الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمات في مسألة الدولة

عبدالله تركماني

2010 / 9 / 22
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


لا تتطور المجتمعات إلا في كنف الدولة، حيث لا سبيل للجماعات لكي تتقدم وتنتج وتراكم وتنظم كيانها الداخلي إلا بأن تتحول إلى جماعات سياسية تنشأ الدولة عن اجتماعها السياسي. وحسب رأي الدكتور عبد الإله بلقزيز تتفاوت الدول في درجة قيمتها وتطور نظمها بتفاوت مستوى التنظيم الذاتي للجماعات السياسية التي تكونها، وبتفاوت درجة نضج فكرة الدولة في وعي تلك الجماعات.
وفي سياق الدولة لا تكتمل السيادة الوطنية من دون تمتع كافة المواطنين بالحريات غير منقوصة: حرية الرأي والتعبير، حرية التجارة والتنقل، حرية تشكيل أحزاب وروابط مدنية وسياسية. أي لابد أن تتأصل الديمقراطية في مفاصل الحياة السياسية، بحيث لا تبقى مجرد آلية لانتخابات شكلية. كما أنّ ممارسة السيادة الوطنية، من قبل سلطة الدولة الحاكمة، تستدعي وجوب وجود معارضة سلمية منافسة تضبط الحكم، من خلال تطلعها للحكم مستقبلاً، واستعدادها للمنافسة في الانتخابات المقبلة الدورية.
وهكذا، فإنّ السيادة الوطنية تتحدد بمدى احترام سلطة الدولة لحقوق المواطنين، وضرورة إشعار الفرد بأنّ الدولة هي الحصن لحمايته، وهي بناء مستقبل زاهٍ لأبناء الوطن كلهم دون استثناء، وما من عوائق دون ترقية الاندماج الوطني، بما يقتضيه من جهود فكرية وسياسية واجتماعية وقانونية كبيرة.
ولأنّ الدراسات المستقبلية تعني القدرة على التحكم في المستقبل من خلال الاستعداد، بمجموعة من المبادرات والخطط، لمواجهة الاحتمالات المختلفة، فإنّ الدولة الفيدرالية ليست شراً في حد ذاتها، ولا خيراً في المطلق أيضاً، إن ارتضتها مكوّنات الوطن الواحد واعتمدتها سبيلاً لتصريف اختلافاتها الجغرافية أو تمايزاتها العرقية. هي هنا أداة تدبير للاختلاف وضمان للحد الأدنى من القبول بالعيش المشترك، في ظل دستور عادل ودولة اتحادية تتخذ من الأطراف المستقلة ذاتياً عنصراً للتنمية وتقوية لمقوّمات الأقاليم والجهات.
وبعد أن أكدت تجارب الدول الآخذة بنظام الدولة العصرية نجاحها في تحقيق طفرات اقتصادية ملموسة ومتميزة، تبين أنّ تنمية العنصر البشري وإتاحة الفرصة له للإبداع والمشاركة الواعية هي في حقيقة الأمر العنصر الحاكم وراء إنجازها وتميّزها‏. إذ أنّ الموارد البشرية تحتل المرتبة الأساسية في الاهتمام، على مستوى العالم المعاصر، باعتبارها أهم عنصر من عناصر التنمية. فقد تركزت القناعة بأنّ أي تحوّل أو تغيير في الحياة لن يكون له تأثير إلا إذا استند على قاعدة إنسانية شاملة، مشاركة واعية وواسعة للبشر في الحكم السياسي، لأنّ التنافس السياسي السلمي هو المقوّم الفعلي للحياة المدنية الحديثة.
كما أنّ ترسيخ قيم الموطنة، فكرياً وعملياً، لدى أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة, أصبحت من واجبات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية, هذه القيم التي يأتي في مقدمتها: الوعي بمهام الدستور, وبالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للفرد والمجتمع, وبمهام الفرد, ومدى الحريات الممنوحة له وأنواعها, وبكيفية تشكيل القرارات السياسية, وكيفية تنفيذها, وبنمط الحكم السائد, وبنظم الحكم العالمية, وبشروط التمثيل النيابي, وبكيفية المشاركة في الانتخابات, وتشكل المجالس النيابية, وغيرها من قضايا المواطنة التي تساهم في رفع سوية المواطنة ذاتها, وتخليص الفرد والمجتمع والدولة على السواء من عقلية وثقافة الراعي والرعية, وكل ما يعيق تحقيق دولة القانون. هذه الدولة، إذا ما حققت مشروع المواطنة لأبنائها, ستشكل الرافعة العملية والفكرية لاستمرار الدولة وقوتها من جهة, وترسيخ القيم الإنسانية لشعبها ومكانته بين شعوب العالم من جهة ثانية.
ولا مناص من الاعتراف أنّ الخيار الوحيد الناجع، لوأد الفتن المحتملة في العالم العربي، هو تقوية حضور المجتمع المدني بكافة هيئاته كي يقول كلمته لصالح وحدة المجتمع ولحفز روح التفاهم والتعاون بين مختلف الأطراف ولتأكيد الثقة بالدولة ومؤسساتها ودورها العمومي كخير ضامن لوحدة البلاد ومسار تطورها وتقدمها، فالدولة الديمقراطية هي المكان الأمثل لإدارة الخلافات والصراعات سلمياً، مثلما لا يمكن الحديث عن الوحدة الوطنية ووقف مظاهر التفكك وأسباب الفتنة عندما تنحسر أو تنعدم المساعي لتثبيت دور الدولة وتأكيد شرعيتها وعموميتها.
وهذه الأمور المهمة لتطور ونهضة مجتمعاتنا لا يمكن تحققها إلا من خلال وعي وتطبيق الديمقراطية، كآلية لإدارة شؤون الناس والمجتمع بصورة مؤسساتية عادلة وصحيحة. والقناعة لدى الغالبية أصبحت راسخة بأنّ الوقت قد حان لإحداث تغيّرات رئيسية وجوهرية على طريق الإصلاح وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، وبناء مؤسسات المجتمع المدني، إيماناً من الجميع بأن سنّة الكون تقتضي التطوير، وأنّ ما كان صالحاً، أو جرى قبوله بالأمس، لا يمكن أن يستمر حتى هذا اليوم.
ولعل مما سبق يتضح أنّ هنالك زاوية أخرى يجب إدخالها في المعادلة السياسية القائمة وهي المجتمعات العربية وإراداتها، وإبراز ما يمكن أن تقوم به في تحديد مصير المستقبل الذي ستكون عليه المنطقة العربية.
والنتيجة أنّ قابلية الدولة لاستعادة دورها التوحيدي لا تزال قائمة ومطلوبة، وما يزيد من فرص النجاح أن يحضر المجتمع المدني بمختلف فئاته وفعالياته ليمارس دوره في حماية الوحدة والتلاحم، وطبعاً كلما تفاقم مأزق القوى المتصارعة وازداد عجزها عن التوصل إلى التوافق، تزداد الأعباء والمسؤولية التي تقع على عاتق قوى المجتمع المدني وأصحاب مشروع الدولة الديمقراطية كي يتجاوزوا ترددهم وسلبيتهم، ويسارعوا إلى تنظيم صفوفهم على قاعدة خط إنساني عريض يدعو إلى تغليب السلم الأهلي على ما عداه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا