الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبثية أن تكون حيا

نذير الماجد

2010 / 9 / 10
الادب والفن


على طريقة الشمس التي تشرق لأنها لا تملك سوى أن تفعل ذلك، كذلك تنسرد الحكاية، فتبدأ من حيث تنتهي أو تنتهي من حيث تبدأ، أو لا تبدأ أبدا.

ربما كانت ولادة عابثة تقفز إلى حياة تنتهي بموت، الولادة الحياة الموت:ثلاث قفزات أو ثلاث درجات في سلم لا نهائي يوصلك إلى المكان أو اللامكان أو نقطة الصفر.

الشمس تشرق لكي تغرب، والفأر يُقتل وإلا فسيموت، و"هام" ينفي والديه إلى المكان نفسه، والزوجان العجوزان يرغبان في ممارسة الحب في صندوق قمامة، و"كلوف" الحكيم يحدق في الحائط،، ثم تنتشي السلطة في توسل الكلب الذي هو دمية بلا قدم، والمنولوج هو نفسه يتكرر ويعيد اللاذكرى أو النسيان المركب، تنسى وتنسى أنك تنسى.

فليس اليوم سوى اللاحق لذاك الأمس الملعون الذي مر: عبثية أو لعبة لا تنتهي حتى تبدأ أو لا تبدأ حتى تنتهي.إن المنولوج الذي يتكرر يكشف عن أن ثمة شيء يتبع مجراه، وعلى امتداد النص بل وفي كل أعمال بيكيت يتكرر في صيغة تكاد تكون واحدة،ووفقا لكولن ولسن لا يوجد تفاوت في أعمال بيكيت، قراءة عمل واحد تكفي لتأويل كل نصوصه، فليس ثمة تمرحل في أدبه وإنما هنالك فقط تزامن كما يعبر بول شاؤول:

هام: كلوف!ـ
كلوف: نعم
هام: ماذا يجري؟
كلوف: شيء يتبع مجراه
هام: كلوف!ـ
كلوف: (منزعجا)وماذا تريد أيضا؟
هام: ألا ترى أننا في صدد أن نعني شيئا؟
كلوف: نعني؟ نحن، نعني؟ (ضحكة قصيرة)ـ

إنها ثرثرة تنطوي على نظر وحكمة تكشف عراء الأشياء، أو هي الحكمة التي اكتملت حتى انكشف لها الغطاء فاستحالت إلى قهقهة هي ضحكة العدم.. ذاك مقام عظيم لا يرقاه إلا مهرج يعرف معنى الضجر أو اللامعنى أو اللامبالاة، وهو الأمر الذي توصل إليه بحذق كبير "فوكلن" الذي كان ذكيا بما يكفي لكي يعرف أن للخبالة قيمة معرفية لا تملكها الشكوكية نفسها، فوكلن ليس شكوكيا، لأن لدى الشكوكي لزال ثمة يقين يجعله غير قادر تماما على التبصر.

عرف بيكيت كيف يحيل اللغة إلى ثرثرة، والثرثرة التي تسكنها ضحكة العدم هي القادرة على الكشف، والمجنون هو المفكر والفيلسوف الذي من شأنه وحده أن يرسم للعالم كينونته التي هي سديم من غباء، والفكاهة –أو الخبالة- هي الشكل المعرفي الوحيد للولوج إلى هذا العالم أو المنزل الذي تفوح فيه رائحة الجثة.

في "نهاية اللعبة" كان على بيكت أن يكون عبثيا أكثر من جوجو في "انتظار جودو" التي كان لعبثيتها تخم الانتظار والرحيل، في لعبة جدلية يسكنها الضجر والفكاهة في ذات الوقت.

لعبة الانتظار هي انتظار محض، انتظار جودو الذي هو اللاشيء كما أن الانتظار هو اللازمن لكنه مع ذلك يلتصق برحيل. الرحيل والانتظار إن كان ثمة معنى فهو انتظار في العدم ورحيل إلى اللاشيء، وفي الانتظار ثمة إدراك بالزمن، ليس بمعنى الآن الذي لم يأت بعد أو الماضي الذي كان آنا، بل بمعنى المستقبل الذي هو البداية نفسها، وللانتظار خاصية انطولوجية للكينونة كما أن الموت يصبح امتيازا للكائن، والانكشاف والانحجاب يصبحان الشيء نفسه: كنه الأشياء والعالم، ولذلك فإن الرحيل هو الوجه الآخر للإنتظار، جوجو يريد أن يرحل وفلاديمير يعده بمزيد من الانتظار، لكن أحدهما يشبه الآخر إذ لا توجد ملامح محددة لشخوص بيكيت.

في مسرحية "في انتظار جودو" كان هناك معنى ما للزمن الذي يشكله الانتظار، لكن هنا في "لعبة النهاية" يبدو المعنى وقد تقلص حتى بدت اللغة مجرد أصوات والسلم والأيام والأشخاص وكل شيء آخر ليست أكثر من متوالية لرقم واحد هو الصفر، كل هذا في منزل صغير فيه قمامة أو برميل يمص العجوز فيه البسكيوت ونافذة تطل على الموت، ثم لا شيء..

أن تحيا هو أن تنتظر، تلك هي "لعبة النهاية" لبيكيت: ( ننتظر طيلة الحياة كي تصنع لك هذه اللحظات حياة).. أو كما يقول جوجو: نجد دائما شيئا ما يا ديدي، لنوحي لأنفسنا بأننا نعيش، ألا ترى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما