الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
لا تقتلوا حرية الأطفال وكرامتهم.
زهير قوطرش
2010 / 7 / 7الادب والفن
عدَّل أبو إلياس من جلسته ,وهو يراقب أحفاده وهم يلعبون ويتدافعون,كل واحد منهم عالم بحاله , شيء واحد يجمع بينهم .... الاختلاف .كل حفيد منهم متفرد في شخصيته الإنسانية .أحدهم هادئ ومتسامح ,حتى ولو سلبه الأخر ألعابه ,يقدمها له عن طيب خاطر .والأخر عدواني في تصرفه ,يريد أن يمتلك كل شيء ,لهذا يحاول بكل الوسائل الممكنة لديه من أجل أن يحصل على كل ما يريد .وذاك منصرف عن الجميع يراقبهم دون أن يشارك في معاركهم الطفولية ,ويتحين فرصته في استرداد حقه من الألعاب.والغريب في الأمر ,وهذا ما لفت انتباه الجد ,أن صغيرهم رغم صغره ,استطاع أن يُخضع الجميع بحنكته وذكائه لقيادته.الحفيدات الصغيرات ,لهن أيضاً عالمهنَّ الخاص ,وكل واحدة منهن َّ متفردة في شخصيتها وأنوثتها , وحتى في طريقة تعبيرها .... لاحظ أبو إلياس ,أن في عالمهنَّ لا يسود العنف التناحري ,بل الرقة والحنان وحتى وإن ظهرت بوادر الاختلاف والعنف ,فهو عنف من نوع أخر أدواته الصراخ وشد الشعر كأقصى حالة يصلنَّ إليها . في عيونهن بصر ,يتفحصنَّ الأشياء بدقة ,الشكل ,اللون ...الخ بينما في عيون الأحفاد نظر يمرون على الأشياء بسرعة دون تسجيل لها في أعصاب المخ.لهذا لاحظ الجد ,أن اختيارهنَّ للألوان ,ألوان الألعاب يختلف من حفيدة إلى أخرى .ولكل واحدة منهن ذوق متفرد.
وضع أبو إلياس رأسه بين يديه ,واستغرق في صمت عميق,وهو يسأل نفسه هذا السؤال المحير ....كيف أمكن لبعض المجتمعات ,أن تبدل هذه الطباع الفطرية , ,والمفطورة على الكرامة والحرية , من أناس لهم كرامتهم وحريتهم إلى قطعان من الغنم ,تهش عليها ,الحيوانات العظمى من المستبدين والفراعنة ,وتجبرها على أن تتقمص شخصية الحمل المطيع ,الذي لا رأي له ولا دور ,إلا في طاعة من يحكمه ,من حكام وزبانية ,ورجال دين . وغيرهم ممن امتهنوا مهنة الاستبداد ,والجبروت ....
عاد أبو إلياس من جديد لمراقبة أحفاده ,الذين استطاعوا في النهاية ,من إيجاد قواعد وضوابط لحياتهم المشتركة ,كل فرد منهم ,وكأنه قد رضي بدوره ,وشكلوا معاً ,أحفاد وحفيدات ,مجتمعاً ساد فيه حرية العيش المنضبط ,تحت سقف الاختيار الطوعي ,لقوانين اللعب المشترك . أنها الحرية التي سادها أحياناً الفوضى ,لكنها كانت الأساس الذي جعل كل فرد في هذه المجموعة ,في هذا العالم الطفولي أن يقبل بملئ إرادته ,التنازل عن بعض حقوقه للأخر ,لكن عن قناعة واتفاق من أجل تشكيل حياة طفولية مشتركة ,تدوم حتى انتهاء وقت اللعب.
استرجع أبو إلياس الذاكرة البعيدة ,عندما كان طفلاً كأحفاده هؤلاء,تذكر كيف كان أبوه وجده ,يقمعون بطرقهم التربوية ,هذه الحرية وهذه الكرامة الإنسانية التي تلد مع ولادة الإنسان,تذكر أنهم كانوا لا يستطيعون ,بوجود الأب أو الجد ,من أن تعلو أصواتهم أثناء اللعب. وكيف كانوا يتدخلون بالضرب وأحياناً بدون رحمة لإسكاتهم .تذكر ,كيف قال أبوه للأستاذ عند دخوله المدرسة في اليوم الأول "اللحم لك يا أستاذ والعظم لنا"....أي لحم وأي عظم !!!!!!!!,بلحظة ,شعر يومها أنه فقد كل معنى للإنسانية. و تذكر كيف صدَّق الأستاذ وصية الأب ...وفعلاً كان يسلخ لحمه عن عظمه كلما أخطأ أو أهمل في إعداد وظائفه. .وأكثر ما كان يؤلمه ,تلك العقوبات الجماعية على الأطفال ,حيث كانت تمارس فيها كل أنواع السادية . لقد حمل أبو إلياس كل تلك العقد ,من طفولته ,ليمارس دور الطاغية على أولاده وزوجته ,هو يعلم الآن أنه برئ من سلوكه الفردي الذي اتصف به ,لا ذنب له في كل ذلك, الذنب يقع على من سحق حريته وكرامته كإنسان وهو طفل, الآن هو يدرك لو أنه وصل بهذه الشخصية المقتولة من الداخل إلى سدنة الحكم ,لرأى شعبه الويل من ظلمه وجبروته.
نهض أبو إلياس من فوره ,وجلس في وسط أحفاده وحفيداته ,وصار يقبلهم فرداً فرداً ,وبالمقابل ,نسي الأحفاد أنه جدهم الكبير في العمر ,تركوا ألعابهم ,وصاروا يتسلقون جسده المتعب ,وهم يقفزون كالعفاريت الصغار .يضحكون ويمرحون ...ثم ارتمى بجسده على الأرض ,وترك لهم حرية التصرف,منهم من اعتلى الجسد ,ومنهم من شد يديه وهو ينظر إلى تلك البقع البنية التي زينت جلده بعلامات الشيخوخة ,أما الحفيدات ,فكن يسرحنَّ شعره الأبيض .
وبعد أن تعب الأحفاد من اللعب على جسده,وتمت دعوتهم إلى طاولة الطعام.....نظر إليهم وهو يردد
من يقتل حرية الأطفال وكرامتهم ,هو كمن يقتل حرية وكرامة الوطن في المستقبل.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين | مع الشاعر التونسي أنيس شوشان
.. حلقت شعرها عالهوا وشبيهة خالتها الفنانة #إلهام شاهين تفاصي
.. لما أم كلثوم من زمن الفن الجميل احنا نتصنف ايه؟! تصريحات م
.. الموسيقى التصويرية لتتر نهاية مسلسل #جودر بطولة النجم #ياسر_
.. علمونا يا أهل غزة... الشاعر التونسي -أنيس شوشان-