الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيوت الأمان: الحاجة والضرورة

ريما كتانة نزال

2010 / 8 / 8
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



قبل حوالي عام من الآن، وفي ضوء الإطلالة على عدد من التجارب ذات الطبيعة الاجتماعية الخاصة، فكرت بالكتابة عن دور الحماية وعدلْت. ومنذ ذلك الحين لا تزال الشواهد تمر بذهني بسبب بشاعتها الصادمة حول حوادث العنف بكافة أشكاله الممارس ضد النساء، وحول العنف المنزلي على وجه الخصوص.. حكاية محزنة موجودة في جميع المجتمعات، لكن المثير في الأمر في أنه يتم التستر عليه باسم العادات والتقاليد، وغالبا ما يُتهم من يتحدث عنه بالمبالغة او التشهير والتشويه، كما ان التغطية عليه اأو تجاهل المشكلة المتنامية لا يحلها بل يساهم في تفاقمها وانتشارها.
بغض النظر عن نشر بعض المقالات المبتذلة حول مركز "محور"، والتي أثارت حفيظة المؤسسات النسوية والمجتمعية، إلا أنها من المقالات التي يمكن أن ينطبق عليها المثل الشعبي" ربَ ضارة نافعة"، فقد حسمت ترددا حول النقاش المفتوح حول دور الأمان، وبددت تحفظا كنا نبديه يخدم عدم الخوض في الحديث عنها وإبقائها بعيدة عن التداول، وهو التحفظ الذي ينطلق من الرغبة في حماية خصوصية النزيلات وقضاياهن الشائكة والصعبة، وحتى لا يتضاعف العنف الممارس عليهن بإضافة عنف جديد بالتطفل على قصصهن ومعاناتهن. وتتجاور اعتبارات التحفظ مع خشية الوقوع في بعض المحاذير غير المرغوب في وقوعها، والتي يقف على رأسها الإساءات التي يمكن أن تلحق بدور الحماية من قبل الجاهلين أو من أصحاب الدوافع من ذوي الخلفيات الفكرية أو الشخصية، وما يمكن أن يطال دورها ووظيفتها الذي لا يمكن الاستغناء عنهما. لذا كان من المفضل أن نبتعد "بمحور" وبغيره من بيوت الأمان عن التداول، وهو ما يمكن اعتباره كاجتهادات أو انطباعات أو إسقاطات وتقديرات لردود الفعل المفترضة لدى الرأي العام.
نحن إذن أمام وضعين بخصوص بيوت الحماية: إما وإما، إما أن نبقي رؤوسنا بالرمال، ونتناقل همسا ما يجري في المجتمع، ونثرثر حول ما تتعرض له النساء من إساءات وانتهاكات لحقوقهن وإنسانيتهن. عنف يترك بصماته على واقع ومستقبل ضحاياه وأسرهن، للدرجة التي يصل فيها إلى حد القتل، والذي معه تتحول القضية والمشكلة إلى جريمة أو فضيحة، وتصبح الفتاة الضحية إما جثة هامدة أو هاربة وطريدة. ويصبح أفراد الأسرة جناة يدورون في دوائر الحرام والعنف والخوف، ناهيك عن انعكاساته على امتدادات الأسرة.
أو الخيار الثاني، أن نقف أمام الواقع المعاش، دون أن نتجاهل ما يجري خلف الأبواب المغلقة، وأن نواجه مشاكلنا مباشرة دون مواربة، والتباحث بوضوح وصراحة حول مشكلة العنف ضد المرأة، سواء العنف المجتمعي، أو العنف العائلي داخل نطاق الأسرة، وهو العنف الأوسع انتشارا واتساعا وخطورة، سواء العنف النفسي أو الجسدي أو الجنسي الذي يطلق عليه "سفاح القربى"، والأخير هو العنف الأكثر تعقيدا وخطورة، وهو الأصعب في تناوله ومعالجته، وذلك بسبب تأثر أطراف عدة بانعكاساته وخاصة لدى انكشافه، لأن خروج الضحية عن صمتها سيستدرج عنفا جديدا. وهو خطير أيضا في حال استسلمت الضحية والتزمت الصمت، وهذا ما يجري عادة للفتيات اللواتي يتعرضن لسفاح القربى، وغالبا ما يصمتن خوفا من الإدانة التلقائية ومن العنف الانتقامي. خطورة العنف الأسري تتمثل بأنه يعتبر شأنا أسريا لا يمكن التدخل به، وبسبب عدم وجود قانون فلسطيني للعقوبات الذي يلحظ توفير حماية فاعلة للمرأة، يحول دون تحول الأسرة من كونها بيتا للأمان والحماية.. الى أن تصبح كمصدر رئيسي للخطر والتهديد لبناتها.
يبدأ الحل بوضع النقاط على الحروف، وبالاعتراف المجتمعي بوجود العنف وتناميه بأشكاله المتعددة وعلى رأسها العنف الأسري، وبأنه أحد الظواهر المرضية التي تهدد المجتمع وتماسكه اذا ما تحول الى ثقافة تؤسس له وتوجهه. ولابد من معرفة بأنه لا ينحصر في طبقة اجتماعية واحدة، ولا يصنف على أساس المستوى الثقافي أو التعليمي، وليس له علاقة بدرجة تدين المجتمع أو خلافها، لأنه كما يتضح عندنا وفي كل المجتمعات، سواء المجتمعات الشرقية أو الغربية، المتدينة وغير المتدينة، في الدول الحديثة أو التقليدية المحافظة، يتضح بأن المعنفين ( بكسر النون) فوق الطبقة والثقافة والمستوى التعليمي والاقتصادي، وفي الرجوع إلى المعلومات الموثقة لدى الجهات الموثوقة، الرسمية وغير الرسمية على الصعيد الفلسطيني، سنجد بأنه ينطبق على جميع ما تم ذكره من تصنيفات، ومتواجد في المدينة والريف والمخيم.
الاعتراف وحده لا يحل المشكلة، بل يجب أن يستتبع بتوفير ما يعين في المرحلة الانتقالية للوصول الى مجتمع معافى من العنف، والسؤال الذي يطرح هنا: هل تترك النساء من ضحايا العنف تنتظر إصلاح القانون وتعافي المجتمع..وهل نتوقف متفرجين على ضحايا تقتل أو ضحايا تهرب إلى المجهول بما فيها الى خلف الخط الأخضر طلبا للأمان.. أم نوفر بيوتا لإيوائهم ريثما نصل الى بر الأمان.. هذا السؤال الذي يجب أن يسأل وأن يجاب عليه بشفافية وصدق؛ وكحل أمام الوضع الذي فيه ينتشر العنف..
ان بيوت الأمان في المجتمع الفلسطيني احتياج وضرورة.. ومطلوب توفرها في جميع المحافظات لاستقبال ضحايا العنف، بهدف حماية حياتهم أولا؛ ولمنحهن الأمل والتدخل لوضع حد لمعاناتهن.. ومن ثم الانتقال الى العمل معهن وإعادتهن الى مجرى الحياة الاعتيادي والمنتج.. في الوقت ذاته، بات من الضروري دعم التوجه الذي تتوجه اليه وزيرة الشؤون الاجتماعية، والذي يتلخص بالعمل مع عائلات الضحايا من مرتكبي العنف ومن حولهم، ببرنامج إصلاحي غير نمطي، وهو البرنامج الذي يتركز على إصلاح انحراف مرتكبي العنف والمتواطئين معه، سواء بسبب الخوف او المصلحة.
وأخيرا وللحديث بقية، على الرغم من التغيير الذي جرى على دور ومكانة المرأة الفلسطينية بشكل عام، لكن التغيير الاجتماعي الذي وقع، بقي قشريا وطافيا على السطح، حيث لم يتم المساس بمضمون وضعية المرأة وموقعها في الأسرة ، وانحصر التأثير على شكل التغيير وليس على تغيير نوعيته ومضامينه. لذلك يتم مقاومة وجود بيوت الأمان حرصا على عدم تدخل الدولة في حياة مواطنيها لتوفير الحماية الاجتماعية للجميع على أساس حقوق المواطنة، ولتفكيك التحكم القبلي الذي يسعى الى تحويل أفرادها الى ملكية خاصة دون حسيب او رقيب. لذلك، فان الاستراتيجية التي ينبغي ان نذهب جميعا إليها، هي التي تقوم على نشر ثقافة الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، من أجل القضاء على العنف بكافة أشكاله، لأن المجتمع غير الديمقراطي هو المجتمع الأكثر عنفا، وأن نواجه مشاكلنا المجتمعية مباشرة بشجاعة وجرأة.. بعيدا عن سياسة التجاهل وعن دفن الرأس في الطين المعهود..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | سر غريب.. دراسة تفسر سبب صدق الرجال مع النساء


.. روان الضامن، المديرة العامة لمؤسسة إعلاميون من أجل صحافة إست




.. لينا المومني منسقة منظمة سيكديف بالأردن


.. اختتام أعمال ملتقى عمان الإقليمي وشبكة مناهضة العنف الرقمي ض




.. -اخترت الفن التجريدي كونه يحررني من كافة القيود-