمزج بين الدين والسياسة كدولة يهودية وديمقراطية. فالديمقراطيات الحديثة كلها دون أي استثناء ترفض تعريف ذاتها بالهوية الدينية. بالطبع، هنالك من سيقول بأن دولة الفاتيكان تعرف ذاتها كدولة دينية.. نعم هذا صحيح، ولكنها لا تقوم ببناء مستوطنات "كاثوليكية" على أراض محتلة بالقوة، ولا تمارس سياسات تهجير السكان الأصليين، ولا تستند إلى القوة المادية في شيء، بل إلى القوة المعنوية. كما أنها لا تدعي أنها دينية وديمقراطية في نفس الوقت. إذن نحن لسنا أمام معيار واحد محدد للحوار يُطبّق على كافة مناطق النزاع التي يتم فيها استخدام الدين وتوظيفه لخدمة مشاريع سياسية. هذا الأمر هو في حد ذاته أيضاً، من معيقات نجاح وتقدم الحوار. وإذا كانت المقالة السابقة قد حاولت أن تجيب على أسئلة من يتحاور مع من، وكيف وحول ماذا ينبغي أن يتركز الحوار وما هي معيقاته، فإن هذه المقالة حاولت أن تقدم إجابة حول المعايير المحددة للحوار. وكل ذلك حتى هذه اللحظة يرجح صحة المثل العربي، أن الفارس لا يستطيع أن يجري أسرع من جواده.. المقالة القادمة والأخيرة سوف تتناول الدور الذي يمكن أن تقوم به الجامعات ومراكز البحث العلمي في بلادنا العربية في حوار الأديان، وعلاقة ذلك بالإرث التاريخي الثقيل في قراءة وكتابة تاريخنا وتاريخ الآخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #