الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الورد الجوري الاحمر

زكي فرحان

2010 / 8 / 4
الادب والفن


هذا ستار جاء ليشتغل معي، دعه يشاطرك السكن في الغرفة ،!!
أشار أليه أخي ، وأدلف الى باحة الدار،
تركه يرتجف من هول المفاجأة ، ألم به الوهن أستباح كيانه و أستهل العرق جبينه ، ظل مستطلعاً فينا خجلاً، يترقب وجوهنا المتأملة بنظراته الساهمة، أحتواه الدهش، غير أنه ود أن تكون المفاجأ ة في حدود الاحتمال، ويسكن قلبه الاطمئنان وراحة البال، يتمنى الظفر بأبتسامة منا يرتمس في عبق عطرها وتزيح عن صدره الكرب و العناء،
ستار، شاب نظرٌ، يافع نحيل القامة، ناهز عمره سن البلوغ ،عيناه واسعتان تشعان ذكاء ورجولة، كعين مهر أصيل توحيان بالحذق و الطموح، يستدرج في نظراته المتوقدة المتأمل، شعره مسترسل، يعتمر كوفية سملة تحت غترة و (عقال) سميك تتدلى منه ذؤبتان طويلتان تنحدران الى نهاية ظهره، تنتهيان بسبابتين تخفقان كبندول الساعة، يجيزان الانبهار و يدهشان الناظر، هو ينتعل( مركوبا) يئن تحت قدميه أكلت الارض نصفه ، يرتدي(دشداشة) من قماش

( البازة) شتت العتق خطوطها و تجرف لونها، يتمنطق عليها بحزام جلد متهرئ يترنح بائسا، و على كتفه سترة رقطاء لبست الهدل، وشم عليها زمن القِدمْ، أما في دخيلته فكان يملك قلبا مفعما بطيبة أهل الجنوب، أنعكست هذه الطيبة على وجهه الابيض الناصع كبياض (رستته) التي باركها له ( شيخ دخيل) ذات يوم، قالت له أمه، خذها معك تحرسك وتقيك من الشر وتوفر لك الرزق الحلال، صحبها معه من سوق الشيوخ و بضع ذرات من تراب الدار، اودعهما في قطعة سملة من عباءة أمه، تحلق معنا حول صينية العشاء، هواجسه طافحة بالصمت و الترقب، يستقرأ الوجوه كاليتيم التائه، و بهمس مسحوب خافت ،يستأذن قائلا، هل اكلكم نظيف!! ؟، كادت الكلمات تختنق و تلتصق في قعر فمه وعلى نهاية لسانه المتلعثم ،أجبته، طبعاً أكلنا نظيف ، حينئذ بلع ريقه وانشرحت اساريره،توطد الامل في قناعته، وأنسل الى قلبه دم بارد، مسد نتوء شاربه قبل ان يقرأ اسم الحي على الزاد، أزدرد منه كفايته، بدأ الليل يرسم حدوده ويمد جحافل ظلامه، أمسينا نتجاذب اطراف الحديث، سرد عليٌ ما يكتنزه صدره من حكايات و احلام ومن ألم وغيض، قال ،أجتزت المتوسطة بامتياز، هربت من قنوط المدينة ،فراتها تبتلعه الشمس، وهوائها يتعثر في مساره، شوارعها عاريات ممزقات يخيم عليها الفزع و القهر و الجوع، و تعاني من فقرالدم، والناس فيها يخبزون الهم على صفائح الوعود، والعدالة معلقة على باب رحمة الحكام، قال لنا معلم التاريخ معظمكم من الطبقة المسحوقة، قالت أمي لا تخلع العقال فهو وجاهه ورجولة، بغداد فيها الرزق الوفير و العمل اليسير، فضاؤوها واسع تستقطب الغريب، نحن لا نعرف نقيق لغة أهلها، أحذر يا ولدي، من فخاخها وتزاويقها ، فقد ضاع في متاهاتها الكثيرون، تأثلت بيننا عرى الصداقة، و زادت روابط الفكر في الثقة والاحترام،أجتهد ستار في عمله مع أخي، وأجتهد يقرأ بنهم كل كتاب و نشرة ورق تأجج الحماس و تناغي الوجدان و تفيأ القلب، ُشن العدوان الثلاثي على مصر ، نظمت المظاهرات، وفي خضم تزاحم متظاهري شارع الرشيد الهادر، توغل ستار في العمق و صوته يوسع الصدى، و يرن في الآذان، ويندرج في تأصل الذات، زرته في الموقف العام، قال لي ، الآن أدركت قول معلم التاريخ،و آصرت مع المسحوقين نقول الكلمة الخيرة و نحترم التاريخ، والاماني سوف تطل علينا، و نزرع شوارع مدينتي العارية بالورد الجوري الاحمر، أنا لا أود أن أموت ضيعا كموت الغريب، وأنما أريد ان اجعل لحياتي ثمنا وطنيا، النظام كالبالون حتفه السقوط حتما، أذهلتني كلماته وأحتوت مشاعري و خلبت مني مزاجي النرجسي ، أفرج عنه مكللاًََ بزهو المتأمل وفرح المتوجس، مكث معنا قبل ان يرحل الى بلد خلف البحار، بلد يزينه الروض صيفا و يكسوه الثلج شتاء، تشمرت الايام ، وأنحنت الاشهر وتباعدت الأعوام، كتب لنا خلف صورته و هويرتدي عقال الرجولة بين رفاقه،
سأعود بثوب قشيب جديد،
قماشه نادر ولونه فريد،
أكمامه محكمة و حزامه سديد،
بزغ تموز ظافرا ومعه البشر والدفء، وُقدمَ معه ستار يرتدي ثوبا قشيبا، يزين الفضاء، ويوقض الوسنان، ويملأ القلب فرحاً و زهواً، دارت الايام، وجاء المحذور يطرق ألابواب تخبرا بالقادم ، وحال الأمر في المرتجى يضعف وتائره، ترازحت المسيرة، انكفأت الشمس و هبت الريح الصفراء، و جاء القطار الامريكي يترمض و يتمادى في أغتيال تموز الوليد الطري، عم القتل أرجاء الوطن ، وخضبت دماء زكية جنائن الخلد ، أكتضت السجون بالخيرين وشرعت مدرسة (نقرة السلمان) بابها تستقبل تلاميذها الاوفياء، كبرنا، وتأهلت لنا قرينات و أولاد، أعتمرت بيننا علاقات حميمة، وقت الضجر، نستذكر يوم قدومه من سوق الشيوخ، وأول عشاء تناولناه ، وفلماً ( سبارتكوس) شاهدناه، سحرنا به و شدنا اليه، فنغرق في سوانح الضحك و الدموع، ستار، نازعه المرض، وأثقلته أوجاع الألم وعاديات الزمن ، وهول المعانات وندب الحياة، والتعذيب و السجون، أختطفته يد المنون، عاش نظيفا ومات نظيفا يتوسد تراب الوطن،،
استراليا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما


.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى




.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم