الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار الأديان -3 :دور الجامعات ومراكز البحث العلمي في بلادنا وعلاقة ذلك بالإرث التاريخي .

رائد الدبس

2010 / 5 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعلم الكثير من الباحثين والمتخصصين بالشأن الأكاديمي حقيقة جارحة مفادها أنه لا وجود لأية جامعة عربية بين تصنيفات أفضل خمسمائة جامعة حول العالم. هذه الحقيقة في حد ذاتها ينبغي أن تشكل نقطة انطلاق للتفكير والنقاش الجاد بيننا نحن العرب أولاً . ويُفترَض أن يتم طرح أسئلة من قبيل: لماذا هكذا حال جامعاتنا ؟ وكيف يمكن الخروج من هذا الحال أو تعديله على الأقل ؟ هذيْن السؤاليْن في حد ذاتهما كبيريْن ويفتحان الأبواب على نقاشات وأفكار ورؤىً ووجهات نظر متعددة. وكل رؤية وكل وجهة نظر تستطيع أن تُعدّد أسباباً عديدة أدت بنا للوصول إلى هذا الحال وكيفية الخروج منه أو تعديله. واحدة من تلك الرؤى تعتبر أن الحاضر هو نتاج الماضي، وأن العودة لدراسة أسباب الخلل في الماضي البعيد والقريب كفيلة بتحقيق فهم أفضل وأشمل لمشكلات الحاضر ومن ثم استشراف المستقبل. وخصوصاً فيما يتعلق بحقول العلوم الإنسانية والاجتماعية كلها، وبصورة أكثر تحديداً حقل التاريخ. حينئذ يصبح ممكناً أن نقيم حواراً مثمراً مع الذات ومع الآخر. ومن هنا فإن علينا إعادة قراءة تاريخنا دون بَتر لمراحل معينة منه ودون إقصاء. وبما أن عمليات البتر والإقصاء التاريخي، كانت إحدى العوامل التي أتاحت الفرصة وسهّلت الطريق أمام كثير من المستشرقين الغربيين بأن يستحضروا الشرق بصور نمطية مُحدّدة ومدروسة بعناية غير بريئة كما لاحظ المفكر الراحل إدوارد سعيد ، فإنه بات لزاماً علينا أن نعيد الاعتبار لذاكرتنا التاريخية، بعيداً عن البتر والإقصاء والنسيان، حتى لا نسيء لتاريخنا كما يطرح المفكر محمد أركون. ولكل الأسباب السالفة الذكر، فمن الواضح أن دور جامعاتنا العربية ومراكز أبحاثنا في حوار الأديان سيبقى محدود الأثر طالما بقيت حالنا هكذا.

إعادة قراءة تاريخنا: طرح المفكر محمد أركون في مؤتمر حوار الأديان كعادته دائماً، رؤية متكاملة لكيفية إعادة قراءة التاريخ، وحاول تسليط الضوء على أهم المراحل التي تمّ بترها وإقصاؤها ونسيانها. ولفَتَ الأنظار إلى تجربة قريبة زمنياً ينبغي علينا التعلم من دروس فشلها، وسمّاها مدرسة الإنتاج الخيالي للمجتمع في ظل حكم الأنظمة الاشتراكية التي اعتمدت أيضاً على بتر وإقصاء ونسيان وتجاهل أجزاء ومحطات تاريخية هامة من حياة شعوبها تحت شعار أو هدف المأسسة الاجتماعية للفكر والبناء الاجتماعي للواقع، وفي الحاليْن طغى المخيال على الخيال وأنتج المخيال مجتمعاً خيالياً بعيداً عن الواقع. ومع الفوارق الكبيرة بين مجتمعاتنا العربية والإسلامية وتلك المجتمعات، إلا أن القاسم المشترك هو أن كل ذلك الفشل كان ناجماً عن عمليات البتر السريع والإقصاء والتجاهل للذاكرة التاريخية. تساءل المفكر محمد أركون عن تجاهل دور الجاحظ وابن قتيبة والمعتزلة في تاريخنا بكل ما حاولوا تكريسه من دور المعرفة والعقل في القرن التاسع ميلادي؟ ثم عن الجيل الذي تلاهم وأبرز روّاده أبو حيّان التوحيدي ومسكويه اللذيْن أنتجا للبشرية واحداً من أمهات الكتب الفلسفية الرائعة فيما سمّاه الأدب الفلسفي، وهو كتاب الهوامل والشوامل وما احتواه من أسئلة شاملة. وقد لعب هؤلاء دوراً رائعاً في أنسنة الفكر الإنساني كله. وقد تم إقصاؤهم بعد إقصاء المعتزلة وبتر العملية التي بدأت في عهد المأمون بتأسيس بيت الحكمة فيما بعد. وخلال الاستماع إلى مداخلة المفكر أركون وخلال كتابة هذه السطور، كنت أتذكر القول الشهير لأبي حيان التوحيدي: يقولون لي وهم يدفنوني لا تبعد وأين مكان البعد إلا مكانيا؟

لم يتوقف الإقصاء عند هذا الحد، بل استمر إلى إقصاء الفلسفة إقصاءً شبه تام. فابن رشد الذي استفاد الأوروبيون من فكره أيّما استفادة في بناء نهضتهم وحداثتهم، لم يكن له أثر يكاد يُذكر في بلاد المسلمين، وهذا ما يسميه محمد أركون : سوسيولوجيا الفشل. إقصاءٌ وبترٌ ثم نسيانٌ بلغ ذروته في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ميلادي، ثم نتج عنه ظهور مدارس فقهية في المشرق والمغرب العربي تعتني وتتخصص في دراسة مذهب فقهي واحد مُحدّد فقط: إمّا الشافعية أوالمالكية أوالحنبلية أوالحنفية والخ.. واستمر هذا كله لينتج نوعاً من الانزواء الأكثر ضيقاً، وظل الفكر الإسلامي متغاضياً وغافلاً عما يحدث من اكتشافات علمية بدأت تنطلق منذ القرن السادس عشر بعد أن كان هو سيّدها ورائدها في القرن التاسع والعاشر والحادي عشر ميلادي. واستمر الحال هكذا إلى أن ظهرت الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر، وتواصل فعل الإقصاء، وتعمّق الجهل في البلاد العربية والإسلامية التي امتدّ نفوذ الإمبراطورية العثمانية إليها ثم انهارت في القرن العشرين.

شرخ آخر حصل أثناء وبعد ذلك في تاريخنا وهو جزء من المسكوت عنه. تجسّد في أنّ جزءً كبيراً من مفكري وروّاد النهضة والحداثة في الفكر العربي الذي برز خلال فترة الإمبراطورية العثمانية، كانوا من العرب المسيحيين. وكان بينهم أيضاً الكثير من العرب وغير العرب المسلمين، وكانت تلك فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار للدور العربي والإسلامي في أنسنة الفكر الإنساني بمجمله، ولاستعادة الدور الفاعل للعرب والمسلمين في الحضارة الإنسانية، ذلك الدور المؤثر والمتأثر، لكن ذلك لم يحدث. بل حدث انقطاع آخر وإقصاء أدى إلى ما نحن عليه اليوم من تأخر وضعف وتخلف. أعاد محمد أركون التذكير مجدداً بأن الأمر الأهم في تاريخ الفكر الإنساني برمته، والفكر الإسلامي جزء منه، هو استنطاق ما كان مسكوتاً عنه أو لا يمكن التفكير فيه، سواء عند أهل الكلام أم الفلاسفة. أم عند الفقهاء القائمين على مذاهب وفرق معينة وأتباعهم. وأن التأخر المعرفي يحدث عندما لا يتم إدراك الخطوط الفاصلة بين المذاهب وتصوراتها للحقيقة وارتباط ذلك بالمواقف المعرفية وما يتبعها وينبني عليها من وسائل منهاجية وأساليب خطابية. وإذا استمر الفكر لقرون طويلة بترديد ما تسمح به اللغة والنصوص العقائدية والرامزات الثقافية وإجماع الأمة ومصالح الدولة، فإنه يصبح ثقيل الحركة ومتراكماً حول ذاته في دائرة معرفية ضيقة. وهذا كله أدى إلى ما نعانيه من معاناة مأساوية من الاصطدامات الحاصلة بين المخيال الأصولي الذي يحاول أن يهيمن ويقمع ويقصي، وبين العقل المجتهد الذي يحاول الارتقاء إلى مستوى المعرفة وقراءة التاريخ بلا انقطاع . واختتم المفكر محمد أركون مداخلته بسؤالين مع دعوة للتفكير الجماعي : ما الذي أدّى بنا إلى كل هذا؟ وماذا تبقى لنا من إمكانات النمو والنهضة؟

النتيجة الوحيدة التي يُمكن أن يخرج بها أي إنسان أمام هذا الواقع هي: أن الفارس العربي لن يستطيع أن يجري أسرع من جواده الهرم الذي ينوء بأثقال كثيرة. وبالتالي فإن أي حوار بما في ذلك حوار الأديان لا يزال غير متكافئ ولا يستطيع هو الآخر أن يجري أسرع من جواده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah