الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلتي الى العلمانية

ازهر مهدي

2010 / 9 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد يكون الحديث عن العلمانية أمرا محسوما في العديد من دول العالم وقد تقبلها المتدينون لديهم أسوة بالغير متدينين بل قد نجد ان رجال دين لديهم يدافعون بحماسة عن العلمانية أكثر من بعض العلمانيين أنفسهم من مبدأ "أعط ما لله لله وما لقيصر لقيصر" لكن تظل الجدلية العلمانية أمرا شائكا في مجتمعاتنا العربية بل وقد يكون تفسيرها صعبا للعديد من المثقفين فضلا عن عامة الناس.
وربما يعود منشأ الصعوبة في تفسير العلمانية في عالمنا العربي إلى وحشية الحملة الشعواء التي شنها ويشنها الأصوليون لدينا ضد العلمانية ومحاولة تشويهها باستخدام شتى الطرق منها تكفير وتفسيق العلمانيين ووصفهم أحط الأوصاف واستخدام جميع الرموز المقدسة من اجل استحضار أعمق ما يخشاه المرء من الرفض عند مجرد لفظ كلمة العلمانية.
بالنسبة لي فقد تكون قصتي مشتركة مع بعض العلمانيين فقد كنت في بداياتي شخصا متعصبا من الناحية الدينية أؤمن بقيام دولة إسلامية تخلصنا من شرور الدكتاتورية البعثية التي سببت الشلل في جميع مناحي الحياة والفكر خصوصا وان البعث كان يحمل صورة مشوهة عن العلمانية بقدر ما كان يحمل جميع الصورة المشوهة عن جميع الأشياء حاله حال اي منظومة عروبية همجية شاذة لا يعول عليها إنسانيا او فكريا في غياب مطلق للديمقراطية او الحرية او النقاش او التعبير، اذ كان حزبا طائفيا في ممارساته الواقعية وهذا يتجلى في التجربتين العراقية والسورية على السواء وهو ما يتنافى مع ابسط متطلبات العلمانية و لم نكن نرى من الحياة حينها ألا النقيضين هما البعث او الأصولية وقد اخترت الثانية في مرحلة من مراحل عمري.
حينها كانت الصورة عن العلمانية مشوهة جدا فلم يدخر المتدينون والأصوليون وسعهم في تشويهها الى ابعد حد وهل ظل شيء لم يعملوا على تشويهه او تحريفه ؟؟؟!!!
عندما غادرت السجن الكبير والمظلم الذي كان اسمه عراق صدام حسين أتيحت لي الفرصة لتنويع مصادر المعرفة لدي وقد زال تأثير الإعلام القومي البعثي الرسمي وشقيقه الفكر الأصولي السري والمعارض من مصادر المعرفة المتاحان لي بصورة قهرية آنذاك بل تعرفت على العالم بالصورة الأوضح والأشمل او بمعنى اصح بالصورة الأهدأ والأفضل.
سافرت في إحدى المرات الى إيران او ما يسمى بالجمهورية الإسلامية الإيرانية من اجل السياحة فكانت الصدمة ولن أتحدث عن تجربتي هناك ألان لأني تطرقت إليها في مقال سابق لي لكن يمكنني ان الخص ما مررت به بكلمة واحد وهي " الخيانة " وهي خيانة الإسلام الذي تاجروا به طويلا وتاجروا به رخيصا بابخس الأثمان أيضا.
بعدها بدأت رحلة المعرفة او الكشف ولم يكن قراري صعبا بقدر صعوبة الكذبة التي عشتها لفترة طويلة من عمري وقد ضحى الكثير من العراقيين من اجل يخلقوا مثلها في بلادي كما ضحى الكثيرون في بلاد أخرى كي يعيشوا نفس الحلم او الوهم في إقامة دولة دينية تقيم مجتمعا فاضلا يستند على المنظومة الأخلاقية الدينية ويهدف للارتقاء بالإنسان.
بدأت أؤمن ان الدولة الدينية هي دولة مناقضة للدين نفسه وان تطبيق الشريعة في اي مكان او زمان يعني رصاصة الرحمة التي ستنهي حضور اي دين او معتقد وتجعل من الدين رمزا للشر بدلا من ان يكون صدرا حاضنا للقيم الإلهية والإنسانية حينها بدأت افهم معنى قولهم ان العلمانية تحمي الدين كما تحمي الدولة في نفس الوقت.
اذا كنا نتحدث عن إيران فهي الدولة التي يشهد أبناء شعبها اكبر عدد من حالة الردة بل ان الردة الجماعية في إيران خطر ستظهر آثاره بعد عقد او عقدين لنكتشف ان إيران لم تعد بلدا مسلما على الصعيد الشعبي لنكون بذلك خسرنا اكبر امة ساهمت في تاريخها في نهضة الإسلام ورفعته لتصبح الأمة الأكثر عداءا للإسلام عما قريب.
السعودية هي الأخرى لن تكون بمعزل عن هذا التغيير ( وعذرا من الإخوة والأخوات في السعودية ) فأني اعتقد ان الشعب الإيراني أكثر وعيا وحضارة فلهذا تظهر عليه ردود الأفعال الواضحة على عكس المجتمع البدوي السعودي الذي لا يزال يحتفظ بقيم الصحراء والذي قد لا يقيم للمفاهيم المدنية أهمية كتلك الموجودة في ايران ربما فلديهم معايير تختلف عن معايير المجتمع الإيراني المتمدن والمستنير بطبعه.
أفغانستان قد تكون حالة وسطى بين الوضع الإيراني والسعودي ، أول شيء عمد اليه المجاهدون وأعضاء القاعدة والطالبانيون قبل تطبيق الشريعة كانت عملية " التجهيل " القسري كخطوة سابقة لفرض مبادئهم ، تحريم التعليم على المرأة ، قصر تعليم الذكور على المواد الدينية والشرعية ، حضر التلفاز والفنون والشعر ، زراعة المخدرات إضافة الى الوضع المتدهور أصلا والذي أحال المجتمع الأفغاني الى جحيم وصير الفرد الأفغاني حطاما تذروه الرياح .
اعتقد ان التعليم وسقوط الإرهاب السلفي سيكون له اكبر الأثر في إحداث ردة فعل معاكسة في أفغانستان ضد الحكم الديني لكن قد تطول الفترة مقارنة بالمجتمع الإيراني.
التقابل بين الأصولية والعلمانية
قد يكون من أهم أسباب سوء الفهم عند الحديث عن العلمانية والأصولية هو النظر الى العلمانية كعقيدة معادلة ومقابلة للفكر الديني ( وانا أتكلم عن الأصولية الإسلامية ههنا ) لكن هذه النظرة قد تكون ابعد ما يكون عن الواقع فالدين والشريعة مجموعة كاملة من المفاهيم والمعتقدات وقد تختلف هذه المفاهيم والمعتقدات في شموليتها او اتساعها من ديانة الى أخرى لكن لنقصر حديثنا على الأصولية الإسلامية في موضوعنا الحالي تفاديا للالتباس،الشريعة الإسلامية تحوي مفاهيم قانونية وأخلاقية وتعاملية محددة وهي تحاول ان تتناول جميع مناحي الحياة ( بغض النظر عن توافقها مع الوضع المعاصر ام لا)
في حين ان العلمانية ( العلمانية التاريخية وهي العلمانية الاكثر شهرة مقارنة بالعلمانية الحديثة) هي مجرد نظرية سياسية تحاول الفصل بين الدين والدولة نشأت كرد فعل على سياسات الكنيسة لا أكثر لكن الشريعة الإسلامية كافية في نظر الإسلاميين لتحقيق وجود الدولة الإسلامية كنتاج جاهز فالعلمانية اذا لا تطلب لذاتها فهي لا تحمل مضامين فكرية او أيديولوجية او سياسية او أخلاقية وان تطبيق العلمانية ليس مطمحا بحد ذاته بقدر اعتبارها وسيلة او مقدمة لمرحلة تالية لها قد تكون الديمقراطية كما هو شائع في اغلب بلدان العالم المتحضر في حين ان الاصولية مدرسة فكرية ذات فلسفة جاهزة وشمولية معبأة بالمعتقدات والتعاليم.
يمارس الأصوليون أساليب شريرة جدا لتشويه صورة العلمانية فقد يسألك احدهم ، هل أنت مسلم ام علماني ؟!!!
سؤال كهذا ينم عن الجهل او الخبث ، العلمانية ليست بديلا عن الدين وليست ندا له وليست محاولة لخلق عقيدة معينة ، وان سؤالهم يجب ان يكون هل تؤمن بقيام دولة دينية ام دولة علمانية ؟؟؟؟ فالسؤال يجب ان يكون سياسيا وليس عقائديا لكنهم يحاولون خلط كل شيء بأي شيء من اجل الا تفهم شيء.
يكتب احدهم فيقول ان العلمانيين لا يؤمنون بالعبادات ولا يمارسون طقوسا معينة ولا يلتزمون بمبادئ شرعية .... الخ
حقيقة الامر ان مفهوما كهذا هو اكثر الصور فظاعة حينما يحاول الأصوليون من خلاله تشويه صورة العلمانية ، ان مسألة عدم الإيمان بالدين او ممارسة طقوس معينة لا تنضوي تحت فقرة العلمانية بل تدخل ضمن عقيدة الإلحاد او اللادينية ، ليس من اختصاص العلمانية التدخل في الجدل ديني او تحاول ان تجيب عن مفاهيم روحية معينة بل ان العديد من العلمانيين متدينون في حياتهم الشخصية اختلافهم الوحيد انهم لا يؤيدون تدخل الدين في السياسة او تدخل السياسة في الدين.

يتبع....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل العلمانية بتودي الى الجنة ؟
عدنان خلف ابراهيم ( 2010 / 9 / 6 - 04:10 )

هل البعث حزب طائفي ! ان ثمانون بالمائة من كوادره من الشيعة ! هو بالنسبة للسنة بهذا الشكل حزب طائفي !! والامر لم يحتج الى الاستعانة بامريكا من اجل اسقاطه هم استعانوا بها من اجل امتيازاتهم التي اهدرها البعث ! هل صحيح ان العلمانية لا تتدخل في الدين ؟ هل العلمانية شيء واحد ونموذج واحد هل يستطيع المؤمن ان يعيش وفق معتقداته في مجتمع علماني هل صحيح انه لا يوجد قمع ولا قهر في العلمانية للفرد ! العلمانية الفرنسية مثلا ماهي الا ستار للكاثوليكية المتطرفة فقط استبدل القساوسة بذوي ربطات العنق . اعتقد انك اسلامي سابق اخطأت الطريق كان يجب عليك ان تبشر بالاسلام كما فهمته بعيدا عن العبث السياسي به لا ان تتوجه الى العلمانية ذات الاشكال المتنوعة والمختلف عليها سؤال اخير العلمانية بتودي على الجنة ؟!


2 - هل العلمانية فيها حور عين و غلمان
عارف الحكيم ( 2010 / 9 / 6 - 13:15 )
تعليق ظريف من الاخ عدنان ...

و لو انه لايعلم ان العلمانى هو نفس المؤمن و لكنه يفصل بين معتقداته و بين انتماؤه الوطنى و ليس الدينى..

ياعم عدنان كن مسلما فى داخلك و لاتضايقنى اذ لم ادين بدينك
اعبد رب الكعبه ... انشاله تعبد الكعبه نفسها .. و لكن لاتأمر بقتلى من اجل ايمانى الخاص..

افصل بين الجامع و الشارع
افصل بين البيت و الغيط


3 - الدين اكثر رحابة من العلمانية
عدنان خلف ابراهيم ( 2010 / 9 / 6 - 22:19 )

اعتقد ان الفصل هنا غير ممكن لان العلمانية بالنهاية هي عقيدة وبالتالي هي التي تحدد سلوك الانسان وتصرفاته وافكاره وموافقه
ولذلك لايستطيع الانسان ان يفصلها عن ذاته
الاحظ ان الدين اكثر رحابة في امكانية قبوله لمعتنق العلمانية ولكن العلمانية كما هو الواقع تضيق ذرعا بالمتدين ولا تسمح له بالعيش وفق معتقداته


4 - الشيطان والدفاع عن الذات
سركون البابلي ( 2010 / 9 / 8 - 21:10 )
العجيب في امر المسلمين هو انه حينما اي كان ينتقد الاسلام فيكون جواب المسلم هو التهجم على المسيحية بدل الدفاع عن الاسلام , اليس هذا ما يثبت بان محمد ما هو الا المضاد للمسيح

اخر الافلام

.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني


.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح




.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي




.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل