الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيّكم يغرس رمحاً في دارٍ فهي له !!

عباس منصور

2010 / 9 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شعار الغزو العربي لمصر أطلقه ابن العاص لجنوده :
أيّكم يغرس رمحاً في دارٍ فهي له !!

كثيرا ً ما أجدني مضطراً للحديث عن ما يعرف بوقائع الفتح الإسلامي و خصوصاً في النطاق الذي تم تعريبه في مصر و الشام أيام خلافة عمر بن الخطاب في العقد الثاني من الهجرة النبوية قرابة العام 640 للميلاد .

و اللافت للنظر أن المروجين لتسامح الإسلام في قرونه الأولى لايكفون عن محاولاتهم لتمرير مسألة الغزو العربي للبلاد التي كانت خاضعة لحكم الرومان و الفرس و ذلك تحت دعاوي التسامح و المودة وطبائع الأمور في وقائع الأزمان مما يحدث في تاريخ الناس عموما ً و التي تنطبق على وقائع الغزو العربي لمصر .

و يزعم كثيرٌ من الباحثين أن الرسائل المتبادلة بين أهل البلاد التي فتحها المسلمون في القرون الأولى التي تلت الفتح العربي الإسلامي ترينا أن إيقاع الحياة اليومية و تفاعلات الوقائع الصغيرة الفعلية كانت تختلف عما يتوهمه بعضنا اليوم من ويلات لقيها أصحاب البلد على يد البدو الغزاة .

و المتتبع لمراجع التاريخ و سير المؤرخين الأوائل يرى شيئاً مختلفاً , فهذا أبو الحسن بن يحيى بن جابر بن داوود البغدادي المعروف بالبلاذري و الذي يعد من أوائل المؤرخين حيث عاش في القرنين الثاني و الثالث للهجرة يقول في كتابه فتوح البلدان نقلا ً عن عمرو الناقد عن عبدالله بن وهب المصري عن الليث بن يزيد بن أبي حبيب " ... و كانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم و القرى بلهيت و الخيس و سلطيس فوقع سباؤهم في المدينة " ومعنى ذلك أن الذين رفضوا التسليم و الاستسلام قتلهم الغزاة و استحلوا نساءهم سبايا و أطفالهم عبيدا ً و أرسلوهم إلى عمر بن الخطاب في مدينة الرسول التي كانت يثرب اليهود و الأزد قبل الهجرة و يضيف البلاذري في رواية أخرى عن القاسم بن سلام عن عبدالغفار الحراني عن بن لهيعة عن إبراهيم بن محمد عن أيوب بن أبي العالية عن أبيه قال : سمعت عمرو بن العاص يقول على المنبر : " لقد قعدت مقعدي هذا و ما لأحد من قبط مصر علي َّ عهد و لا عقد , إن شئت قتلت و إن شئت خمّست " أخذت الخمس " و إن شئت بعت إلا أهل أنطابلس " برقة " - و يبدو أنها كانت تحت النفوذ المصري في ذلك الوقت - فإن لهم عهدا ً يوفى لهم به " و هي نفس الرواية التي أوردها ابن كثير عن ابن اسحق و سيف في فتح مصر .

و يروي ابن كثير في صفة فتح مصر عن ابن اسحق أن " أبو مريم و أبو مريام الأسقف كلّما عمرو بن العاص في السبايا التي أصيبت بعد المعركة فأبى عمرو أن يردها و أمر بطردهما و إخراجهما من بين يديه ... "

و السياقات التاريخية التي أثبتها المؤرخون و كتّاب السيرة كثيرة و متفقة على أن قتالا ً وقع بين المصريين – القبط - و بين العرب و كذلك بين الروم في الإسكندرية و بين العرب و كذلك بين المصريين في النوبة و بين العرب و كل المراجع التي أوردتها و منها تاريخ ابن جرير الطبري و الكامل لابن الأثير و المغازي للواقدي كلها و غيرها تؤكد ذلك , إلا أن المقام هنا لا يسمح بالتوقف العلمي التام و التمحيص الموضوعي و لمن أراد الاستزاده عليه الرجوع لتلك المصادر و غيرها من أمهات كتب السير و التاريخ .

فالدارس لتاريخ الفتح العربي لمصر لا بد و أن يدرك أن المقصود بمصر في ذلك الوقت حسب مفهوم الفاتحين هو حصن بابليون في أليونة " منطقة قريبة من الروضة المعروفة اليوم " و تلك فتحها عمرو بن العاص بمعاونة الزبير بن العوام ومعهما خمسة عشر ألفا ً و خمسمائة من المقاتلين العرب " ثلاثة آلاف دخلوا مع عمرو بن العاص بالإضافة إلى إمداد أرسله عمر بن الخطاب بقيادة الزبير بن العوام قوامه اثنا عشر ألفا ً حسب رواية البلاذري عن ابن أبي حبيب " أن عمرو بن العاص دخل مصر في ثلاثة آلاف و خمسمائة و كان عمر قد أشفق من ذلك فأرسل الزبير بن العوام في اثنى عشر ألفا ً فشهد معه فتح مصر "

و بعد ذلك حسب نفس الرواية .. أن عمرو بن العاص لما فتح أليونة التي سماها "الفسطاط" و جه عبدالله بن حذافة السهمي إلى عين شمس فغلب على أرضها و صالح أهل قراها على مثل حكم الفسطاط و وجه خارجة بن حذافة العدوي إلى الفيوم و الأشمونين و أخميم و البشر و وادات و قرى الصعيد ففعل مثل ذلك , و وجه عمير بن وهب الجمحي إلى تنيس و دمياط و تونة و دميرة و شطا و دقهلة و بناوبوصير ففعل مثل ذلك , و وجه عقبة بن عامر الجهن إلى سائر قرى أسفل الأرض " الدلتا " ففعل مثل ذلك , فاستجمع عمرو بن العاص فتح مصر فصارت
أرضها أرض خراج " و كل ذلك فيما عدا الإسكندرية و النوبة و أنطابلس " برقة " هو المقصود بمصر لدى الفاتحين العرب و رواة سير الفتح .

و بعد ذلك بعام تقريبا ً استخلف عمرو بن العاص على مصر قائده خارجة بن حذافة العدوي و سار إلى فتح الإسكندرية التي كانت مركزا ً للرومان و جنودهم يديرون من خلالها شؤون الاستعمار في الأراضي المصرية , و خرج الروم و القبط " فلقيهم بالكريون - منطقة قرب الإسكندرية – فهزمهم و قتل منهم مقتلة عظيمة و كان فيهم من أهل سخا و بلهيت و الخيس و سلطيس و غيرهم قوم رفدوهم و أعانوهم , ثم سار عمرو حتى انتهى إلى الإسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح و المهادنة إلى مدة فأبى عمرو بن العاص ذلك فأمر المقوقس النساء أن يقمن على سور المدينة مقبلات و جوههن إلى داخله و قام الرجال في السلاح مقبلين بوجههم إلى المسلمين ليرهبهم بذلك , فأرسل إليه عمرو أنه قد رأينا ما صنعت و ما بالكثرة غلبنا من غلبنا فقد لقينا هرقل ملككم فكان من أمره ما كان , فقال المقوقس لأصحابه : قد صدق هؤلاء القوم أخرجوا ملكنا من مملكته حتى أدخلوه القسطنطينية فنحن أولى بالإذعان فأغلظوا له القول و أبوا إلا المحاربة فقاتلهم المسلمون قتالا ً شديدا ً و حصروهم ثلاثة أشهر , ثم أن عمرا ً فتحها بالسيف و غنم ما فيها و هذا هو الفتح الأول للإسكندرية .

و نواصل الرواية من وقائع فتوح البلدان للبلاذري حيث يقول إن عمرو بن العاص استخلف على الإسكندرية عبدالله بن حذافة السهمي في رابطة من المسلمين و انصرف إلى الفسطاط و كتب الروم إلى قسطنطين بن هرقل و هو كان الملك يومئذ ٍ يخبرونه بقلة من عندهم من المسلمين و بما هم فيه من الذلة و أداء الجزية فبعث رجلا ً من أصحابه يقال له منويل في ثلثمائة مركب مشحونة بالمقاتلة فدخل الإسكندرية و قتل من بها من روابط المسلمين إلا من لطف للهرب فنجا و ذلك في سنة خمسة و عشرين للهجرة – و ليس كما يقول الدكتور زيدان أن قتلى المسلمين كانوا و احدا ً وعشرين رجلا ً مثل عدد من يلقون حتفهم في حادث ميكروباص -

و بلغ عمرا ً الخبر فسار إليهم في خمسة عشر ألفا ً فوجد مقاتلتهم قد خرجوا يعيثون فيما يلي الإسكندرية من قرى مصر فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة و المسلمون متترسون ثم صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً ثم إن أولئك " الكفرة " ولوا منهزمين فلم يكن لهم ناهية و لا عرجة دون الإسكندرية فتحصنوا بها ونصبوا العرادات فقاتلهم عمرو عليها اشد قتال ونصب المجانيق فأخذت جدرها وألح حتي دخلها بالسيف عنوة فقتل المقاتلة و سبى الذرية وهرب بعض رومها إلى الروم وقتل عدو الله منويل وهدم عمرو والمسلمون جدار الاسكندرية0

وكل من شاهد فتح مصر حسب سير الرواة والمؤرخين يدرك أن مصر لم تفتح مرة واحدة وان السيطرة عليها من قبل العرب الغزاة استغرق حوالي أربع سنوات كما يدرك أن مصر كانت مستعمرة رومانية قبل الغزو العربي بأكثر من سبعة قرون و أنها كانت ترسل ما يشبه الخراج إلى روما عن طريق الإسكندرية كل عام .

و اللافت للنظر أن من سماه العرب بالمقوقس كان بطريركا ً لكنيسة الإسكندرية و التي كانت واحدةً من أربعة كنائس تؤسس للإيمان المسيحي في العالم و أن هذا المقوقس لم يكن مصريا ً و كان اسمه قيرس و تم انتدابه بمعرفة الرومان من كنيسة أفسوس في بلاد الأكراد و تم تعيينه في الإسكندرية بدلا ً من كاهنها بنيامين الذي تم عزله , و أن هذا المقوقس لم يكن يرغب في قتال العرب و أنه كان يفضل الاستسلام و الاتفاق معهم بدلا من القتال و ذلك ضد مشيئة الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي أرسل جيشا ً و استرد الإسكندرية من جيش العرب .. و أن المقوقس كان على علاقة وطيدة للغاية بقائد الغزو عمرو بن العاص و الدليل ما ينقله البلاذري عن يزيد بن أبي حبيب من أن المقوقس صالح عمرو بن العاص على أن يسير من الروم من أراد و يقر من أراد الإقامة من الروم على أمر سماه و أن يفرض على القبط – المصريين – دينارين فبلغ ذلك ملك الروم فتسخطه و بعث الجيوش فأغلقوا باب الإسكندرية و آذنوا عمرو بن العاص بالحرب و خرج إليه المقوقس فقال لعمرو : أسألك ثلاثا ً أن لا تبذل للروم مثل الذي بذلت لي فإنهم قد استغشوني و ألا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم و إن مت فمر بدفني في كنيسة بالإسكندرية ذكرها له , فقال عمرو : هذه أهونهن عليّ ... "

و من البديهي أن لا يكون للمصريين في ذلك العهد جيش وطني و لا حكومة وطنية لأنهم و بلادهم واقعون تحت الاحتلال الروماني و أن الأمر بالنسبة لمعظمهم كان مجرد استبدال لمستعمر بآخر و أن خيرات بلادهم من أموال و محاصيل ستأخذ طريقها إلى مدينة الرسول في الشرق العربي بدلا ً من عاصمة الروم في الغرب المسيحي .

و من الملاحظ أن المصريين ارتضوا دفع الجزية و البقاء على دينهم ضمن البلاد التي غزاها العرب في الشرق بينما هرع الناس في فارس إلى الدين الجديد هروبا ً من الجزية و الخراج ثم تربصوا بالعرب و تحالفوا مع أحد جناحي قبيلة قريش – بني هاشم – و انقضوا على دولة العرب – الأمويين - و استبدلوا عاصمتها دمشق ببغداد التي كانت عاصمة الفرس القديمة بجوارها في " المدائن " قبل أقل من مئة وخمسين سنة و حاولوا استعادة دياناتهم القديمة من خلال صياغة مبادئ الإسلام بما يتفق و معتقداتهم السابقة على الفتح العربي لبلادهم . و ذلك يعني أن المصرين قد دفعوا ثمن تمسكهم بعقيدتهم حسب أقوال المؤرخين و منهم ابن اسحق و البلاذري " فوضعت الجزية على كل حالم و ألزم كل ذي أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة و قسطي زيت و قسطي عسل و قسطي خل رزقا ً للمسلمين تُجمع في دار الرزق و تقسم فيهم , و أحصى المسلمون الناس فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف و برنسا ً أو عمامة و سراويل و خفين في كل عام أو عدل – مقابل – الجبة الصوف ثوبا ً قبطيا ً .

و من أعجب ما يدعيه المروجون لمسألة التسامح أن الرسائل المتبادلة في ذلك العصر تظهر كما ً كبيرا ً من المودة التي جمعت بين أشخاص كثيرين متنوعين .. فهذا عربي مسلم يستأجر بيتا ً من مصري مسيحي و كأنهم لم يقرؤوا في مراجع التاريخ كافة أقوال عمرو بن العاص و منها خطابه لجنوده " سيروا على بركة الله فمن ركز منكم رمحا ً في دار فهي له و لبني أبيه , فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحا ً في بعض بيوتها و يأتي الآخر فيركز رمحه كذلك فكانت الدار بين النفسين و الثلاثة فكانوا يسكنونها " .. و متى كان العربي يدفع ثمن شئ يستطيع اغتصابه و سلبه !!

و على الرغم من كل ما سلبه عمرو بن العاص من المصريين فإن عثمان بن عفان قد استقله و غمز في ذمته و ذلك حسب سياق يزيد بن أبي حبيب عندما قال : جبى عمرو خراج مصر و جزيتها ألفي ألف دينار – مليونين – و جباها عبدالله بن سعد بن أبي سرح أربعة آلاف ألف – أربعة ملايين – فقال عثمان لعمرو : إن اللقاح بمصر بعدك قد درث ألبانها فرد عليه عمرو : ذلك لأنكم أعجفتم أولادها ..

اللقاح تعني البهائم الحلوب , درث ألبانها بمعنى زاد حليبها , أعجفتم أولادها يعني منعتموها عن لبن أمهاتها قبل موعد الفطام .. و هذا يذكرني ببيت شوقي :

يا بنة اليم ما أبوك بخيل ماله مولع بمنع و حبـس
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس!؟

نعم حرام لبن الأمهات على أطفالهن ليعلو رصيد الخراج و الجزية !! وهذه هي الموادعة و المودة التي يتحدث عنها الدكتور زيدان !!

و أدعو هؤلاء أمثالهم ممن يزعمون هذه الموادعة إلى التأمل و الإنصات إلى هذا الحوار الذي ساقه البلاذري عن أبو الحسن المدائني عن عبدالله بن المبارك قال : كان عمر بن الخطاب يكتب أموال عماله إذا ولاهم ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك و ربما أخذه منهم فكتب إلى عمرو بن العاص أنه قد فشت لك فاشية من متاع و رقيق و آنية و حيوان لم يكن حين و ليت مصر , فكتب إليه عمرو : إن أرضنا أرض مزدرع و متجر فنحن نصيب فضلا ً عما نحتاج إليه فكتب إليه : إني قد خبرت من عمال السوء ما كفى و كتابك إلى ّ كتاب من قد أقلقه الأخذ بالحق و قد سؤت بك ظنا ً و قد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك فأطلعه طلعه و أخرج إليه ما يطالبك به و اعفه من الغلظة عليك ... و لما قاسمه محمد ماله قال عمرو : إن زمانا ً يعاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء , لقد كان العاص يلبس الخز بكفاف الديباج فقال محمد : مه – اخرس – لولا زمان ابن حنتمة هذا الذي تكرهه ألفيت معتقلا ً عنزا ً بفناء بيتك يسرك غزرها و يسؤك بكاؤها , قال عمرو : أنشدك الله أن لا تخبر عمر بقولي فإن المجالس بالأمانة فقال : لا أذكر شيئا ًمما جرى بيننا و عمر حي .

و هل يعلم هؤلاء شيئا ً عن حق الارتباع ذلك الذي فرضه العرب المسلمون على فلاحي مصر إضافة إلى الجزية و الخراج و إن كان لا يعلم فالارتباع حق قرره العرب لأنفسهم بأن ترعى أغنامهم و إبلهم و خيلهم في حقول المصريين طوال فترة الربيع مجانا ً .. فكل قبيلة منهم تتخير أرضا ً على ضفاف النيل تستبيح مرعاها كل ربيع و ليسأل قرى أطفيح و الجيزة و غيرهما غرب النيل .

و فيما يخص منطقة النوبة في سياق الفتح العربي الإسلامي لمصر فيكفي أن نذكر ما دار بشأن معاهدة البقط , فهذا الاسم " المصطلح " و الذي يعني في اللغة متاع البيت أو الفِرقة من الناس قد مضى على صكه أكثر من ألف و ثلثمائة عام على الأقل حيث أورد البلاذري في فتوح البلدان في سياق أحداث جرت أيام الخليفة المهدي " و كان المهدي أمير المؤمنين أمر بإلزام النوبة كل سنة بثلاثمائة وستين رأسا ً و زرافة على أن يُعطوا قمحا ً و خل خمر و ثيابا ً و فرشا ً أو قيمته و قد ادعوا حديثا ً أنه ليس يجب عليهم البقط لكل سنة و إنهم كانوا طولبوا بذلك في خلافة المهدي و رفعو إليه أن هذا البقط مما يأخذون من رقيق أعدائهم ... "

و علاقة العرب الغزاة بالنوبيين يلخصها أفضل ما يكون محمد بن سعد عن الواقدي عن ابراهيم بن جعفر عن عمرو بن الحارس عن أبي هاني المعافري عن شيخ من حمير حسب رواية البلاذري قال : شهدت النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب فلم أر قوما ً أحد َّ في حرب منهم لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم : أين تحب أن أضع سهمي منك !؟ و ربما عبث الفتى منه فقال في مكان كذا فلا يخطئه , و كانوا يكثرون الرمي بالنبل فما يكاد يُرى من نبالهم في الأرض شيء , فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا و نحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف فما قدرنا على معالجتهم , رمونا حتى ذهبت الأعين فعدت مائة و خمسين عينا ً مفقودة , فقلنا : ما لها ولاءٌ خيرٌ من الصلح , إن سلبهم لقليل و إن نكايتهم لشديدة , فلم يصالحهم عمرو و لم يزل يكالبهم حتى نزع و ولي عبدالله بن سعد بن أبي السرح فصالحهم , قال الوافدي : و بالنوبة ذهبت عين معاوية بن حديج الكندي و كان أعور .. و يضيف البلاذري عن ابن أبي حبيب : ليس بيننا و بين الأساود " النوبيين " عهد و لا ميثاق إنما هي هدنة بيننا و بينهم على أن نعطيهم شيئا ً من قمح و عدس و يعطونا رقيقا ً فلا بأس بشراء رقيقهم منهم أو من غيرهم .

و من هذا السياق يتضح كيفية العلاقة شبه التجارية و التي يجيدها العرب حيث يأخذون المحاصيل نهبا ً خراجا ً من البلاد المستعمرة و يقايضونها بالعبيد مع النوبيين و هذا يدحض كل قول على أن الإسلام حرم تجارة العبيد فضلا ً عن اتضاح الأهداف الحقيقية للفتوحات الإسلامية حيث ارتضى العرب المسلمون أخذ الأموال و العبيد و المحاصيل و لا بأس أن يظل الناس على دينهم - دين الكفر و الشرك – حسب المنظور الإسلامي و يصدق فيهم قول أبي العلاء المعري :

المال يسكت عن حق و ينطق في بطل و تجمع إكراما ً له الشيـعُ
و جـزية القوم صدت عنهم فـغدت مساجد القوم مقرونا ً بها البيعُ

و عليه فقد ظلت مصر متمسكة بدينها و لغتها لأكثر من قرنين من الزمان مقابل دفع الأموال للغزاة الفاتحين الجدد , و لم تنقلب الأحوال إلا مع مجيء القرن الثالث الهجري في زمان الخليفة العباسي المأمون الذي جاء إلى مصر ليباشر القضاء على فتنة ابن العمري الذي ثار على العباسيين بتحريض من فلول الأمويين المدعومين بالقبائل العربية و بعد القضاء على هذه الثورة قرر الخليفة الذي تقول مصادر التاريخ أنه اصطحب معه إلى مصر في عام 217 للهجرة ترجمانا ً لينقل له الحوار مع المصريين .. قرر المأمون أن يشطب العرب من ديواني العطاء و الجند , و معنى ذلك أن الأموال و الرواتب التي كان يتحصل عليها العرب الأحقاد حسب قانون العطاء الذي أقره عمر بن الخطاب في الجابية قرب بيت المقدس في العام السادس عشر للهجرة قد ألغاه المأمون فترك العرب الحصون و الرباطات و مدن الجنود و زاحموا المصريين في العمل و التملك و المصاهرة و من هنا بدأ استعراب مصر , و تعرف المصريون على ديانة العرب عن قرب و بدأ التأثير و التواصل بين الثقافتين مما أنتج دينا ً و لغة ً فيه الكثير من شرائع المصريين و لغتهم في أمور الزواج و المعاملات و حتى في مسألة العقيدة و مركزية الأولياء و العارفين كواسطة بين السماء و الأرض و ما إلى ذلك مما في إسلام المصريين و لغتهم من خصائص و مميزات – ليس المجال هنا لبسطها – .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تطور الااهة
حسن النمس ( 2010 / 9 / 20 - 06:20 )
وهل كنت تتوقع من الفاتح العربي ان يأتي لمصر حاملا مبادئ العدل والمساواه واحرية , الم يسبقة الرومان الى الى مصر وأستكثروا عليها ان تكون ولاية وانما جعلوها من املاك الامبراطور ,الم يذل الصينيين بأن فرضت عليهم اوروبا بشراء الافيون عنوة ,الم تستعمر افريقيا ومعظم اسيا ويساق اهلها عبيدا .
انظر لتاريخك بغضب ولا تجعله جزء من عقيدتك اي كانت واعلم ان اله عمر بن العاص الذي اباح له استباحة ارواح واموال واعراض المصريين لا يمكن ان يكون هو ذات الاله الذي ييسر لك ولي الاتصال

اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط