الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السفر والعيد ايام زمان

زكي فرحان

2010 / 8 / 6
الادب والفن



اليوم الثالث قبل العيد،، أستيقضت أم أسعيد في باكورة الصباح، رائقة المزاج تهتز غبطة وهي منشرحة الصدر، أستضاءت الفرحة على وجهها الشاحب، كادت تطير من يسر المفاجأة وحنو المعجزة، تمنت لوأن هذا الحلم الذي داعب لياليها وتأثل في مسار حياتها ان يتحقق ويصبح واقعاً، ألتحفت عباءتها مسرعة ووقاء على الرأس ورغيف من الخبز وفردس من التمر تلقم بهما قرقعة بطنها الخاوي، نضدتهما في صرة من القماش، تأبطت الصرة وراحت تستحث الخطوات على الطريق الترابي المتاخم لنهر دجلة المدجج برهط نسق من النخيل العناق المترادف والمجترف من محلة(اللطلاطة) الى قلب قضاء مدينة (قلعة صالح) حيث (معبر السيارات) أشعة الشمس تنث وهج حرارتها التموزي تلسع وتغور في كل الاجسام، ثمة نسوة جالسات متهافتات متشحات بالسواد كتهافت غربان يفترشن الارض،عيونهن مختلجة شاخصة نحو الافق المقابل للنهر، وجوههن كالحة كمدة، رؤوسهن مجبولة منحنية تنود، يلوذ بهن الحزن والترقب، أندست أم سعيد بينهن بجسمها الضامر المرتعش تحت ثوبها الحائل، تستوضح من احدهن بهمسة ودوده وشعور كامن باللطف و الأستئذان، قالت لأحداهن(أكلج خية ياوكت يجي الطرنبيل،، وأنت هم تتلكين احد من السفر،،؟)راحت هذه المرأة تتمعن في محيا أم سعيد بعد ان أفت شفتها وغورت فاها وحوصت عينها وأستأملت برهة وبصوت متحشرج قالت لها،(أنا أتلكه جنازة رجل أختي، بوليصي كتلوه فلاحين آل إزيرج) تنهدت بحسرة حزينة ثم أردفت مستغربة( كبل البوليسي جبير ويحكم وكت كوكس،،وجان معاشه ربيات ، وهسه ما اله قدر ومعاشه وريقات، ولما مات كوكس حزنه علية ولطمنه، والكواله تكول،،دكن حيل نسوان البوليسية - كوكس مات وأنكطعت الربية) أنتابت أم سعيد رهبة مفاجأة، غصت في ريقها، إلتهبت غضباً، تبدلت أساريرها،أشاحت بوجهها عنها، ترتعد، تكاد ان تصرخ،،أن تفصح عن محنتها وتداعي الزمن عليها في فوضى التاريخ ،،هي أرملة بولدين ورثت عن أبيهم ضنك العيش، الفقر و العوز، وديمومة الحاجة، تسكن في بيت من الطين،أحتضنت ولديها أسعيد البكر ورف وكبر ومشى (للسفر صانع) بمعية احد الصاغة الى بغداد ليعيل أمه وأخيه (هادي) من وهل غائلة الفقر المقيت ويزيح عنهم العوز وحاجات الدهر، أتعب أم سعيد الانتظار واليأس والضجر وأدركها الوقت، أستأذن النهار منها وعيل صبره وأنثلم ظله، تحركت مخارم الليل تشق طريقها وتنشر غسيلها،، رجعت أم سعيد والدمع ينحدر من عينيها، ولازمتها الخيبة، رسالة أسعيد تقول ،،أمي العزيزة،( واصلكم دينار مع حامل الرسالة - لحبشات العيد – وساشتري لكِ – جرغد حبر- وحذاء كلاصي- الى أخي هادي،، سأكون عندكم قبل العيد بثلاثة ايام) إستأثر بها الذهول،آوت الى مضجعها،أنكفأت على سرير الجريد والهم يسعر في صدرها،،
اليوم الثاني قبل العيد – حملت جسمها المعروق الى جهة المعبر،يكتنفها الاحباط والهوس والهذيان،أمواج النهر تتلاطم مع خطا قدميها المرتعشتين تستضيف سحنات جوانحها ونشيج أنينها المر،أسرعت تتمعن في القادمين بلهفة ملتاعة وهنة، تحدق واثبة وملفتة للنظر، تجوب الوجوه القادمة المتعبة من السفر كأم ضاع منها ولدها، إحتوتها القشعريرة تولول بنشيج ساخن، تتوخى العطف عاتبة على السائق(يدرويل ماجبت إسعيد – وماري بلياه ما أنعيد) استعطفه صوتها الحزين،وأستجلى له حالها المهموم،ريح خاطرها بكلمات طيبة، طار صوابها وسكنها الرجيف تتعثر خائرة القوى، سرح فكرها الى حيث الكوارث التي تنتظرها فيما لو لم يأتي أسعيد، ما العمل يا(هيي)،،؟ الخزين وشل، هادي نما وكبرت رجلاه وصغر حذائه،وضاق عليه بنطرونه زحف الى ركبته، مدير المدرسة( عبد الوهاب شريدة) ينتصب في ساحة الاصطفاف وبيده مسطرة العقاب الغليظة،(عمور) العطار دينه زاد تراكماً عن الشاي والسكر،(حلانة التمر) نضبت تماماً، و(سدانة الحنطة) أزفت الخواء تقريباً،
اليوم الأخير-- أيقضها صوت( البشة) الهبراء تميح وتتبختر مستفزة غضباً من تزمخر الدجاجة البرشاء ونقيقها، سلكت ام أسعيد الطريق مستهدجة قزلة الخطا تندب حظها العاثر، تشعر بالحمى تجتاز هشاشة عظامها وتتأجج الهواجس السوداء المكبوتة،تجتر أحداث الأمس،تعول على صبرها وتجربتها المره، وهج شمس تموز ظلل بصرها وكساه غمامة ووهن، وثبت من وجومها تتأمل القادمين، تحملق في الوجوه المستطلعه الوجلة،،لم تكد تلتفت حتى ومض لها بريق محيا إسعيد وهو يسهم النضر صوب وجه أمه وعلى ثغره أبتسامة حبيبة دمثة تلامس الشغاف، فيها الحنان والحب والرضا و الاعتذار،أحقاً هو أسعيد ؟؟، أستنار عليها كهلال العيد المرتقب، المفاجأة جذلة وفوق الاحتمال،أنحدرت دموع الفرح وبعنف لذع الدم مستها غيبوبة واعية، ضمها الى صدره الملتاع يلثم مكارم قدسية يديها المتعففة، تبخر برائحة عرق جسمها الضاوي، إزدهى وأستمال النخيل وأرخى عذوقه تدلت ناثرة رطبها البرحي، صفق خوصه، ترنمت الطيور تغرد صدحة، هبت من دجلة نسيمات باردة عذبة تملأ الفضاء وتزخر بالأمل، ومن على متن محلة اللطلاطة أطلقت ام اسعيد عقيرتها تعلن البشارة السارة، وكأنها ملكت زمام ينابيع الحياة يزغرد صوتها ويندرج في كل بيت، تزاحم الطيبون يشاركون ام اسعيد سعادتها وهلاهلها بزهو يتوسطهم اسعيد بهجاً كعريس يزف في ليلة دخلته،، ثبت عيد،،
1-كوكس: المندوب السامي البريطاني
2- جرغد: قطعة قماش توضع على الرأس
3- كلاصي: أصلي
4- السدانة: وعاء من الطين لخزن الحبوب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج