الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جندي أمريكي .. جندي عراقي

احمد ثامر جهاد

2004 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في طريق عودتي من زيارة أخيرة إلى بغداد وعلى مشارف مدينة الكوت تحديدا ، توقفت المركبة الصغيرة التي تقلنا جنوبا إلى الناصرية ، عند إحدى نقاط التفتيش . كانت سيطرة مشتركة بين جنود من قوات التحالف وعناصر من الشرطة والجيش العراقي الوليد . بفضول طبيعي أدرت وجهي صوب النافذة لأرى كم من الوقت سنبقى عالقين هنا مع سرب فوضوي من مركبات عدة ، متباينة الألوان والأحجام والمهام . لم اكن متفاجئا وأنا أشاهد جنديا عراقيا هزيل البنية ، وجه اسمر حرقته الشمس ، يعلوه تعب حقيقي ، إرهاق دفين تفضحه العيون الزائغة يمينا وشمالا بحثا عما هو مثير اكثر من بزة جديدة ترهلت على عود جسد مسكين . إلى جوار جندينا المتعب ، ثمة قامة طويلة مشدودة لجندي أشقر ، لم أتبين هويته بالضبط ، بدا بنظارته السوداء متأهبا وهو يتأبط سلاحا حديثا كالذي نراه في أفلام ستالون أو شوازنيغر . ليست المسافة بين صورة هذين الجنديين هي ما شغل تفكيري حينها ، ولا هي مقصد القول هنا ، إنما السؤال الخجول الذي تناهى إلى أسماعي بعد أن أنزلت النافذة قليلا تجنبا لهواء فاسد وحرارة لاسعة أحاطت بنا . كان الجندي العراقي يسأل رفيقه الغربي بكلمات متلعثمة وصوت منخفض :
- مستر هل أفتش هذه السيارة أم …!! ؟؟ لم يكن يقصد سيارتنا بالطبع .
للحظة خاطفة صدمت نظراتي الفضولية نظرات الجندي العراقي الحزينة ، فارتبك أحدنا وشاه ببصره بعيدا صوب ناحية أخرى . بدا لي أن صاحبنا لا يعرف ماذا يفعل هناك وكأنه حشر عنوة ، ليس بسبب صغر سنه أو لاحتمال انه في جولته الأولى ، بل لانه يعرف انه وبقية زملائه لم يكونوا أحرارا فيما يقررون . فثمة رقيب أو شريك أساسي يتولى تحديد ما يجب فعله وكيفية القيام به. تساءلت مع نفسي هل هذا أحد أسباب تردي أوضاعنا الأمنية يا ترى ، طالما إن الأمر ليس بأيدنا تماما ؟
ربما لسنا جاهزين بعد ، أو لسنا مجهزين كفاية أو أننا محدودي الخبرة أو غير مخلصين لوطننا. فكرت بغرابة القول إننا قليلي خبرة ، خاصة ونحن ودعنا للتو اعنف أجهزة أمنية لأبشع دكتاتورية عرفها العالم .
بقدر ما أحزنني منظر هذا الجندي حينما رايته للوهلة الأولى ، شعرت بوخز اشد من الإحباط واليأس الذي سببه هذا المشهد الواقعي اليومي ، أزعجني غياب الحس الأمني المبادر لدى جندينا المحروق دمه - كما يقال - الذي لصرامة ما يتلقاه من زميله الغربي من أوامر ونواهي ، فقد حسه الخاص في تحديد إشارات الخطر الواجب معرفته وتطويقه إذا لزم الأمر . قبل ذلك كنت أحاول الاقتناع بأفضلية تسليم الملف الأمني إلى العراقيين لتدارك تدهور الأوضاع الأمنية في سائر المدن العراقية ، ولكني أيقنت إن الشراكة القائمة في إدارة هذا الملف الشائك والحساس ، رغم أهميتها الراهنة في نواحي تلقي الخبرة والمهارة ، خلقت نوعا من الاتكالية ونزعت – إن لم نقل عرقلت - إلى حد ما روح المبادرة في تقيم الموقف واتخاذ اللازم أمام حالات واوضاع وأحداث مختلفة قد تفوح منها رائحة خطر ما . تصورت أن أداء الجندي العراقي سيكون افضل لو كان مع زملائه العراقيين من دون سلطة أخرى توجه وتحدد وتترك له عملية التنفيذ فقط . هذه حياتنا ونحن اجدر بها .
غادرت مركبتنا الصغيرة من دون أن تخضع للتفتيش ، أغلقتُ النافذة بهدوء ، وأرخيت جسدي على المقعد الساخن ، بقيت أفكر بابتسامة صديقي الجندي وهو يلوح لنا بإشارة المرور دون توقف . سيعود الجندي إلى بيته حتما ، يودع ضجره اليومي ، ويحلم بإمساك سيارة مفخخة ذات يوم ، تحبط المؤامرة الدنيئة وتوفر على العراقيين دما بريئا يسيل هنا وهناك ، بلا رحمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل