الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اين القضاء العراقي من خروقات وتعطيل الدستور؟

نزار احمد

2010 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


لايمكن لاي نظام ديمقراطي ان ينجح بدون الالتزام الكامل بمواد الدستور وهذا الالتزام الكامل لايمكن تحقيقه بدون وجود قضاء مستقل وقوي يأخذ على عاتقه دوره الطبيعي والدستوري في ارغام صناع العملية السياسية على الالتزام حرفيا بنصوص الدستور, ايضا احد اهم واجبات القضاء هو ايجاد حلولا قانونية للقضايا التي يعجز الدستور عن معالجتها او هناك غموض او جدل بخصوصها او هناك خلل في آلية التعامل معها. التجاوزات الاخيرة التي ارتكبها مجلس النواب ورئيس الجمهورية بعدم التزامهما بالمواعيد المنصوص عليها في الدستورالعراقي في اختيار هيئة رئاسية للبرلمان وانتخاب رئيسا للجمهورية وتكليف الكتلة الاكبر المناط لها دستوريا حق تشكيل الحكومة كان نتيجة ضعف وعدم استقلالية القضاء العراقي, فللاسف تأخر تشكيل الحكومة وفقدان فصلا تشريعيا كاملا والصراعات الانتهازية بين الكتل السياسية ومحاولة كل منها ترأس الحكومة بعيدا عن الاستحقاقات الانتخابية واهمالا لصوت وارادة الناخب العراقي يتحملها القضاء العراقي قبل ساسة العراق وذلك لأن القضاء العراقي اهمل كليا مهامه وواجباته الدستورية وترك لساسة العراق مطلق الحرية في التلاعب والتحايل وتجاوز نصوص الدستور.

حيت تنص المادة (93) من الدستور العراقي على : "تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي:
اولا: الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة.
ثانيا: تفسير نصوص الدستور."
بينما تنص المادة الدستورية رقم (94) على: "قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة."
ايضا تنص المادة السادسة من الدستور العراقي على: "يتم تداول السلطة سلميا عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور".

وبما ان الدستور العراقي هو وثيقة دستورية يعتبر بحد ذاته مصدرا للقوانين والانظمة النافذة فأن مسؤولية صيانته وحتمية الالتزام بنصوصه وحسب المادة 93 اولا من الدستور تقع على عاتق المحكمة الاتحادية العليا والتي قراراتها وحسب المادة 94 تعتبر باتة وملزمة للسلطات كافة. ايضا في حالة وجود جدل واختلاف في وجهات النظر حول نصوص وآليات الدستور فأن الدستور العراقي ينيط للمحكمة الاتحادية واجب ايجاد تفسيرات ملزمة ونافذة لها. ايضا واستنادا الى مواد الدستور رقم 93 و 94 فأن مسؤولية تطبيق المادة السادسة من الدستور تقع على عاتق المحكمة الاتحادية وعندما يكون هناك خلل في تطبيق المادة السادسة من الدستور او عدم الالتزام بمواعيد نصوص موادها فتصحيح هذا الخلل يقع على عاتق المحكمة الاتحادية العليا والتي لحد هذه اللحظة لازالت تلعب دور المتفرج متجاهلة كليا واجباتها الدستورية.

تنص المادة 54 من الدستور العراقي على: "يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة وتعقد الجلسة برئاسة اكبر الاعضاء سنا لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه ولايجوز التمديد لاكثرمن المدة المذكورة آنفا".
ايضا تنص المادة 55 من الدستور على:" ينتخب مجلس النواب في اول جلسة له رئيسا ثم نائبا اولا ثم نائبا ثانيا بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر".

الدستور العراقي لايحتوي على نص دستوري يمنح مجلس النواب احقية وقانونية ابقاء جلساته مفتوحة الى ما لانهاية فالمتعارف عليه قانونيا هو ان الجلسة تفتتح وتغلق في نفس اليوم وذلك لأن عدد الحضور يختلف بين يوم وآخر, فهل يجوز ان تفتتح جلسة معينة بعد اكتمال نصابها القانوني وتكمل هذه الجلسة في يوم آخر بدون ضمان اكتمال نصابها القانوني او حصول تغير نصابها القانوني؟. حاليا لو نظرنا الى وجهات نظر اعضاء البرلمان العراقي لوجدناها منقسمة ما بين مؤيد لقانونية الجلسة المفتوحة و ما بين رافض لها, يعني هناك جدلا قانونيا بخصوص تفسير المادة 55 من الدستور العراقي, وبناءا عليه فأن المحكمة الاتحادية العليا مدانة للشعب العراقي بتفسير دستوري لهذه المادة الدستورية ينهي الجدل الحاصل حولها. ايضا هناك نقص وخلل في الدستور العراقي في معالجته لاحتمالية عدم تمكن احد المرشحين من الحصول على الاغلبية المطلقة, ففي حالة فشل البرلمان في ايجاد مرشحا يستطيع الفوز بثقة 163 نائبا, فهل هذا يعني ابقاء البرلمان معطلا حتى يتم الاتفاق على مرشحا يحظى بالاغلبية المطلقة؟ او هل يستطيع البرلمان مباشرة اعماله تحت الرئاسة المؤقتة لاكبر الاعضاء سنا؟, فلو كان الجواب بلا ولم تستطع الكتل السياسية ايجاد مرشحا مقبولا فهل هذا يعني ان يبقى العراق بلا برلمان الى ما لانهاية؟. شخصيا اعتقد ان المحكمة الاتحادية هي الجهة الرسمية المخولة من قبل الدستور في ايجاد حلولا للقضايا التي تجاهل الدستور التعامل معها بضمنها ابقاء جلسة البرلمان الاولى مفتوحة الى ما لانهاية وتعطيل دور البرلمان الى ما لانهاية.

كذلك تنص المادة 72 ثانيا, باء على : "يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته الى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه على ان يتم انتخاب رئيسا جديدا للجمهورية خلال ثلاثين يوما من تاريخ اول انعقاد له". فاذا افترضنا جواز ابقاء جلسة البرلمان مفتوحة الى ما لانهاية فأن انتخاب رئيس الجمهورية حدد حسب المادة الدستوية 72 بثلاثين يوما منذ تاريخ الانعقاد ولا علاقة له بطول او قصر الجلسة الاولى. فهذه مخالفة دستورية كان يتوجب على القضاء العراقي ايجاد حلا لها, اما سماح المحكمة الاتحادية لرئيس الجمهورية بالاستمرار بممارسة مهامه فهي بحد ذاته تعتبر مخالفة دستورية للمادة السادسة من الدستور, وهنا لا اعرف كيف نلزم ساسة العراق على الالتزام بالدستور العراقي اذا كانت الجهة الحامية للدستور هي اول الجهات التي تتلاعب وتتحايل على الدستور؟. ايضا عندما سمحت المحكمة الاتحادية العليا لرئيس الجمهورية في الاستمرار بممارسة مهامه كان عليها ان تجبر رئيس الجمهورية على تطبيق نصوص المادة 76 اولا والتي تنص على :"يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية". ففي حالة تعذر انتخاب رئيس الجمهورية فأن البديل يجب ان يمارس صلاحيات الرئيس الجديد والتمديد هنا يعني البدأ بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية للفترة البرلمانية الجديدة وحتى يتم انتخاب بديلا له. فلا يجوز مخالفة مادة دستورية تمهيدا لمخالفة مادة دستورية اخرى وألا فان الدستور بكامله يعتبر ملغيا وغير ملزما. فالدستور العراقي واضح وصريح وقد حدد موعد اختيار رئيس الوزراء بفترة زمنية لاتتعدى عن 75 يوما منذ تاريخ تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات وذلك عن طريق اتباع نصوص المواد الدستورية التالية:
اولا: حسب المادة 54 يعقد مجلس النواب جلستة الاولى بعد اقل من 15 يوما منذ تاريخ تصديق الانتخابات.
ثانيا: يجوز تمديد تاريخ الجلسة الاولى لمرة واحدة فقط ولفترة لاتزيد عن 15 يوما (المادة 54).
ثالثا: يتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال فترة زمنية لاتزيد عن 30 يوما منذ انعقاد الجلسة الاولى للبرلمان (المادة 72). للتذكير فأن المادة 72 تحدد السقف الزمني لانتخاب رئيس الجمهورية بثلاثين يوما منذ تاريخ انعقاد الجلسة الاولى للبرلمان وليس بتاريخ انتهائها.
رابعا: يكلف رئيس الجمهورية الكتلة البرلمانية الاكثر عددا بتشكيل الحكومة خلال فترة زمنية لاتتعدى 15 يوما منذ تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية (المادة 76).
يعني 15+15+30+15=75 يوما, وبما ان المحكمة الاتحادية قد صادقت على نتائج انتخابات آذار البرلمانية قبل اكثر من 85 يوما فان البرلمان العراقي وساسة العراق قد ارتكبوا لحد هذه اللحظة المخالفات الدستورية التالية بعلم ومباركة وجهود راعي وحامي الدستور (القضاء العراقي):
اولا: مخالفة والتجاوز على المادة الدستورية رقم 55 وذلك لعدم انتخاب رئاسة البرلمان وتفعيل دور البرلمان.
ثانيا: مخالفة المادة رقم 72 وذلك لعدم انتخاب رئيسا للجمهورية.
ثالثا: مخالفة المادة الدستورية رقم (76) وذلك لعدم اناطة الكتلة الاكبر حق تشكيل الحكومة.
رابعا: مخالفة المادة الدستورية السادسة وذلك بالامتناع عن تداول السلطة سلميا (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء) عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور(المواد رقم 72 و76).
خامسا: مخالفة المادة الدستورية رقم (57) والتي تنص على: "لمجلس النواب دورة انعقاد سنوية بفصلين تشريعين امدها ثمانية اشهر". ضياع فصلا تشريعيا كامل يعتبر مخالفة دستورية استنادا الى هذه المادة الدستورية.
وبعد ان تم التجاوز على حتمية والزامية التواريخ الدستورية للمواد الدستورية رقم 55, 72, 76 ونتيجة عدم وجود مواد دستورية في الدستور العراقي تعالج احتمالية فشل الالتزام بالمواعيد المنصوص عليها في المواد رقم 55,72, 76 ونتيجة ضعف وفشل القضاء العراقي في حماية وصيانة الدستور العراق فأن العملية السياسية في العراق اصبحت مصادرة كليا منذرة بالعودة الى النظام الدكتاتوري حيث ليس هناك مادة دستورية في الدستور العراقي تحدد موعدا نهائيا لانتخاب رئاسة البرلمان او انهاء جلسته المفتوحة, يعني اذا اراد جزء من ساسة العراق تعطيل دور البرلمان فأن الوضع الحالي يحقق مآربهم وذلك بأبقاء الجلسة الاولى مفتوحة الى ما لانهاية. ايضا بعد تجاوز مواعيد المواد رقم 72 و76 ليس هناك تاريخا معينا يجبر ساسة العراق على اختيار رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء, ففي حالة استمرار الخلافات على شخصيات الرئاسات الثلاث والاحقية في تشكيل الحكومة وعدم الاتفاق على كتلة اكبر تكون قادرة على طرح مرشحا واحدا لرئاسة الوزراء فأن رئيسي الوزراء والجمهورية المنتهية مهامهما دستوريا ممكن لهما ان يظلا في منصبيهما الى ما لانهاية خصوصا واذا اخذنا بنظر الاعتبار بأن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء منتميان الى كتلتين سياسيتين يمتلكان 149 نائبا في البرلمان الجديد (اي 46% من اعضاء البرلمان الجديد), وبما أن حل مجلس النواب والدعوة الى انتخابات جديدة وحجب الثقة عن رئيس الوزراء واعفاء رئيس الجمهورية من مهامه جميعها بحاجة الى اغلبية مطلقة في مجلس النواب (المواد الدستورية رقم 61 و64) فاذا اخذنا بنظر الاعتبار عدد مقاعد كتلتي رئيسي الجمهورية والوزراء مضافا اليها النواب الذين لايحق لهم التصويت نتيجة استمرار عملهم في السلطات التنفيذية مضافا اليها عقلية السياسي العراقي بعدم التخلي عن منصبه مضافا اليها الغياب المستمر لاعضاء مجلس النواب نتيجة اقامتهم خارج العراق فأن احتمالية استمرار الوضع الراهن على ماهو عليه الى ما لانهاية كبيرة وكبيرة جدا. فهل يستيقظ القضاء العراقي من نومه الطويل ويعيد المياه الى مجراها الدستوري ام ننتظر تدخل مجلس الامن الدولي واملائه قراراته علينا وضد ارادة الشعب والعملية الديمقراطية التي اختارها الشعب بعد تقديمه لاكثر من مليونين ونصف شهيدا؟. الاجابة متروكة للقضاء العراقي الذي اراد لنفسه ان يظل سجينا في قفص المصالح الفئوية. ايضا ما جدوى وجود الدستور ان كانت نصوصه لا تحترم او ان هناك انتقائية في احترام بعض النصوص وتجاوز نصوصا اخرى؟. فالدستور اما ان تطبق حرفيا جميع مواده او الافضل رميه في سلة المهملات مثلما رمى ساسة العراق في سلة المهملات هموم واحتياجات المواطن العراقي.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأخ العزيز
محمد علي محيي الدين ( 2010 / 8 / 25 - 17:59 )
دراسة قانونية جادة تناولت قضية خطيرة يترتب عليها الكثير ولا أعتقد أن القيادات السياسية جادة في الالتزام بالدستور وخروجها عن الدستور أو تحايلها عليه ما ينبئ عن حقيقتها وعدم شرعيتها ولكن أذا كان القضاء مسيسا والقوى السياسية ماضية في تجاوزاتها فمن له الحق بالتصدي لها هل هو الشعب الذي فقد البوصلة التي ترشده الى شاطئ الأمان وانساق انسياقا أعمى خلف عناوين لا تحمل ما فيه مصلحته ،ان الشعب لن ولا يتحرك لأنه يحتاج لمن يحركه ولافتقاره الى القوى المحركة ولكن أذا تخلت المحكمة عن واجباتها وأتبعت السلطة الحاكمة لأنها أساسا معينة منها وبإمكان هذه السلطة أقالتها فكيف لنا القول أنها مستقلة ،ان مقولة استقلال القضاء مهزلة لا يصدقها الا السذج والبسطاء فلم يكن القضاء العراقي مستقلا طيلة تاريخيه واذا وجدت شذرات لقضاة احترموا أنفسهم ولم يستسلموا لضغوط الحكام فهذا يشكل ظاهرة مؤقتة أو فريدة تمثل رأيا للقاضي المعني وليست حكما عاما للقضاء لذلك لابد من وجود آليات أخرى لتجاوز التجاوزات أو الوقوف بوجهها وهذه تتطلب وعيا شعبيا وشعورا بالمسئولية الوطنية ليس متوفرا في الوقت الحاضر.


2 - تابع لما قبله
محمد علي محيي الدين ( 2010 / 8 / 25 - 18:00 )

ولانعدام هذا الجانب كان على المجتمع الدولي تولي مسئولياته بإيقاف هذه التجاوزات ومحاولة تصحيحها بما له من تفويض أممي لأن العراق لا يزال ضمن البند السابع ويحق للأمم المتحدة التدخل في مساره السياسي بما ينسجم والقوانين الدولية ومن هنا يتحمل المجتمع الدولي مسئولية الانتهاكات الحاصلة في العراق وعلى النخب الوطنية العمل الجاد لإيقاف هذا التدهور وتحمل مسئوليتها الأدبية وما قامت به منظمات المجتمع المدني من أقامة دعوى بداية موفقة يمكن لها أن تتطور لتأخذ مداها الإنساني بتقديم الشكوى الى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة في حالة عدم استجابة القضاء العراقي.

اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر