الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين...اسقاطات الغرائز الطفولية-2

رندا قسيس

2010 / 6 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


توقفت في المقال السابق عند نقطة "الرغبة الجنسية المتبادلة مابين الأم-الابن" الناتجة عن عقدة فقدان العضو الذكري لكليهما، فالبنسبة للابن و كما هو معروف في علم النفس، يعاني الذكر من عقدة الخوف لفقدان عضوه، بينما تعاني الأنثى من عدم امتلاك العضو الذكري.
كلما تعمقنا في الأساطير نجد ان هذه العقدة أساس جوهري لعلاقة الأم-الابن، و التي تعكس رغبة و محاولة تعويض متبادلة، لهذا نستطيع أن نقول ان الالهة، الشياطين و الأخلاق نبعت من هذه العلاقة المتشابكة بينهما.
ربما كان تركيز كثير من مختصي النفس على علاقة الأب-الابن و الواضحة في كثير من الأساطير، كونهم يرون و يدركون الخارج و المحيط من خلال نظرة ذكورية، و هذا شيئ طبيعي لأن إدراكنا ناتج عن "الأنا" الفردية، فمهما حاولنا الابتعاد عنها الا اننا نقع دائماً في فخها بنسب متفاوتة، لهذا أرى و من نظرة أنثوية وجوب التعمق في الأساطير مجدداً و إدراكها بشكل مختلف مع الارتكاز بالطبع على المفاهيم السابقة دون تبنيها بشكل كامل، بل محاولة إعادة و بناء الفرضيات مجدداً، و من وجهة نظري، أجد ان العلاقة القائمة على التنافس و الاسترضاء ما بين الأب-الابن ناتجة عن علاقة وطيدة حميمية مرتكزة على رغبة جنسية متبادلة مقموعة ما بين الأم و ابنها.

في أسطورة لقبيلة "اندامانيز"، نجد ان مسبب الجريمة أو الخطيئة الاولى هما امرأتان قامتا بسحق النباتات تحت تأثير اشعة الشمس. يعتبر "روهيم" ان أشعة الشمس القوية الموجودة في هذه الأسطورة تعكس حالة الرغبة الجنسية لدى الأنثى تجاه الذكر، و بشكل أصح، تجاه القضيب الذكري، لينتج عنه عصيان لما هو محرم، أي يمكننا القول ان الأم قد مارست الجنس بشكل فعلي مع ابنها، و قامت بعصيان لما حرمته الجماعة عليها و الناتج عن تمرد الابن في المرحلة الأبوية له ليقوم بتصعيد الغرائز الجنسية خدمة له و إشباعاً لرغبات نفسية عديدة، و يتجلى هذا في أول تحريم للعلاقات الجنسية التي أصابت علاقة الأم بابنها، مما يوضع لنا انعكاس رغبة و ظمأ أولي شديد من الأم تجاه ابنها قبل أن تنشأ عنها رغبة متبادلة من الابن تجاه أمه.
اذاَ علاقة الأب-الابن و ما نتج عنها هي نتيجة لعلاقة أقدم و أقوى و أكثر تعقيداً و هي علاقة الأم-الابن، كما نرى هذه العلاقة متجسدة بشكل واضح في أسطورة أخرى لنفس القبيلة عند ابادة الأم الأولى البشرية كاملة انتقاماَ لموت ابنها " السحلية"، و السحلية هنا ترمز الى القضيب و ذلك لقدرتها على تجديد أعضائها المفقودة، و بهذا يتمكن الذكر من الانتصار على خوفه من فقدان عضوه الذكري من خلال تجديده و نفي هذه العقدة.

اتفق كثير من الانتربولوجيين على أن طوطم النبات و تحريمه يرمز الى العلاقة الجنسية المحرمة، فكل نوع نباتي يرمز الى فعل جنسي، اي أننا نستطيع القول ان الأخلاق و المحرمات و الشرائع مرتكزة على العلاقة الجنسية و الأعضاء التناسلية، و بقول آخر، نستطيع القول ان إله اليوم المعبود من كثير من البشر مهما اختلفت دياناتهم هو نتيجة لعلاقة جنسية متشابكة و متداخلة في نفس الوقت و التي خضعت الى تناقضات الحالة النفسية الفردية و من ثم الجماعية، اذاَ الإله هو نتيجة لعلاقة قديمة محرمة و هي علاقة الأم-الابن.

نجد مكاناً واسعاً في الأساطير الطوطمية للأم الأولى التي حرمت كثير من النباتات على أفراد القبيلة و أباحت لنفسها أكلها، و كما قلنا ان أكل النبات يرمز الى فعل جنسي.
لكن علينا التساؤل عن كيفية انتقال هذه الإباحة الجنسية للأنثى، او للأم الأولى الى الذكر؟
أعتقد شخصياً ان الانتقال قد تم بواسطة الابن الذي استغل ضعف غريزة الأم تجاهه ليتمرد على سطوة أمه من خلال ايجاد قوانين أخلاقية و روادع لهذا الليبيدو الانثوي، و اضطراره إلى تقمص دور الأنا الأعلى أو الدور الأخلاقي، لهذا نرى آثار الرغبة الجنسية للأبناء تجاه أمهاتهم و الخوف من فقدان أعضائهم الذكورية التي يمكن للأب قطعها في حالة ظهور هذه الرغبة بشكل واضح، اي أن الابن و الذي بدوره سيلعب يوماً من الايام دور الأب، فضل قمع رغبته الجنسية تجاه الأم و التي تمثل هي ايضاً الأنثى بشكلها العام لصالح الأب، اي لصالحه شخصياً في المستقبل، يمكننا التعبير بشكل آخر، فضل الذكر المصالح المستقبلية عن مصالحه الآنية، و بما ان الأم حالة مستقبلية لحالة الأنثى الابنة، فقد فضلت هي أيضاً المصلحة البعيدة عن المصلحة القريبة، و بدأت بمساعدة ابنها للتمكن من السيطرة و انتقال السطوة اليه.

علينا أن نعلم بأن عملية انتقال السطوة و تقمص الذكر للقوانين و الأخلاق لم تمر بشكل هادئ، بل خضعت هي أيضاً لعراكات نفسية عديدة يعيشها الأثنان (الأم و الابن)، و لتمكين هذه الحالة الذكورية المبنية على المصلحة البعيدة لكليهما، كان و لا بد ترسيخها من خلال مفاهيم دينية رادعة لأية محاولة تمرد، لهذا نجد أن الإله نفسه يعاني من تناقضات كثيرة تعكس الحالة البدائية للعلاقة الجنسية الاولى ما بين الأم و ابنها، و من هنا نجد ان بعض الأديان ركزت على هذه العلاقة و خصت الأم بمكانة تفوق مكانة الأب، و لهذا تحلم الأنثى و خصوصاً الأنثى الخاضعة لهذه القوانين و الأديان بإنجاب طفلاً ذكراً، و ذلك لاسترجاع مكانتها المفقودة.

و لهذا لاعجب أبداً أن كثير من القبائل الأصلية و بعض الأديان قد قامت بتحريم الزواج من نساء عدة، فهي مرتكزة على علاقة الطفل بأمه و الرغبة في العودة الى الطفولة عند التصاقه بإمرأة واحدة، أي تكرار الحالة الطفولية ثانية، و لهذا لا عجب ايضاً أن نراها عند بعض فصائل القردة و التي فضلت التزاوج الأحادي.
نعود إلى القبائل التابعة لنظام التزاوج الأحادي، فنجد ان أسسها قائمة على ثالوث الأم-الطفل-الأب، و تقديس العلاقة الزوجية بعد مجيئ الطفل، هذه العلاقة نجدها في الدين المسيحي مع استبدال الأم بالروح القدس، و هذا يعكس بالطبع تراجع مكانة الأنثى و بالأخص مكانة الأم في هذه المجتمعات في ذلك العهد (طبعاً لم تتحسن مكانة الأنثى حالياً في هذه المجتمعات نتيجة للموروث التاريخي الثقافي و الديني).

اذاً الإله يعكس عملية التصعيد للذكر الشافي لحالة عقدة الذنب الناتجة عن علاقة جنسية محرمة ما بين الأم-الابن، بينما تعكس الشياطين و العفاريت الحالة الأصلية للدوافع الجنسية-العنيفة للطفل، حسب تحليل مختصي الانتربولوجيا النفسي، و التي برهن عليها أطباء نفسيون كثر من خلال متابعات اكلينيكية لأطفال عدة، و التي تتلخص برغبة الطفل باختراق جسد أمه، و المولدة لحالة القلق النفسي لديه، هذه الحالة المؤثرة على الطفل تجعله يهرب منها من خلال المخيلات الحائكة لقصص الجن و العفاريت و الشياطين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الابحار ضد التيار
المهندس كاظم الساعدي ( 2010 / 6 / 25 - 08:54 )
مابين الاسطر دراسة تستحق المناقشة لما لها من اسقاطات على النوازع البشرية والربط مابين بيولوجية الانسان واصطلاحات الغريزة وعموما تناول فلسفة الانسان ان لم تمر عبر الطبيعة البايلوجية فقد الكثير من مصداقيتها وكم كنت اتمنى ان يكون هناك حوارا بين ماتكتبي ورد من الضفة الاخرى
شكرا


2 - كلام فرويد
مازن ( 2010 / 6 / 25 - 10:53 )
العرب يكررون كلام فرويد داءما والرغبة الجنسية اصبحت الهاجس والهوس


3 - كلام فرويد
مكارم ابراهيم ( 2010 / 6 / 25 - 23:18 )
اتفق معالاخ مزن انه شرح مفصل لكلام فرويد وعلم النفس الحديث لاياخذ به
فكثير من استنتاجات فرويد غير صحيحة


4 - اوهام داخل عقولنا من ازمان سحيقة
محمد البدري ( 2010 / 6 / 26 - 03:34 )
انا اعتبر ان Myth & Sextuality وهو كتاب صادر عن مؤسسة Penguin Group لمؤلفه Jamake Highwater هام حيث يركز فيه الكاتب علي فكرة الاسطرة لكل الرغبات الانسانية الداخلية التي ينبغي ايجاد ما يشبعها من العالم الخارجي. المشكلة ليست في عدم وجود ما يكفي من موضوعات خارجية تكفي للاشباعات انما في مفهوم وآلية الاسطرة ذاتها التي حولت ما هو قائم وموجود وقابل للاستخدام الاشباعي الي موضوعات اسطورية يتم الحوم حولها لمزيد من تاجيج الحالات الغير مشبعة. الحاجة الملحة للاشباع الغرائزي تمثل تمساكا للحمة الاجتماعية حيث يدور الكل في فلك السعي للاشباع وبهذا اصبح الحرمان مقدسا لانه يضيف قوة ا الي تلك القوة الرابطة بل واصبحت اي علاقة هي تفكيك وهمدم لقوة التلاحم. كل هذا ضمن عالم المجتمعات القديمة حيث الدين والاسطورة والسحر. هذه القضية الان تم حلها في مجتمعات كثيرة عدا ما لم يتطور وتتطور معه العلاقات الانتاجية وبالتالي الجنسية. فالرابطة بين الجنس والانتاج هامة ولم يبحثها احد الا بعضا من الكتاب الماركسيين مثل فيلهالم رايش واريك فرووم. تحية وتقدير للكاتبة ولمقالها الرفيع.


5 - البحث قيم وادبية راقية
راقية غرايبة ( 2010 / 6 / 26 - 09:22 )
انا متخصصة بعلم الاجتماع واجد رغم الاختلاف ببعض التفاصيل ان الاخت رندا اجادت في الربط القصصي والاسلوب الادبي ...بل ان رحها واضحة جلية شفافة وتمتاز بالانتقال السلس على الرغم من تحفظي على بعض الافكار
التقدير والموفقية والشكر موصول للمهندس الساعدي الذي بعث لي بنسخة من المقال
راقية غرايبة-لوس انجلوس


6 - لا بأس....
نصف تفاحة ( 2010 / 6 / 27 - 12:27 )
لابأس من قراءة فرويد...والغرب اجمالا...ولا بأس العودة للذات للاضافة..تتلاقح الافكار...ليولد شيء ما...اظن هكذا رندة

اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير