الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية وأزمة الهوية في العراق : معالجة سوسيو-سياسية (3): الشيعية السياسية وعراق ما بعد صدام

حارث الحسن

2010 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


خلافا للثورة الايرانية التي كانت والى حد كبير ثورة شعبية ، كانت طريقة سقوط نظام صدام تشكل تحديا للسردية الشيعية كما كان من الصعب على الكثير من الشيعة وضعها براحة ضمن سياق رؤيتهم للعالم وتصنيفاته . لم تكن اجابة السؤال مااذا كان سقوط صدام ودخول الامريكيين احتلالا ام تحريرا يسيرة على الشيعة ، فاي من الجوابين كان سيولد تناقضا داخل السردية التي بحكم كونها خطابا ايديولوجيا وشعبويا تتسم بالتبسيط وبالفرز الواضح بين الخير والشر. لامبالاة غالبية الشيعة في اتخاذ موقف واضح خلال الحرب وفيما تلا شهورها الاولى كان يعبر عن حيرة منطلقة من شعور باللايقينية وعدم الفهم ، الامر الذي دفعهم الى قدر من السلبية المقصودة . ففي الوقت الذي ادمج سلوك نظام صدام ضمن السردية الشيعية عن الظلم والطغيان والاضطهاد والتي اكدت وقبل كل شئ المظلومية التاريخية للشيعة ومظهرهم كضحية لجور الحكام المتسلطين ونخبهم الفاسدة ، كانت امريكا وبفعل من تأثيرات الخطاب الايراني ودمجه لعناصر من خطاب الحركات اليسارية ومن تجربة 1991 تمثل "شيطانا اكبرا" وطرفا لايمكن الا ان يكون مساندا للطغيان والظلم . للاسف لاتتوفر اي معطيات او استطلاعات يمكن الركون اليها حول طبيعة مشاعر الشيعة الحقيقية قبيل واثناء الحرب ، لكن بالامكان القول ان ارتباكا اصاب خطاب الاحزاب الشيعية الاسلاموية وان مواجهة حالة الصراع بين عدوين جعلت هذا الخطاب يميل الى التمويه ، وفي احيان الى الركون لحكمة القدر الذي جعل "الظالم والظالم يصطدمان ببعضهما " ، وفي احيان اخرى الى التشكيك بجدية الحرب وبطبيعة نتائجها . يمكنني القول ان الموقف اللامبالي الذي لحظته شخصيا لدى غالبية السكان تجاه الحرب كان امتدادا لهذه الحيرة وتعبيرا عن احساس بان هذه المعركة ليست معركتنا ، كما ان موقف المجتمع العراقي بعمومه كان موقفا مرتبكا وغير ميال لحرب مكلفة اخرى بفعل ماأصابه من انهاك ودمار نتيجة الحروب السابقة والعقوبات المدمرة . وسنرى ان هذا الارتباك سيوظف لاحقا في خطاب المجموعات السنية المتشددة للاشارة الى خيانة الشيعة للعراق وربط ذلك بقصة تاريخية عن ابن العلقمي الوزير الشيعي الذي قيل انه سهل احتلال المغول بغداد واسقاط الخلافة العباسية .
انهيار الدولة واختفاء سلطاتها القمعية واجهزتها دفع الغالبية الشيعية الى الالتفات حول السلطات الدينية المتكتلة داخل الحوزة العلمية في النجف التي سرعان مااستعادت قوتها ونفوذها كموجه رئيسي للطبقات الشعبية وبشكل اجبر الامريكيين الى الركون لدور المرجعيات الدينية في حفظ ماتبقى من النظام . الاحزاب الاسلاموية الشيعية كالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية وحزب الدعوة عادت قياداتها وكوادرها تباعا للعراق لكن سنوات المنفى الطويلة في ايران وسوريا جعلتها منفصلة عن الاجيال الشابة بين 18-30 سنة والتي تشكل المجموعة السكانية الاكبر بين الطبقات الشعبية . لذلك كان على هذه الاحزاب ان تلتف بدورها حول المرجعية الدينية من اجل الاستظلال بنفوذها ورفدها بـ"الحكمة السياسية" . لكن الانقسام الابرز الذي حصل داخل صفوف المرجعية الدينية وامتد بالتالي للمجتمع الشيعي كان حول كيفية الانسجام مع السردية الشيعية وبالتحديد كيفية التعامل مع وضع العراق كدولة محتلة من قبل قوة امبريالية اجنبية ، وهنا لعبت الذاكرة التاريخية التي تراكمت منذ الثورة على الاحتلال البريطاني التي يعتبر الشيعة انهم اكثر من ضحى فيها واقل من استفاد بعدها ، دورا في تشكيل موقف النخب الاكثر تعليما وابناء الطبقة الوسطى والاحزاب التقليدية ، وهذا الموقف لقي صدى بشكل او باخر لدى المرجع الديني الأعلى علي السيستاني الذي فضل موقفا غير صداميا واعطى الاولوية لتهدئة المجتمع المذهول بالتغير الحاصل وانتزاع الاستقلال تدريجيا . يمكن القول ان هذا الموقف كان تعبيرا عن رؤية تشكلت داخل النخبة السياسية الشيعية مفادها ان على الشيعة ان يأخذوا حقهم بحكم العراق بعد زمن طويل من التهميش وان ذلك يتاتى بمراعاة توازنات القوى الدولية وعدم الانقياد وراء الرومانسية السياسية والثورية التي قد تدفع الطرف المحتل (وكما حصل بعد ثورة العشرين حسب مرويتهم) الى التحالف مع المكون السني ضدهم وتسليم الدولة مجددا الى السنة ، هذا الموقف "المهادن" من الاحتلال فسره المتحمسون للمقاومة بانه تعبير عن موقف "الحوزة الصامتة " تلك التي لم تقاوم صدام حسين ولا امريكا بشكل صريح لتفريقها عن "الحوزة الناطقة" تلك التي مثلتها عائلة الصدر .
في داخل الطبقات الادنى والاقل تعليما والاكثر شبابا لم تكن تلك السردية عن تهميش الشيعة داخل العراق الحديث بذات اثر مهم لان معظم افراد هذه الطبقة ولدوا وتكون وعيهم خلال الحقبة البعثية وهم منقطعون الى حد كبير عن التثقيف السياسي للاحزاب الشيعية وليس لدى معظمهم اطلاع على التاريخ العراقي باي حال ، وهؤلاء التفوا حول زعيم من نفس مواصفاتهم هو مقتدى الصدر نجل محمد صادق الصدر الذي قاد اكبر عملية تعبئة شعبية داخل المجتمع الشيعي في التسعينيات قبل اغتياله من قبل نظام صدام . يمكن القول ان هؤلاء كانوا مأسورين بالزعامة الكارزمية لعائلة الصدر وكان مستواهم الثقافي والفكري المحدود وترعرعهم داخل مجتمع مغلق وفي حقبة ساد خلالها العنف والفقر قد جعلهم مستسلمون لزعامة هذه العائلة حتى وان تمثلت بشخصية مقتدى الذي لم يكن قد استحصل مايكفي من المعرفة الدينية والخبرة القيادية ، فقد اتخذ التفافهم حوله شكل الالتفات حول رمز مقدس ذلك الذي اصبح عليه محمد صادق الصدر الذي سرعان ماأخذت صوره وجدارياته تملأ المدن والشوارع الشيعية وبشكل خاص مدينة الصدر الفقيرة في بغداد (التي تمت اعادة تسميتها باسمه بعد ان حملت اسم مدينة صدام زمنا طويلا ) حيث انها مثلت معقل التيار الجديد لعوامل اهمها: اولا، ان النجف عاصمة التعليم الديني الشيعية كانت الى حد كبير تخضع لنفوذ وتأثير كبار المراجع والعلماء الذين لم يعترفوا لمقتدى الصدر بأي مرجعية او مكانة دينية ، ثانيا ، ان محمد صادق الصدر كان قد ركز في سلوكه التبشيري على مدينة الصدر بوصفها مركز تجمع ديموغرافي هائل للطبقة الشيعية الكادحة والفقيرة في بغداد وكان تغلغله هذا الى داخل العاصمة احد اهم اسباب اغتياله الذي تبعه حصول اضطرابات في مدينة الصدر نفسها اكثر من اي منطقة عراقية اخرى ، ثالثا ، ان التركيبة الاجتماعية للمدينة حيث تتركز فيها العوائل الفقيرة ذات الاصول الجنوبية والتي لاتنتمي الى البرجوازية الشيعية او العوائل الكربلائية والنجفية العريقة ، وحيث تشكل شريحة الشباب محدودي التعليم وممتهني الاعمال الشاقة او العاطلين عن العمل الاغلبية ، وكأي من احياء الفقراء كانت مدينة الصدر ذات سمعة غير مواتية لدى سكان المناطق الارقى في بغداد بوصفها المصدر الرئيسي لاعمال السرقة والتجارة غير المشروعة .
كانت هناك ثلاثة دوافع لتشكل هذه الحركة ، الاول ديني-طقوسي يتمثل بالرمزية التي تحتلها عائلة الصدر وذكرى الصدر الراحل ، والثاني اجتماعي قائم على منزلة العائلة الصدرية كزعامة طبيعية للطبقات الشيعية المحرومة ذات الاصول الجنوبية التي كانت تنظر بشك الى الدولة من جهة والى الحوزات العلمية التقليدية ذات التراث الفارسي والسمة النجفية الكربلائية من جهة اخرى ، وهو امر اقترن ايضا بتنافس تقليدي مع عائلة الحكيم التي فقدت الكثير من النفوذ الداخلي بفعل الاغتيالات التي تعرض لها افرادها من قبل نظام صدام وهجرة قيادتها الطويلة لايران ، والثالث ايديولوجي حيث اتخذت الحركة موقفا اقل مهادنة للامريكيين مستذكرة خطابات محمد صادق الصدر التي كانت تبدأ بعبارات(كلا كلا امريكا ، كلا كلا اسرائيل ) ، كان نموذج حزب الله في لبنان جذابا للشباب الصدري الذي وجد في الوجود الامريكي سببا جيدا لممارسة الكفاحية الثورية فعليا .
كان الصدريون اسلاميون اكثر من كونهم شيعة بمعنى انهم رؤوا في انفسهم مقاتلين في سبيل الاسلام وبالتالي لم ينشغلوا كثيرا بالتفكير بتوازنات القوى والحساب العقلاني للربح والخسارة ، وكان زعيمهم مقتدى خال من اي ادوات غير ترداد ماكان قد سمعه من ابيه من شعارات تستنسخ الى حد ما شعارات الثورة الايرانية ، ارتبط ذلك بحاجة لدى هؤلاء لتأكيد انفسهم ولتقديم تعريفهم للوطنية العراقية الذي لم يروه ممكنا بدون الاصطدام بقوة الاحتلال ، خصوصا ان وعيهم تشكل في ظل البروباغندا القومية والاسلاموية القائمة على شيطنة الاستعمار وعلى كراهية للغرب تمزج البعد الديني بالسياسي . اذن حركة الصدريين كانت تعبر عن الموقف المضاد للوجود الامريكي لكنها لم تكن بافضل حالا من حيث انسجام موقفها مع السردية الشيعية ، فاتباع الصدر عبروا عن كراهية لنظام صدام لكنهم لم يقدموا اجابة واضحة ايضا عما اذا كان يفضلون بقاء صدام على مجئ الامريكيين ، الاكيد انهم تعاملوا مع الواقع القائم ولم ينشغلوا كثيرا بالجواب على هذا السؤال ، بل انهم رفضوا بقوة اعتبار يوم 9 نيسان عيدا وطنيا وكما اقره مجلس الحكم العراقي بوصفه يوم سقوط نظام صدام بل اعتبروه ذكرى اليمة بوصفه يوم احتلال العراق وبذلك انسجموا ، ولو مؤقتا ، مع الموقف السني العام . وسيجري التعبير عن موقف الصدريين بشكل اكثر وضوحا من خلال الصدامات المسلحة مع القوات الامريكية والحكومية التي وصلت احداها الى درجة محاصرة مقتدى الصدر واتباعه المقربون في النجف عام 2004 قبل ان يتدخل السيستاني ويفض الاشتباك عبر وساطته .
الانقسام الشيعي كان ايديولوجيا وطبقيا وجيليا وثقافيا ، وكان له دور في رسم حدود المجتمع السياسي الشيعي بعد الحرب ، ففي الوقت الذي كانت النخبة التقليدية ، بما فيها علمانيين مثل احمد الجلبي ، اكثر طائفية في مواقفها ومتأثرة الى حد كبير بتاريخ التهميش وبضرورة عدم اضاعة "الفرصة التاريخية" التي تلت اسقاط نظام صدام ، كانت النخبة الصدرية اكثر "وطنية" و "عراقية" لكنها ايضا اكثر ثورية وعاطفية وفوضوية الامر الذي اسهم في ارتباكها واستغلالها من قبل جهات عديدة ولمآرب مختلفة ، ولكن غياب القيادة الواعية قد اضعف قدرتها على استثمار وزنها الديموغرافي او تطوير ايديولوجيتها السياسية . غير ان الانقسام داخل الطبقة السياسية والدينية الشيعية ثم داخل المجتمع الشيعي تراجع عندما بدأت الحدود الطائفية ترتسم بشكل اكثر وضوحا وعبر تداخل عوامل داخلية واقليمية ودولية . لقد كانت التفجيرات القاسية والمتكررة التي استهدفت المجتمع الشيعي الفقير والتي ذيلت بتوقيع القاعدة والمنظمات السنية المتطرفة سببا مهما في رسم الحدود الطائفية بوضوح اكبر ، ففي غياب مؤسسات امنية قادرة على حماية المجتمعات المحلية من هكذا هجمات كان على كل منطقة ان توجد ميليشيا خاصة بها يؤلف الشباب العاطل ومحدود التعليم كادرها الاساسي ، وكان الصدريون يشكلون نواة هذه المجموعات التي اخذت غطاءا اوسع عبر اعلان مقتدى الصدر عن تشكيل جيش المهدي الذي اصبح قوة ضاربة والميليشيا الاكثر نفوذا في العاصمة بغداد . وبدأت هذه الميليشيا تشتبك مع بقية الميليشيات السنية وحتى الشيعية كميليشيا بدر التابعة للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية فيما بدا انه صراع على النفوذ داخل المدن ، لكن المعركة الرئيسية ستحصل بعد استهداف مرقد الامام الشيعي علي الهادي في سامراء بهجوم ممن وصفوا بانهم مجموعة سنية متطرفة ، الامر الذي استدرج رد فعل من جيش المهدي ضد المساجد السنية تطور الى مواجهات مع ميليشيا سنية ثم الى شكل من الحرب الاهلية في المناطق التي تختلط او تتجاور فيها المجتمعات الشيعية والسنية وبشكل خاص في العاصمة بغداد . اغلب السياسيين والمحللين يتحفظون على وصف ماحصل بانه حرب اهلية لكن بالاستناد الى التعريفات القانونية للحرب الاهلية والى النتائج التي ادت لمقتل عشرات الالوف بعضهم على الهوية والى تهجير مئات العوائل بل والى احداث تغييرات في التركيبة الديموغرافية لبعض المدن والمناطق ، يمكن القول ان العراق قد شهد اول حرب اهلية بتاريخه الحديث بين الشيعة والسنة عام 2006 .
الى حد اكبر اخذ المجتمع الشيعي يعرف نفسه بالضد من المجتمع السني والعكس صحيح ، وقد عززت الانتخابات عام 2005 شكل الانتخاب الطائفي والحدود بين المجتمعات الطائفية ، الامر الذي كان له اثر ما على سرديات الهوية الوطنية التي مازالت تعيش سيولة واضحة قد تقود الى الانقسام او الى ظهور سردية جديدة . ويمكن القول ان السردية البراغماتية التي مثلتها الاحزاب التقليدية انتصرت عبر قبول الصدريين ان المواجهة الكبرى هي مع السنة لا مع الامريكيين ، ثم دخولهم العملية السياسية والانتخابات . كما يمكن القول ان الواقع على الارض الذي نتج عن الحرب الاهلية لاسيما في بغداد بعد عام 2006 كرس الشيعة كأغلبية ودفع السنة الى التفكير ببدائل اخرى غير المواجهة العسكرية . ربما بهذا المعنى كانت الحرب الاهلية ضرورية لتقدم استفتاءا عن الاوزان الديموغرافية وفرض البحث عن مخارج بديلة غير الصراع المسلح . ترافق ذلك مع نجاح النخبة السياسية الشيعية لاسيما عبر تحالفها مع النخبة الكردية في وضع قواعد لنظام سياسي جديد استوعب المخاوف التاريخية للطرفين فجعل الفيدرالية نظاما سياسيا للحيلولة دون تقوي المركز على الاطراف مجددا ، ووضع سلطات كبيرة بيد البرلمان ، كما انه مثل استجابة للسردية الشيعية-الكردية عن العراق وبشكل عبرت عنه اولا ديباجة الدستور الجديد التي حفلت بالعبارات المقترنة بالسردية الشيعية (مراجعنا العظام ، المقابر الجماعية ، .. ) ، وثانيا عبر الاستفتاء على الدستور الذي صوتت له المحافظات الشيعية والكردية بالقبول الساحق في حين صوتت المحافظات السنية برفضه . بدا النظام الجديد وأانه يعبر عن الانتقام من النخبة السنية التي هيمنت على البلاد ، ويتجاوب مع هواجس الاكراد والشيعة ، لكنه كان يثير مزيدا من الهواجس لدى المجتمع السني الذي اصبح في موضع الدفاع .
في تلك المرحلة كان الشيعة قد تجنبوا اعادة كتابة التاريخ والمجازفة بتهميش انفسهم ، لكن السردية نفسها ستتغذى الان من المخاوف من فقدان الماضي ، حيث باتت النخبة الشيعية تقدم قراءة مفادها ان السلطة اصبحت مكافاة للشيعة على تضحياتهم ونتيجة طبيعية لكونهم يشكلون غالبية السكان ، الا ان الاخطار مازالت قائمة وهناك من يريد ان يعيد الماضي ، ومثل هذه السردية تغذت من استمرار العنف ضد الدولة وضد المدنيين في المناطق الشيعية ، ومن وجود القاعدة بوصفها ممثلة عن "الارهاب العربي التكفيري" الذي لن يرضى بتمكن الشيعة من التحرر ، وان هناك قوى داخلية (تمثل امتدادا للبعث ) وقوى خارجية (تحديدا الدول العربية ) تريد ان تعيد "المعادلة الى الوراء" . هذا الخطاب سواء كان حقيقيا ام موهوما اصبح استراتيجية رئيسية تتبعها النخب السياسية الشيعية للمحافظة على تعبئة المجتمع الشيعي ولضرب التيارات التي تتبنى سرديات بديلة ، هو خطاب انتقل من محاولة تعبئة المجتمع الشيعي ضد الدولة المتسلطة الى تعبئته لمقاومة اي تفكك يصيب وحدة هذا المجتمع في ظل غياب تلك الدولة بل وفي ظل وجود النخب الشيعية على رأس هرم السلطة . لقد اصبحت "القاعدة" و " البعث" مرتكزات رئيسية في خطاب الطبقة السياسية الشيعية الاسلاموية عبره استطاعت خلال السنوات الماضية من ان تقوي قبضتها على السلطات المركزية والمحلية في المدن الشيعية ، وان تسحق اي جماعات متحدية داخل الفضاء الشيعي كما حصل ضد مجموعة تدعى جند السماء التي سحق تمردها بالاسلحة الثقيلة ، كما تمت ملاحقة ومحاصرة الافراد الشيعة ممن كانوا جزءا من تركيبة حزب البعث ، وهناك ايضا نوع من التشديد على التيارات العلمانية والقومية لاسيما تلك التي تشكك بالسردية السائدة في خطاب النخبة السياسية الشيعية .
لقد واجهت تلك النخبة وضعا معقدا تمثل في تقلدها لمراكز السلطة الرئيسية دون ان تكون قادرة على الحكم بسلاسة بسبب التمرد السني المدعوم من بعض دول الجوار غير المطمئنة للهيمنة الشيعية في العراق ، وبسبب الوجود الامريكي الكبير الذي وضع حدودا على استقلالية السلطة وقدرتها على التحرك . بدا واضحا ان ادارة البلاد بدون تهدئة السنة ستكون عملية صعبة ، كما ان تقسيم البلاد لم يحظ باي مقبولية وبدا ان المجتمع الشيعي ينظر بتوجس ورفض لمثل هذا السيناريو كما اوضحت الكيفية التي استقبل بها اقتراح جو بايدن عندما كان عضوا في الكونغرس بتقسيم العراق الى ثلاث مناطق كونفدرالية ، كما ان فشل النخبة الشيعية في احداث تحول نوعي في المدن الشيعية نفسها عبر تطوير الخدمات والبنى التحتية واستيعاب البطالة اخذ يسهم بنوع من التذمر الذي واجهته الطبقة السياسية باستجابات مختلفة كان ابرزها ظهور تيار جديد يمثله رئيس الوزراء المالكي يعمل على اقامة دولة مركزية قوية ويقترب من الخطاب العلماني في بعض مفاصله ، دون ان يفترق عن السردية الشيعية المسيطرة حول الماضي . اننا هنا بصدد ظهور حالة تفرزها البرجوازية الشيعية الجديدة القابلة بالتحالف مع الغرب ، والغير مستندة على منزلة دينية ، والمتشكلة داخل منظومة الدولة والتي يعززها الطابع الريعي للاقتصاد العراقي وتوفر موارد كبيرة متاتية عن تصدير النفط . ان تيار المالكي يقدم الرؤية الاكثر براغماتية داخل الطبقة الشيعية التقليدية ، وهو يحاول ان يستوعب الطبقة الوسطى والمتعلمين ورجال الاعمال موظفا السخط الشعبي تجاه الاسلام السياسي الشيعي بسبب فشله في تحسين الاوضاع وفساده ، والمخاوف من تهميش الشيعة او "عودة البعث" ليقدم طريقا ثالثا سيكون مصيره حاسما في تقرير مستقبل الحراك الشيعي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي حارث
علي المشاط ( 2010 / 10 / 12 - 12:07 )

عزيزي حارث
لقد ابدعت في كلا مقالتيك التحليليتين عن الطائفية في العراق قبل وبعد السقوط
كما ابدع الدكتورعبد الخالق في سرده التاريخي لنشوء الحكم الطائفي في العراق الحديث
ولكنكما أهملتما دور الجيش العراقي كمرتكز أساسي لسيطرة الطائفية وأستمرارها
حيث جاء تاسيسه في 1921 لقمع كل التمردات والانتفاضات الحاصلة في المناطق الشمالية والجنوبية.
ومن ثم جاء التجنيد الاجباري في 1936ليكون ابناء الجنوب هم الحطب الدي يحرق في قمع الحركة الكردية وبعدها كل الحروب الخارجية للنظام الطائفي
وبهدا كان الجيش مرتكز أستمرارية الطائفية وتسلطها وكدلك المحرقة التي تخنق ابناء الأكثرية الشيعية وتكبل حريتها في المطالبة بحقوق المواطنة
ارجو مطالعة مقالنا
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=210300

اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة