الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حق الاختلاف في منهجية التفكير

رندا قسيس

2010 / 9 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعد فشل (اختراعي) الاعجازي لفض غشاء البكارة، و عجزي عن قيادة جيش من الفتح الغازي للعذرية، و يعود ذلك بالطبع إلى حماة العذارى الساهرين لردع أية حملة تطمع في سرقة الخيرات الذكورية، فكما نعلم أن المس بالأعراض كالمس في الأرزاق.
بعض التعليقات و الايميلات التي عبرت عن عجز بعض القراء في تناول النص كاملاً، فجاءت بعض الردود جامدة لا حراك بها، عجزت عن تفكيك رمزية العنوان، و يعود ذلك، على ما أعتقد، إلى وجود تشنج عام في التعاطي مع هذه المسائل.

تطرقت في مقالات سابقة إلى موضوع الادراك، و عجزه عن فهم كل ما يختلف عن "الأنا" الفردية، و ذلك من خلال رفض أي اسلوب غير اعتيادي، فالفرد يميل إلى ترجيح كل ما هو متكرر، و ذلك من وجهة نظر عصبية و تدعى ترجيح الاحتمال المؤثر، فكما شرحها "زاجونك" "أن اختيار أي تمثيل لصورة عقلية يخضع إلى حكم التفضيل، لهذا نجد اننا في استنساخ لأفكارنا و لمنهجيتنا، مبتعدين عن تقبل كل ما هو خارج عن اطارنا المعرفي و النمطي.

كثيراً ما نسمع عن صيحات تطالب بالتنوع و حق الاختلاف تحت شعار "حرية التعبير" و غيرها من الشعائر الجميلة، لكن ألا يتوجب علينا و قبل مطالبة الآخرين أن نتساءل عن مدى قدرتنا في تجميد "الأنا" المعرفي لسماع أو قراءة ما يختلف عنه؟
حسب اعتقادي، ان الاختلاف يكمن في استطاعة الفرد، و بشكل مستمر، على نقد أفكاره، و سلوكياته، كي يستطيع الوصول إلى ادراك أكبر، و هذا لا يتم إلا بعد التخلي عن البحث في تضخيم "أناه" من خلال أعين من يحيطه.
دعونا نلقي الضوء على منهجية التفكير و التحليل عند شعوبنا العربية، نجد أنفسنا سجناء لمنهج و اسلوب واحد، ان كنا من الموافقين أو من المعارضين، و يعود ذلك، في اعتقادي، إلى استحالة البعض، سواء كان كاتباً، فناناً أو مبدعاً، الخروج من دائرة رسمها له قارئيه أو معجبيه أو خط لنفسه مساراً، فأصبح أسيراً له، فنراه لا يتوارى عن اطلاق الأحكام على كل ما لا يعجبه أو لا يتناسب مع خطه المعرفي.
لا بل أكثر من ذلك، تتسم العقلية العربية و الدينية على حد سواء، مهما اختلفت الأديان و المعتقدات، في تبني منهجاً و اسلوباً متشابهاً خال من الابداع، معتمداً على مبدأ التناسخ و النسخ.
صحيح ان الأفكار المعبرة من خلال الكتابة، الرسم أو أي عمل هادف مرتكزة على مبدأ الالتزام، إلا ان الالتزام لا يقتصر على هدف واحد و مسؤولية واحدة، و لا يحتكر أيضاً بمنهجية معينة، فإذا بحثنا عن الركائز الأساسية لأي عمل موجه، نجده مرتكز على تراكم الخبرات الفردية، تراكم الأفكار المتنوعة و المنتمية إلى ثقافات مختلفة، ليأتي بعدها دور الخيال الابداعي.

قبل الحديث عن تنوع الأفكار و تنوع اسلوب تطبيقها، علينا أن ننظر إلى تفكير هذه المجتمعات من خلال سياق تاريخي، لنجد أن ثقافة جميع الكتل الجماعية الدينية في منطقتنا بالتحديد مؤسسة على فكرة الفرد الواحد، أي ان التغيير فيها لا يتم إلا من خلال أفراد قلائل، لنتساءل مجدداً عن الأسباب التي أدت إلى انتاج ثقافي ثابت، أي بمعنى آخر، هل كان الرسل و الأنبياء وجهاً ظاهريا تحركهم سلطات خفية بهدف الهيمنة؟ أم نستطيع اعتبارهم أفراداً تمردوا على بيئة قاسية؟ في كلا الحالتين، فهم يشكلون انعكاساً لثقافة ذات طابع واحد لم يتغير إلى الآن.
مازلنا في بحث مستمرعن بطل اسطوري يستطيع أن ينشلنا من مآسينا و بطريقة اعجازية، مازال بعض مناضلينا في حقوق الانسان و المرأة عاجزين عن تقبل التنوع في الطرح و الحل و التحليل.
لا توجد حلول قاطعة، و لا توجد قراءة موحدة، فالتغيير لا يتم فقط بناءاً على رغبة شديدة في التغيير، بل يتم من خلال تكوين مجموعات فردية مختلفة الأراء في تعاطيها مع أجزاء من الواقع مستندة بتحليلها على علوم مختلفة.
لا توجد رؤية واحدة لمفهوم معين، و لا علاج واحد مستند على دراسة واحدة، بل مجموعة من العلاجات التجريبية، أما في حالة مجتمعاتنا المستغرقة في غيبوبتها، فعلينا أولاً تحريكها من خلال صدمات قوية لنتمكن من معالجتها لاحقاً.

لهذا قبل الخوض في أية معركة، علينا أن نعيد اكتشاف أنفسنا لمعرفة الأهداف الدفينة في داخلنا التي دفعتنا إلى تبني اسلوب أو نمط في التفكير دون الآخر.
عندما يصبح العمل الابداعي عبارة عن وسيلة لابراز "الأنا"، تصبح جميع محاولات البحث في ايجاد العلاج عقيمة، و عندما ننطلق من القاعدة الأنوية لفهم الآخر و اسقاط مفاهيمنا و رغباتنا عليه، معنى هذا اننا نقضي على أية محاولة جدية مهما بلغت بساطتها و التي يمكنها أن تتفاعل مع المحاولات الأخرى للخروج من هذا النفق الضيق.

أعتقد أن التغيير لا يتم إلا من خلال تغيير النسيج النفسي لكل فرد، لاكتشاف طبيعته المنفردة و المتميزة عن الآخر، عندها يمكننا، مبدئياً، تحديد الأهداف النهائية، و الالتزام بها عبر منهجية و اسلوب فردي متغير، لهذا أجد ان علينا تحرير أنفسنا من سجن تقييم ذاتنا لنتخلص بعدها من أحكام الأنوات الأخرى علينا، فبحثنا في هذه الحياة لا يختزل باستجدائنا لاعجاب الآخرين، بل هو بحث طويل يبدأ أولاً بالانسجام و التناغم بين أفعالنا و تفكيرنا و بين عوامل الطبيعة.

لن أطيل كثيراً، إلا أني أحببت أن أوضح لبعض القراء الذين يمارسون أحياناً بعض اسقاطاتهم الأنوية على كتاباتي، أقول لهم ان هدفي في الكتابة ليس للاسترضاء، و لا لتبجيل أناي، بل هو محاولة لاستخراج جميع صوري العقلية، كي أستطيع التغريد كما أشاء ضمن دائرة أهدافي التي بدأت في رسم ملامحها، فما أسعى إليه هو البحث عن خلق نموذج ثقافي جديد لا تحده الأنوات أو الأيدلوجيات و لا الأوطان أو الأديان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 9 / 14 - 09:22 )
الأخت الكاتبة المحترمة تحية لك .تحليل جميل ، وفعلاً نتمنى أن يتخلص المرء من عقدة - الآنا - التي تضخمت كثيراً في الأونة الأخيرة . وهي على كلا الحالات جزء من ثقافة راسخة قديمة ثقافة السيف والقلم والقرطاس يعرفه وليس يعرفني . مع التحية لك


2 - ملاحظة
عبد القادر أنيس ( 2010 / 9 / 14 - 10:43 )
أخت رندا تقولين: -عندما يصبح العمل الابداعي عبارة عن وسيلة لابراز -الأنا-، تصبح جميع محاولات البحث في ايجاد العلاج عقيم-
ما المشكل هنا؟ ألسنا نعاني في مجتمعاتنا من هيمنة الجماعة على الفرد؟ فما المشكل في محاولة إبراز الأنا خاصة في مجال الإبداع وهل يحتاج هذا إلى علاج؟. أليس تأخر النزعة الفردية عندنا بما تعنيه من تأخر تحرر الفرد على المستوى الذاتي والسياساسي والاجتماعي والاقتصادي سبب في جمود الفرد وموت ملكة الإبداع فيه؟
إلا إذا كنت تقصدين تضخم الأنا حد المرض.
رأيي أن المشكل ليس في إبراز الأنا بقدر ما هو في صعوبة تفتح أنواتنا للتعاطي مع الآخر المختلف بتسامح، قبلناه أم لا.
هل فهمت غلط؟
تحياتي على جهودك التنويرية


3 - السيد عبد القادر انيس
رندا قسيس ( 2010 / 9 / 14 - 11:33 )
يأتي الابداع من تراكم التمثيلات العقلية مع تخمرها و خصوصاً عند و جود هدف نهائي يصب في صالح الفكرة نفسها، و ليس طمعاً ب -الأنا-. اذا نظرنا إلى آلية الابداع، من ناحية عصبية، نراها تخضع إلى أربع مراحل: 1-التركيز و بشكل واع و طويل على أي عمل ان كان علمياً أو فنياً و تدعى بالمرحلة التحضيرية 2 - إعادة ترتيب الأبحاث لاكتشاف الوسائل في اعادة طرحها تحت صياغة جديدة مع اضافة زوايا غير موجودة، و هذا بالطبع لا يمكن أن يحصل إلا من خلال التفكير بالفكرة نفسها و ليس بالأنا 3-اختمار الأفكار المتعددة و التي تتحول إلى تمثيلات عقلية غير واعية 4- و بعد فترة من الراحة ينبثق العمل الابداعي ليضفي على هذه التراكمات بصمة جديدة، هذه المراحل لا تأتي إلا عند تجميد الأنا و سيطرة الفكرة عليها، و هذا ما عنيته، على العكس نجد في الكتل الجماعية القامعة للفرد، ان الأنا متضخم و ذلك لمنافسة الأنوات الأخرى أما السعي وراء عمل ابداعي لا يتم بشكل واع بل يفرض نفسه على الوعي. أتمنى أن أكون قد وضحت ما عنيته و شكراً


4 - تغريد حقا
عماد علي ( 2010 / 9 / 14 - 12:29 )
انه حقا تغريد و لكن ضمن الدوافع الشخصية فقط دون تحليل الظروف الموضوعية المطلوب التاثير عليها لتغيير الواقع و من الجانب النفسي البحت و هذا ليس السبب الوحيد في جمود الحال في منطقتنا و عدم التغعيير المنشود كما هو حال المناطق الاخرى في العالم من كافة الجوانب و التغييرات الجزئية هي التي يمكن ان تتراكم ايضا سوى بالتاثير على المجتمع بشكل مباشر ام من خلال قراءة الذات و البدء من النفس و عند التكرار يعم التغيير فلك كل المحبة الكاتبة العزيزة و مزيد من الابداع و هذا الموضع يحتاج لمشاركة كبيرة من قبل المبدعين و من كافة الجوانب الثقافية السايسية الفلسفية النفسية و الاجتماعية التي تهم الجميع مع بالغ شكري عماد


5 - مع الكاتبة من حيث المبدأ.....
موسى سعيد ( 2010 / 9 / 14 - 14:12 )
كعادة - الكتاب و المثقفين - ذوي الثقافة المشرقية يفشل الكاتب في فهم المعلقين و يخرج كالعادة برّد انشائي فلسفي تحليلي استراتيجي علماني لاهوتي .......الخ...
لدي سؤالين بسيطين للكاتبة المحترمة : كيف ؟ و أين؟
مع احترامي الشديد للجميع.


6 - مجرد لفت نظر
أحـمـد بـسـمـار ( 2010 / 9 / 14 - 16:41 )
عندما تكتبين يا سيدتي الطيبة الرائعة, وخاصة تكتبين باللغة العربية, يعني للمجتمعات الماتشية الإسلامية العربية. يعني للنساء الملفحات والقبيسيات العربية الإسلامية. إذن تعرفين جيدا أن السكاكين سوف تشحذ وترفع ضدك مستنكرة مهددة. لأن كلماتك الواقعية تمثل واقعهم الأسود المتحجر, وكل ما حرموا منه من ملذات الحياة الحقيقية وجمالها وأنوارها الربيعية. اتركيهم في مواتهم وجمودهم وتصحر قلوبهم. مهما كتبت ومهما صرخت من حقائق, لن يسمعوك, ولن يلتفتوا. لأن أعينهم التي اعتادت على الظلام تخشى النور. ولك مني أطيب تحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الواسعة.


7 - شخصية حمالة الأوجه
الحكيم البابلي ( 2010 / 9 / 14 - 21:24 )
السيدة رندا
كلما قدم أحد الناس دراسة أو بحث أو تحليل يجب عليهها أن يُعاملوا البيئة والحاضنة العربية والإسلامية بطريقة مغايرة لمعاملة بقية المجتمعات ، لأننا حالة خاصة تختلف وتتنافر مع كل الأخرين ، والسبب هو الدين وهيمنته اللا معقولة على أنسان المنطقة

تتكلمين عن موضوع الإدراك وعجزه عن فهم كل ما يختلف عن - الأنا - الفردية ، وذلك من خلال رفض أي أسلوب غير إعتيادي
وهذا صحيح ، لأن الفرد العربي المسلم ، المشبع بثوابت وحدود وقيود الدين ، لا يمتلك عقلاً أو فكراً مرناً يتقبل الجديد مهما كان الجديد مُقنعاً ، وهو - الفرد - مُدرب ومبرمج على تقبل الأفكار من جهة معينة ، وكل جديد بالنسبة له بدعة ، وكما تقول الكليشة البدعة ظلالة وكلاهما في النار
والجديد يُرعبه ويُخيفه بحيث يفقده توازنه ويضعه أمام مفترق طرق لا يتجرأ على إختيار ما يعجبه فيه ، لئلا يفقد الجنة الموعودة

لذا فأنتِ تطلبين الكثير من البعض ، وهو (تفكيك رمزية العنوان - غشاء البكارة )!، فهذا عنوان أقدس أقداسهم ، ورمز ما يعبدون ويحتقرون في آن واحد ، وهذا أعجب ما في شخصياتهم ( حمالة الأوجه ) كنصوصهم بالضبط ، إزدواجية مُخجلة
تحياتي


8 - أنا ..وأعوذ بالله من كلمة أنا!!!!!!
موسى سعي ( 2010 / 9 / 15 - 02:32 )
مرة ثانية أؤكد أنني مندهش من المصفقين ذوي العقلية المشرقية !!!!!!!حتى يشمل الاسلاميين وغيرهم
لا أدري حتى الآن لماذا تصر الكاتبة على عدم تقبل الرأي الأخر ....وكتابة رد مليئ بالتناقضات
لمعلوماتك و أظنك تعرفين ذلك ما طرحتيه ليس من (أختراعك ...الفرنسيون سبقوك بذلك فقط من ٤٠سنة وأتكلم عن الثوره الجنسيه ١٩٦٨ونحن مانزال نتكلم عن الانا والمابعرف شو ...وحق الاجهاض كانت وراؤه سيدة رائعة وقمة في الشجاعة ولم تطالب بالتنازل عن غريزة الام و الانثى ....ولم تختاراللجوء الى حلول (مشرقية) فانتازيه
بعلم كّرنا (مثل شعبي عندنا) أن المقال رمزي ولكن كيف نفك التشفير على أرض الواقع ربما بالدعوه إلى يوم وطني لالغاء مايسمى بجريمة الشرف مثلاً

اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال