الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراقيون يتكيفون مع الحر ويحولون معاناتهم إلى نكات!

عبدالكريم العبيدي

2010 / 7 / 27
كتابات ساخرة


"الحر، وشنو هالحر، وموجة الحر، وما كو هيج حر"، هذه بعض من المفردات "الحرارية" التي غزت الشارع العراقي مؤخرا وتم تداولها على نطاق واسع بين العراقيين منذ اندلاع موجة الحر وحتى بقايا ذيولها الساخنة، حتى غدت هذه "الحراريات" لازمة أو "مفاتيح" شائعة للبدء في حوارات موجة الحر العارمة وقصصها وكيفية التعامل معها.
ويبدو بنظر البعض أن خبر موجة الحرارة الذي تصدر نشرات الأخبار محليا وإقليميا ودوليا، طغى على تسريبات الأنباء والتصريحات والحوارات والسجالات اليومية الدائرة خلف الكواليس وعلى الفضائيات عن الحراك السياسي في العراق ومحاولات الأحزاب والكتل السياسية، سواء الفائزة منها في الانتخابات ذات "الاستحقاق الدستوري" أو الكتلة الأكبر بعد "فيما بعد" لتشكيل الحكومة الجديدة وانعقاد "ساعة برلمانية أخرى" من جلسة البرلمان المفتوحة والتوصل إلى انتخاب الرئاسات الثلاث.
لكن آخرين ذهبوا إلى أن هذه الموجة المشاكسة نافست وبمحاولة ملفتة للنظر سحر كرة القدم التي طالما وحدت شعوب العالم وجعلتها تنغمر في فضاء الرياضة الجميل والقادر على جمع الشعوب بلا تمييز ولا تفرقة ولا إيديولوجيات متناقضة أو متصارعة، وكان من "حسناتها" أيضا أنها جعلت العراقي والكندي والاسباني والأميركي والسوداني وغيرهم يسبحون في تنورها الجهنمي العملاق ويتحسسون آلام الحر الموحدة ويبتكرون طرقا متقاربة لتفادي مخاطرها المحدقة.
بعض العراقيين استذكر مبكرا "أيام الباحورة" التي لم تحل بعد في محافظة البصرة، وهي أيام معدودات تتسم بالحرارة الشديدة المصاحبة للرطوبة والتي تعمل على إنضاج التمور وتحويلها من ما يعرف ب "الخلال" الأصفر إلى تمور يستبشر بها الفلاحون لاقتراب موسم "الكصاص" – قص عثوق التمر، بينما يتأهب أصحاب "الجراديغ" – مكابس التمور، لبدء موسم عملهم السنوي بشراء التمور وكبسها وبيعها في الأسواق المحلية. ولكن جل ما يخشاه أصحاب المكابس هؤلاء في هذا الصيف الساخن هو أن تحيل موجة الحر هذه تمور النخل إلى دبس – عصير التمر، وهي في عثوقها وقبل أن تصل إلى أبواب جراديغهم التي لم تفتح بعد!.
ومثلما أنعشت العواصف الترابية في العراق خلال الأعوام الماضية تجارة بيع الكمامات في شوارع بغداد وزادت من مبيعات الصيادلة للعديد من الأدوية المخففة لحالات الاختناق والضيق لدى الأطفال والمسنين والمصابين بداء الربو، ساهمت موجة الحر الطارئة على إنعاش مهن بيع قوالب الثلج "أبو البوري" ومهاف الخوص وقبعات اللنكه وقناني المياه المعدنية الصحية منها أو المغشوشة "made in imreadi"، التي شهدت زيادات طارئة في مبيعاتها بسبب تهافت المواطنين على شرائها للتخفيف من شدة موجة الحر وتقليل نسبة الوفيات والإصابات في الأحياء الشعبية المطحونة. حتى أن بعض المتندرين قال: "رب موجة نافعة، ورب عجة نافعة"، كما أدت الموجة إلى دفع بعض مصلحي المبردات إلى ابتكار مبردات جديدة تخلو من المحركات "الماطور والسربس"، واعتماد تشغيلها على المراوح وبعض أنابيب التوصيل فقط مما أدى إلى انخفاض سعرها الذي وصل إلى 35 ألف دينار فقط، وهو سعر مغر للكثير من المواطنين "المحترين"، خصوصا أن هذه المبردات تعمل بأمبير واحد فقط، وهو ما زاد من إقبال المواطنين عليها وأدى إلى خسارة فادحة لأصحاب المولدات – الكهرباء السحب" المنتفعين من استفحال أزمة الكهرباء الأزلية!.
غير أن أسوء ما جاءت به موجة الحر الشديدة هي أنها زادت بحدة من قطع التيار الكهربائي المذبوح أصلا وضاعفت من ساعات انقطاعه الكثيرة بينما أصبحت دقائق عودته إلى البيوت تشبه "السلام عليكم" على حد تعبير الكثير من المواطنين المكتوين بالحر داخل جدران بيوتهم. والأدهى من ذلك أن حلول موجة الحر تزامن مع بدء العطلة الصيفية لملايين التلاميذ والطلبة الذين يفتقدون أصلا من قلة وسائل الترفيه وعدم تمكن غالبيتهم من السفر إلى المصايف في إقليم كردستان أو إلى دول أخرى، مما جعل العديد منهم يتحسر على مصاعب ومنغصات أيام الدراسة والامتحانات ومخاطر الشوارع ويفضلها على ظلام وحر العطلة الصيفية.
ويخشى البعض من التعرض إلى المشاكل الصحية الناجمة عن الارتفاع الحاد في درجات الحرارة وتأثيراتها خصوصا على الأطفال والمرضى وكبار السن، كما وجهت دعوات كثيرة للمواطنين لتلافي التعرض إلى أشعة الشمس وضرورة تناول كميات كبيرة من الماء والمرطبات خلال هذه الأيام رغم الخشية من تلوثها.
دائرة الأنواء الجوية في السليمانية استبعدت وصول موجة الحر إلى الإقليم وتوقعت بقاء درجات الحرارة اعتيادية وتتراوح بين 28 إلى 40 درجة مئوية، غير أن درجة الحرارة في العاصمة بغداد وعموم المحافظات الوسطى والجنوبية تجاوزت نصف درجة الغليان بسبب تعمق تأثير امتداد المنخفض الجوي الحراري الموسمي المتمركز فوق أواسط أسيا.
وبحسب "الاستاندرد" العالمي فان وصول درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوي يحتم على السلطات في أي بلد إلى تعطيل الدوام الرسمي لتفادي مخاطر موجة الحر وعدم حدوث إصابات.

ومع ارتفاع درجات الحرارة في مختلف أنحاء العالم تابع العراقيون ما يجري في دول عديدة كألمانيا وروسيا وأميركا ومصر والسودان والسعودية وغيرها، وراح البعض يطلق النكات على ما تعرضه شاشات الفضائيات من لقطات "مؤلمة" لشباب وشابات "كتاكيت المصلحة" وهم يرتدون القبعات وثيابا خفيفة ويتجمعون قرب الشلالات والنافورات هروبا من موجة الحر التي وصلت درجة الحرارة فيها إلى 30 درجة مئوي فقط، أي ما يقل عن درجة الحرارة في مصايفنا العامرة!.
ففي العاصمة الألمانية برلين لجأ المواطنون إلى الظل ليحميهم من حرارة الشمس، وامتنع الكثير منهم عن السفر إلى دول سياحية أخرى، بينما زاد إقبال السكان وحيواناتهم الأليفة على حديقة فكتوريا لغرض ترطيب أجسادهم بالماء للتخفيف من "شدة" الحر وكيفية التعايش معه من خلال الإصغاء إلى النصائح الصحية التي أكدت على ضرورة الإكثار من شرب السوائل وقيادة سيارات مفتوحة السقف وتناول الايس كريم!.
كما وجهت مصالح الأرصاد الجوية الأميركية نصائح أيضا إلى مواطنيها دعتهم فيها بضرورة الاحتماء في أماكن باردة وتناول كميات كبيرة من السوائل وضرورة الاتصال الدائم فيما بينهم، وخصصت رقم هاتف للطوارئ.
ووصفت المصالح أن الموجة ستؤدي إلى"أوضاع خطيرة." وفي حال تفاقم الأمور ستصدر المصالح تحذيرات إضافية لمناطق جديدة، بينها وسط نيوجيرسي وماريلاند وديلاور.
وتشير الإحصائيات الصحية الأمريكية الرسمية إلى أن موجات الحر المتعاقبة التي حصلت خلال العقود الأربعة الماضية في الولايات المتحدة أدت إلى مقتل 20 ألف شخص، وفي موجة عام 1980 وحدها شهدت الولايات المتحدة 1250 حالة وفاة بسبب ظروف المناخ.
وفي كندا، غطت كتلة من الهواء الحار والشديد الرطوبة جنوب كيبيك ومنطقة مونتريال ويتوقع أن تستمر لأيام بحسب أجهزة الأرصاد الجوية التي وجهت أيضا تحذيرا من تأثير اختلاط الرطوبة بالتلوث. ويتوقع أن تصل درجة الحرارة إلى 34 درجة مئوي، الأمر الذي دفع بالسلطات البلدية والصحية في المناطق المعنية بإطلاق التحذيرات وضرورة الإكثار من شرب المياه والحد من النشاط الجسدي والبقاء في الظل وتشغيل المراوح وأجهزة التكييف، كما طلب من المرضى والمسنين الذين يعيشون وحدهم البقاء على اتصال يومي بأقاربهم لطلب المساعدة إذا اقتضى الأمر.
وفي لندن أعلنت السلطات الصحية البريطانية عن تسجيل "مئات الوفيات الإضافية في المملكة المتحدة خلال الأسبوعين الأخيرين، التي قد تكون مرتبطة بموجة الحر "الشديدة" التي تضرب بريطانيا والتي بلغت درجة الحرارة فيها إلى 31.7 درجة مئوية وهو أعلى معدل يتم تسجيله العام الحالي برأي المكتب البريطاني للأرصاد الجوية.
يشار إلى أن العالم شهد في السنوات الأخيرة تقلبات مناخية كبيرة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري التي أدت إلى ارتفاع حرارة الأرض، ومن المتوقع أن تتزايد هذه التقلبات مع مرور الوقت.
غير أن كل هذه الأنباء على ما يبدو لا تلقى اهتماما واضحا عند المواطنين العراقيين الذين تكيفوا مع نصف درجة الغليان، وزعم بعضهم انه قادر على "تحوير الاحتباس الحراري نفسه في الشهور القادمة"، بينما أطلق أحدهم أهزوجة الحروب التي حصلت في العقود الماضية "تعب حتى الحديد وما تعبنه"!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني