الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيلموت نيوتن .. الفن رغماً عن أنف ما يصوره الفنان

يوسف ليمود

2010 / 7 / 17
الادب والفن


في مقابلة تليفزيونية قبل عام من وفاته أجاب على سؤال بسيط لكنه قاسٍ: "هل بعت نفسك أثناء رحلتك الفنية؟"، كان الرد أكثر بساطة وأقل أو ربما أكثر قسوة: "أووه، كثيراً"! إنه منطق الفنان الذي خسر كل شيء فباع كل شيء ولم يبق منه سوى طاقة الفن تتسلل منه رغما عنه حتى في أكثر الصور تجاريةً. إنه هيلموت نيوتن ذو السمعة السيئة: تجارياً ايروتيكياً عربيداً داعراً... لكن اللعنة، إنه قبل كل هذا وبعده فنان، ولا يمكن الفنان نفي ذاته ولو باعها للشيطان.
بدأت رحلة سكَنِه في الكاميرا وهو في الثانية عشر من عمره حين أهداه أبوه اليهودي الألماني الموسر صاحب مصنع الأزرار والأبازيم واحدة. بعدها بسنوات قلائل، ومع تضييق خناق النازيين على يهود ألمانيا وإفلاس أبيه بل واحتجازه لفترة في أحد معسكرات الرعب، اضطرت الأسرة، وأمه بالمناسبة أمريكية الأصل، إلى الهجرة إلى شيلي، في حين هرب نيوتن وهو في الثامنة عشر على ظهر مركب مع مئتي يهودي فارين في اتجاه الصين. وصل نيوتن إلى سنغافورة وقرر البقاء والعمل فيها كمراسل صحفي ومصور وجوه، لكن السلطات البريطانية احتجزته وأرسلت به إلى أحد المعسكرات في استراليا وهناك أُفرج عنه ليعمل فترة من الزمن في مزرعة كجامع ثمار ويصبح بعد الحرب مواطناً استرالياً ويغير اسمه من نويشتاتر إلى نيوتن ويتزوج من الممثلة جون براون التي أصبحت فيما بعد مصورة فوتوغرافية مشهورة تحت اسم ساخر مستعار: أليس سبرينج، اسم المدينة الاسترالية المركزية. غزا نيوتن بعدسته عالم الموضة وكواليسها، لتنفتح عدسته على اتساعها في تلك الأجواء الباذخة في مدن كبيرة كلندن وباريس التي استقر فيها، ومنها كبُر اسمه ليصبح بصمة إيروتيكية لا تخطئها العين ولا الرغبة، على صور الليل والحرير تلك. لكن نوبة قلبية في عام 1970 تضرب انتاجه كما ضربت صدره فينتج صوراً أقل ويعمل أكثر على انتشار اسمه ومن ثم ينتقل إلى لوس انجلس ومونت كارلو لتهاجمه نوبة قلبية أخرى وهو يقود إلى الفندق الذي عاش فيه لسنوات فتدخل سيارته في حائط وتنتهي حكايته مع الدنيا في الثالث والعشرين من يناير 2004 ويدفن إلى جانب ماريلين ديتريش في مقبرة شتاتيتشر في برلين حيث ولد 1920.

زحزح نيوتن الصورة الإعلانية من حيزها التسجيلي وأدخلها حيز الصورة الفنية الممسوسة بهاجس إيروتيكي حد التساؤل إن كانت الإيروتيكية لصيقة بالفن أو أنها تشكل بؤرة في الصميم منه كما العضو الجنسي في تركيب الجسد! ومادمنا أتينا على تركيب الجسم مثالاً، فلابد ألا نغفل هنا تركيب الصورة كرؤية كلية وشاملة لعناصرها وليس فقط تلك المنطقة الإغرائية الضيقة التي، تحت عين فوتوغرافي ربع موهوب، يمكن أن تبدو رخيصة ومبتذلة بل وحقيرة. صورة نيوتن تركيب أو بناء شمولي لجسم متكامل يحوي: السقف، النافذة، المنظر الذي في النافذة، السيارة، سجادة الممشى، السلم، السماء، المرأة العارية، المصور نفسه معكوسا في المرآة في لحظة اللقطة، المرآة وترديداتها، الصُدفة، ظل الرجل الواقف في طرف الصورة، زاوية التصوير، اهتزاز الصورة، الفكرة، التباس الفكرة، الفجاجة، المباشرة، المفارقة، الابتذال، الإيحاء، الشكلانية، اللامبالاة واللامعنى... إن كانت كل هذه أعضاء لهيكل الصورة فهناك العضو الجنسي لهذا الجسم والذي ليس بالضرورة أن يكون امرأة عارية، إنها ديناميكية المنظر وكيف تقود إلى الحبل السري القريب جداً من المنطقة الحميمية الحساسة في الصورة كما هي في الحياة.
لا نلمس في صور نيوتن أثراً لفجيعته الشخصية، لكن بلا شك عمقاً. عمق في التخطيط لمفردات الصورة وحواشيها المبعثرة أو المنظمة تتفاعل بعضها مع البعض خالقةً وحدة موضوعية تبدو كحتمية ولو لم تعكس معنى محدداً. الحياة نفسها تحمل هذه الصفة، ولدينا مثل غير بعيد: حياة هذا الفنان ذاتها، بتفاصيلها اللامعقولة ونهايتها العبثية.
يوسف ليمود
م. جسد
يتبع: سبنسر تونيك .. كما نبي يقود أمته عرايا يوم الحشر
رابط المادة السابقة: http://www.doroob.com/?p=44963








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا