الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة حمار

زهير قوطرش

2010 / 7 / 31
الادب والفن


المرحوم عمي ,هو في الحقيقة ابن عم والدي ,لكنها درجت العادة أن ندعوه يا عم أبو فلان ,تميزاً له عن العم أخو الأب . قضى حياته العملية في سلك وزارة الدفاع وكان من الضباط المشهودين له بإخلاصه لعمله,وحبه الشديد للحياة العسكرية والتي انعكست على سلوكه الخاص ,فكان في حياته العائلية يعكس صورة حياته العسكرية . الاستيقاظ صباحاً الساعة السادسة ,عشر دقائق تمارين رياضية ,لا فرق بين كبير وصغير من أولاده ,الساعة السادسة والنصف الجميع يجب تواجدهم حول مائدة الفطور ,الساعة السابعة والنصف ,الكل عليه أن يبدأ حياته العملية .وكان من عادته أيضاً مراقبة نظافة الأحذية , تقليم الأظافر ,المظهر العام.
هذا النظام كان لا يروق لزوجته التي كانت رحمها الله تطيل السهر وتطيل في ساعات النوم صباحاً .حتى الأولاد ,بالنسبة لهم كانت حياة النظام العسكري في البيت غير مرغوب بها ,وكانوا يتحايلون عليها بشتى الأعذار ,من مرض, أو انشغال في الدراسة أو ما شابه ذلك.
تواجد عمي في البيت كان وقت الأجازات فقط ,وكانت إجازاته قصيرة يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر من كل شهر. كونه كان يخدم على الحدود الشمالية الشرقية .حيث رفضت زوجته البقاء في تلك المنطقة النائية وخاصة بعد أن كبر الأولاد ,وصار عليهم زيارة المدارس الثانوية ,والجامعات.
ابتلي عمي بعادة شرب المشروبات الكحولية , فقط بعد انتهاء الدوام ,وأدمن على شربها ,حتى صارت عادة مستحكمة فيه إلى أن وصل إلى سن التقاعد.
حياة التقاعد أو المعاش كما يسميها البعض ,كانت كارثة عليه وعلى عائلته , فقد فيها أهم مواصفاته المهنية ,ألا وهي إعطاء الأوامر ,ومعاقبة من هم أدنى منه مرتبة في حال تقاعسهم عن سرعة تنفيذ أوامره ,أو معاقبتهم للتسلية واثبات للشخصية.هذا من جهة ,ومن جهة أخرى تقيدت حريته في شرب الكحول حفاظاً على مشاعر أولاده.
زوجته صارت لا تطيق الحياة معه , لتدخله في كل كبيرة وصغيرة في شؤون البيت ,وكانت تتمنى لو أن الخدمة في سلك الجيش تكون كولاية الرؤساء والملوك في الوطن العربي ,حتى الممات.
بعد مرور سنة من إحالته على المعاش , ترك البيت لزوجته والأولاد ,واشترى قطعة أرض وعرة ,لا يصلها الجن كما يقال ,أرض صخرية جبلية على سفح جبل قاسيون . استأجر بعض العمال ,وبأجر سخي ,حفروا له في الصخر ,غرفتين وصالون ,وفسحة أمام البيت زينها بالورود والأشجار الجبلية ,وأستطاع إمدادها بماء الشرب من أقرب مصدر للمياه ,حيث انه استخدم خبراته الفنية التي تعلمها عندما كان ضابطاً في الجيش,عاش في هذا البيت ومعه خادم تجاوز الخمسين من العمر.وكان مرتاحاً إليه ,لأنه استطاع أن يمارس معه فعل الآمر والمأمور. فهو الذي ينظف البيت كل يوم ,ويعد الطعام لهما ,ويحضر الشاي والقهوة لعدة مرات في اليوم ,وفي المساء يعد طاولة الشراب ..وعليها أصناف الأكل والسلطات ,وكان الخادم العجوز يعزف له على البزق ,آلة تشبه العود ,ويغني له الأغاني الكردية الحزينة .وفي أغلب الأوقات كان يدعوا أصدقائه القدماء للسهر معه , حيث كانت تطول معهم السهرات إلى الصباح ,وغالباً ما كان الضيوف يبتون في قصره المتواضع إلى ساعات الظهر.
دعاني إلى زيارته في مقره الجبلي ,اعتذرت له لوعورة الطرق وصعوبة الوصول إلى قصره . ضحك بصوت عال وقال لي ....تستطيع أن تصل إلي بسيارتك أيها المهندس ؟؟؟؟؟...لا أدري كيف تحصلون على شهادات الهندسة؟
استغربت ذلك ,وحسبت أنه في حالة هيام عقلي بعد شرب زجاجة من العرق أو الويسكي الذي اعتاد على شربه. لكنه أكد لي صحة ما أخبرني به, ودعاني إلى العشاء في مقره,وشرط الحضور كان ...بواسطة السيارة.
أذكر قبل سنتين طلب مني تصميم طريق جبلي يصل الطريق العام في أسفل الجبل ,بمقره ...لكني اعتذرت لصعوبة تحقيق ذلك ,وأذكر أنني أخبرته أن هذا العمل بحاجة إلى مؤسسة هندسية ,تملك خبرات ومعدات وما شابه ذلك.
لبيت دعوته ,وفعلاً قدت سيارتي خلال طريق متعرج ,إلى أن وصلت إلى منزله الصخري,وقد أصابتني الدهشة ,كيف استطاع فتح هذه الطريق خلال الصخور ,وعلى هذا السفح شديد الميولة.
وما أن دخلت من الباب الخارجي حتى استقبلني بالترحاب ووقف هو وخادمه باستعداد ,رافعاً يديه اليمين محيياً ,ومن فوره اصطحبني إلى الصالون .
وما أن دخلت من الباب ,وإذ بصورة معلقة على الجدار قياس متر بمتر ونصف لحمار ,وكانت الصورة ملونة.صمتُ للحظات وأنا أنظر إلى صورة الحمار ,لكنه عاجلني بسؤاله ,هل تعرف من صاحب هذه الصورة؟ ...نظرت إليه باستغراب ,وأجبته إنها صورة حمار .أجابني ( ماشاء الله عليك شو ذكي).طبعاً صورة حمار ,ولكن سؤالي من هو هذا الحمار؟ ..أجبته وأنا أبتسم ,..لا أدري ,ولم أتشرف بمعرفته بعد... يا عم...قال لي هذا الحمار ,يحمل دكتوراة في الهندسة ربانية (يا باش مهندس).ويضاهي بعلمه الرباني أكبر مهندس طرق في هذا البلد.
بعد ذلك ,أخبرني كيف رفض المهندسون ,تصميم هذا الطريق الجبلي ,رغم السخاء في الأجر . وفي النهاية خطرت له هذه الفكرة (وأعتقد بعد أن شرب زجاجة ويسكي).
اشترى حماراً ,وصار يجبره على الصعود والهبوط من الطرق العام إلى البيت.وذلك خلال الصخور .ومن ثم طلب إلى خادمه تحضير مئة وتد بطول عشرين سنتمتر.وبعد أن أجبر الحمار على الهبوط إلى الطريق العام ,أدار رأسه باتجاه المنزل ,وترك له حرية اختيار الطريق ....وسار خلفه ,تبعه وصار يغرز كل خمسين متر وتداً ...إلى أن وصل الحمار إلى البيت .وبعد ذلك أحضر آلية لشق الطرق ,وأشار على السائق فتح الطريق متبعاً توضع الأوتاد ...وبالفعل خلال ثلاثة أيام كان الطريق جاهزاً وصالحاً حتى لصعود السيارات بسهولة.
بعد انجاز الطريق أعاد الحمار إلى صاحبه كهدية ,لكنه طلب من مصور الحي ,تصويره وتكبير الصورة قدر الإمكان.
كتب تحت الصورة ....
أعظم مهندس طرق في مدينة دمشق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن