الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اربع وعشرون عاما على غياب خالد نزال

ريما كتانة نزال

2010 / 6 / 8
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


اربع وعشرون عاما على غياب خالد نزال
بقلم: ريما كتانة نزال

أتنقل حاملة قلقي في حقائبي باحثة عن مكان لدفنه، واصيغ السمع بكل جوارحي لدقات قلب تخرج من حفرة. وأنت هنا تستقر في داخلي، كمبتدأ الحب وخبره.
أحملك في قلبي كظاهرة لغوية وتاريخية، ولا اقلع عن ممارسة هوايتي في جمع الحروف، وفي حشو الفراغ برياح من الابجدية، أترك محترفي بعد نسيج عكازان خشبيان لإسناد روحي، وأستمر في نشر الأشرعة على شرفات الحدث.
جديدنا بعد أربع وعشرين حزيرانا، أن المفردات قد فقدت مستخدميها في لحظة مارقة من التاريخ. ويشاع بأنها لم تعد تلقى الرواج القديم بعد انطفاء لهيبها، وقرار سحبها من التداول. ومن أجل إنصاف نصف الحقيقة، أحالتها التقلبات الى خردوات لم تعد تعني أحدا سواك.. وبقيت أنا في مكاني وزماني الشخصي المحدد، أناور لأحصل على قبضات من الحروف الكاسدة، وأعرضها كتحف ثمينة وأنتيكا أغطي بها قبح المصطلحات الدخيلة.

إلى قلب أرض الاحداث الخصبة أحملك معي، وأزرعك في خضم المناسبات الاحتفالية التي تغص بها القاعات والصحف، وتُفاجأ بأن ما حدث معك قبل أربع وعشرين صيفا لا يستقطب الاهتمام، وبأن المقاعد تبقى فارغة لحين انتهاء الحفل، وبأن الخطب الحماسية في المناسبات الاحتفالية لا تلقى الاستماع. لأن حشود اللحم محاصرة بالأبالسة، ولأن الذاكرة كذلك محاصرة ولا تلقى سوى التفكك للهروب من الحصار ومن ذاتها، وكذلك الخطباء محاصرون بالأسئلة الصعبة وأجوبتها.
الشهيد الأول يهرب من الاحتفال، يحلق بعيدا بكفن يُنبت أجنحة، تاركا وراءه صمتا يتراكم فوق الصمت، ويرتفع منسوب الصمت فائضا عن حاجة الأفواه المفتوحة دهشة وجوعا وغرابة، وتغرق الدنيا في فضاءات جدلية لا كنه لها. ثرثرة بيزنطية تتنقل على عجلات من نار، تسرد النسغ كحكاية متقطعة وكأنها الرثاء، وعن نصر يتحقق في نص مقدس يعلق على ايقونة. ولا زال الشهيد الأخير يقدم نصه الحزين وأسئلته التجريدية من منبر مجهول، ونغرق في حصار أسئلتكم الصعبة، ويضيع الوعد في فضاء من نور يليق بقرار الرحيل النبيل.

حنيني لقربك مخطوف، وتتربع سيدة الشوق على أكوام من الفقد، وفي الوقت الذي يضيع مني الشوق، أسهر على استمرار تألق صدمة رحيلك، وأحمي زخمها بهذيان ذاكرة تقاوم النسيان، خوفا من اعلان نهاية العالم. فذاكرة الفقد الأبدي كنزي الكبير ليوم الحشر، لا شيء املك سواه لمقابلة الملائكة، وهو من أهلني للشعور بلذة الدوار واعتلاء السحاب. سأقول بأني بقيت في الزحمة الترابية، وبأني أتنقل على خارطة وطن بلا هوية أو جواز سفر. وبأني بقيت على الأرض لا أتوقف عن رسم الغيوم، وهي الغيوم التي جعلتني أدين لها بمعرفة ملامحك قبل رؤيتك. وسأعترف بعوارض متلازمة الحداد، وسأعترف بظاهرة الانشطار والتشظي، وبأن ذهني أصبح خال من الأسئلة وملل الأجوبة. وبأني لم أتعبد أكثر من الطواف حول الذكريات، وفي طلب الحظ من السماء، وفي الدعاء لأجل الحصول على الماء، ولن اخفي عبثي بالرد على الاسئلة العارية من حروفها ..

لا أغمض عيوني الا لأراك، أو أسهم النظر الا لمتابعة امتدادك، اخرج شخصية أخرى من ضلوعي لابوح بمكنونات متعبة، وأراقب تجاعيدي تستطيل على وجهي مدعية الحكمة، وأهدم خيطا من شرنقتي لأطل على الواقع، ولا أهتم في تنسيق شكلي او اشتياقي، فانا لا زلت احن بلا موعد، ويأتي الشوق على حين غرة، ولا أكترث في منع وصول الهواء حين يهب. ولا أهدهد قلقي ما دام لم يلتحق بقلقك، وما لم يتوحد تعبينا، والى أن تشاء الحقيقة وضع المتعبين في لحظة ارتجال، سأبقى أرفع كفي بوجهها وأعلن بأن ليس لدي الكثير لأستمر، وبأنني استقيل من انحيازي للقلق، فقد أصبت بفقد الصبر وبعدوى ضيق التنفس.
في الذكرى الرابعة والعشرين، ليس لدي الا الاعتذار، أعتذر عن احتفال لا يعتبر حضور الشهداء فيه آسر، وهو أمر لا يمكنني تبريره، وليس لدي ما أقدمه إلا الاعتذار. اعتذر منك ومنهم تجريد المناسبات عن دلالاتها العاطفية، وعن ميل الحاضر الى التجرد من الماضي. وأعتذر منك عن الكلمات المهجورة، وعن التي فقدت معانيها، وعن كل الحروف التي تفككت وضاعت في زحمة الطرق. اعتذر منكم أن تشعروا بالبرد.. أعتذر إن لم نتمسك بكم أكثر، أعتذر منك ان لم أعرف بعد وجه قاتلك.. وان فشلت في لمَ رفاتك، وأن تمسكت بقلقي، وان اسقطت رايتي. اعتذر لك أكثر عن استمراري في نبش الذاكرة، واعتذر منك إن لم أعتذر أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي