الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين...و اسقاطات الغرائز الطفولية-1

رندا قسيس

2010 / 6 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نستطيع القول ان التخيلات التي تجتاحنا عبارة عن ثمرة لصور عقلية وجدت للتعويض عن خيبات امل او قلق نفسي، و من هذه الخيالات الحرة و المنعتقة من كل الموانع و التابوهات الخارجية، ولدت القصص الخيالية لتأخذ يوماً ما منعطفاً مؤثراً على حياتنا و طريقة تفكيرنا فتتحول الى وحوش و الهة و شياطين.
و لكن من اين نبعت هذه الصور الخيالية العقلية؟
بين لنا علم الانتربولوجيا النفسي ينبوع هذه القصص المرتكزة بشكل اساسي على الطفولة، فمع احتياج الطفل الى الخارج و المترافق لشعور عدم الاستقرار، و الحذر، و منهما يولد القلق و العنف النفسي تجاه الآخر. هذه المشاعر تتجلى بوضوح من خلال الاحلام احياناً، و احياناً من خلال الجلسات الاستشفائية لمرضى العصاب، الا انه بالتأكيد يمكننا رؤيتها بشكل واضح من خلال الاساطير، القصص الخيالية، الاديان و الالهة اجمع.

نعود اذاً الى الحالة الطفولية و التي منها نشأت الصور الخيالية و التي تحولت مع الزمن الى ديانات اسطورية، بالطبع علينا النظر اليها بشكل واقعي، اي خارج دائرة المشاعر المتراكمة و المتوالدة لدينا من خلال التلقين و الحشو الفكري عبر الزمن.
من المؤكد اننا لا نستطيع ان ننسب ظهور الاديان و الالهة الى عامل واحد، فلا يوجد عامل فردي واحد بل عدة عوامل مؤثرة تنتقل و تتفاعل ما بين الفرد و الجماعة، و بتعبير ادق، تتفاعل هذه العوامل النفسية الفردية مع المؤثرات الجينية الجماعية البيئية، اي ان الاديان عبارة عن حصيلة نفسية بدأت عند نشوء الكوارث الطبيعية و تأثر الكائنات الحية بها الى يوم ظهور الانسان و تطوره تدريجياً.

كثير منا يستهجن فرضية انتقال هذه المعاناة و المؤثرات نفسياً عبر الاجيال، و خصوصاً ان العلم مازال الى يومنا هذا عاجز عن اعطاء الالية الموثوقة لتوارث هذه المعاناة و التي بنيت عليها فرضيات كثيرة، الا ان ما اعجب له هو تبني الحجج العلمية الناقضة لهذه الفرضيات من خلال افراد و مؤسسات تعتقد بما هو خارج عن العقل و المألوف، اي استطيع تفهم نظرة علمية مناقضة لهذه الاسس بحجة عدم التوصل الى نتيجة تجريبية تتيح لنا معرفة الالية الخاصة لها، اما ما لا استطيع فهمه هو عند تبني افراد و جماعات يتنفسون و يعيشون في الخرافة نفسها، يخشون الشياطين و الالهة و يقتنعون بالغيب و المكتوب، و من ثم يأتون متبرجين بحجج علمية لا يفقهون منها شياً سوى للنقض و لاثبات خرافاتهم.
لا نستطيع تلقيب هؤلاء الافراد، او الجماعات الا بماكينات ناسخة للمعلومة الملقنة، ليس هذا فحسب، بل نستطيع لمس عجزهم عن الاحساس الغريزي الجنسي من خلال سلوكياتهم و افكارهم و اخلاقهم.
هؤلاء العاجزون عن النظر و الادراك الا من خلال ما حرمه اله فاقد للذكورية محاولاً تعويضها من خلال سطوة ذكورية قائمة على سحق الانثى.

دعونا نبحر في اصول الالهة و الشياطين، و فهم انقسام الخير عن الشر، و الآتية كلها من الغريزة الجنسية، لهذا نجد ان تحريم الغريزة و تشويهها امر لا بد منه من اجل سيطرة الخرافة على عقول البشر، و للوصول الى سلامة عقلية، علينا الغوص في ينابيع الاساطير و التصالح مع غرائزنا.
لنسافر الان في ترهات الاساطيرعند القبائل الاسترالية، و لنتوقف عند قبيلة "اندامانيز" لنستشف الفحوى المختبئ ما وراء اساطيرهم، و على حد تعبير "روهيم" ترتكز اسطورتهم على الاب الاول "بولوجا" و رغبته الجنسية المقتصرة على ذاته في ممارسة الجنس مع النساء، سواء كنّ امهات او اخوات، و معاقبة كل من يتجرأ على اقامة اية علاقة معهن، اما بخصيه او زج عنقه... الا انه مع مرور الزمن استطاع ذكور القبيلة من الاخوة قتل الاب "بولوجا" ليحلوا مكانه و ليأسسوا تشريعات خاصة بهم، و هنا نلاحظ ان صورة قتل الابن لاباه تتكرر في كثير من الاساطير و التي على اساسها وضع "فرويد" فرضيته لركائز الاخلاق و القائمة على عقدة الذنب و المصالحة مع الجريمة الاولى، ليتم منع الممارسة الجنسية بين الامهات و اولادهن و من ثم بين الاخوة و الاخوات.

لنتمعن قليلاً في هذه الاساطير و التي تدلنا على ان الرغبة الجنسية للابناء تجاه امهاتهن، ربما تكون نتيجة رغبة متبادلة ما بين الام و ابنها، فالحمل العجائبي للام من دون الجماع المباشر مع ابنها نجده في كثير من الاساطير الطوطمية و الاغريقية و غيرها، والذي يعكس الجماع المباشر المحرم.
لهذا يحق لنا التساؤل عن هذه العلاقة المتميزة ما بين الام و ابنها، و التي اصابها اول تحريم جنسي قبل تحريمه ما بين الاخوة و الاخوات، و من ثم ما بين الاب و ابنته. صحيح انه يمكننا القول ان عدم معرفة الاب بدوره في الانجاب ساهم في تأخير عملية التحريم، الا اننا ندرك من خلال علم النفس التحليلي للاساطير و المعتمد تجريبياً على تحليل العصابيين، ان عقدة الخوف الاولى للذكر هي فقدانه عضوه عند ممارسته الجنس، اي الخوف من العضو التناسلي الانثوي و اعتباره قادراً على الاحتفاظ الدائم بالعضو الذكري من خلال بتره، كما ان رغبة الذكر الابن بالعودة الى رحم امه يعكس لنا المشاعر المتناقضة مابين الرغبة في الجماع و الخوف منه في آن واحد.
في اسطورة "بيليكو" الانثى الام، و التي ترمز الى الحماية و الخطر، نجد ان "تاراي" الزوج-الابن اقل شأناً منها، و مكملاً لها من جهة اخرى، اذاً علاقة الام-الابن الحميمية تعكس نوعاً ما رغبة في الجماع المتبادلة و حالة تصعيد هذه الرغبة في آن واحد، لنرى ان الذكر تبنى مسألة التصعيد اي دور الانا الاعلى حسب المفهوم الفرويدي، و المتقمص لدور الاخلاق و الالهة، بينما تعكس الانثى الليبيدو الحر و العودة الى الغريزة الاصلية، و لهذا السبب ربما، نجد ان الديانات الروحانية قامت باكساب المرأة صفة الغانية و التي لا تنفع الا للاشباع الجنسي.
يمكننا ان نقول ان تهميش الانثى و تحديدها ضمن مهمة الانجاب و حرمانها ايضاً من الاشباع الغرائزي يعود الى علاقة الابن بأمه و الخوف منها في نفس الوقت و الناتج عن تسلط الام و رغبتها ايضاً بامتلاك عضو ابنها للتعويض عن حالة عدم امتلاكها للعضو الذكري.

يتبع الجزء الثاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عسل
قارئ ( 2010 / 6 / 22 - 08:30 )
إنتى عسل

اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا