الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محطات

نواف خلف السنجاري

2010 / 10 / 12
الادب والفن


أربعون عاما مضت، بفصولها، شهورها، أسابيعها، أيامها، ساعاتها، دقائقها وثوانيها، أربعون دورة دارت الأرض حول الشمس، آلاف الدورات دارت الأرض حول نفسها، ودار حولها القمر... وها نحن ندور معها وتدور معنا ظلالنا البائسة، وصلنا إلى منتصف صحراء أعمارنا القاحلة، ولا زلنا تائهين نبحث عن واحة مفقودة نستريح فيها.
تشققت شفاهنا من العطش، احترقت جلودنا من سياط الشمس اللاهبة، أسمال ممزقة تغطي أجسادنا الهزيلة، وعيوننا كاد أن يعميها الرمد... ولا زلنا ندور...
ذاكرتنا نخرها الدود، أرواحنا تسوّست.. أحلامنا أكلها الصدأ، وها نحن ندور... وندور...
طفولتنا تبكي علينا... فهل هناك شقاء اكبر من رثاء الطفولة؟ آه أيتها الطفولة... أيتها المحطة البعيدة... أيتها المخلوقة الشفافة النقية، كيف تمرغت في مستنقع الفقر؟ وداست فوقك أحذية القدر القذرة! كيف تركناك تستنجدين وتصرخين ورميناك من فوق ظهورنا، لننهب الطريق بأقدامنا، ولم نمن عليك حتى بنظرة وداع قصيرة.
لقد انتزعنا منك القطار المتوحش، وهو يوعدنا بمحطات جميلة، ومدن مدهشة، وسواحل لم تطئها أقدام البشر!! صبانا يلعننا... فهل هناك أقسى من أن يلعننا الصبا؟ آه أيها الصبا.. أيها الفتى الجميل... أيها الحمل الأبيض الوديع، لماذا نهشتك أنياب الضباع الوحشية؟ ولطخت بدمائك الطاهرة ساحات اللعب العذراء! لقد اقتلعتنا الضباع، وحملتنا بين فكيها تسير بنا إلى عالم الدم والصديد! شبابنا يهرب منا... كما تهرب الطريدة من صيادها... فهل هناك حزن يستوعب فرار الشباب؟!
آه أيها الشباب... أيها الفارس الوسيم المدجج بالأحلام... أيها الحقل البكر الذي انتظر المطر طويلا... ولم ينعم بانهمار المطر!!
أيتها المساحات الشاسعة من الفكر كم تمنيت أن تحرثك أياد ماهرة؟ وتحولك إلى حدائق غناء... ولكنك تحجرت ولم تصل إليك يد احد..أيتها الشمعة العملاقة كم اشتقت إلى شعلة صغيرة من نار، لتحترقي وتضيئي الدروب المظلمة، لكن النار أبت أن تقترب منك، فتحولت يوما بعد يوم إلى شمع ذائب، وخيط ذاو لا ينفع إلا لترقيع أثواب المتسولين المهترئة! أو لصنع (مسبحة) تتأرجح بين أصابع العجائز!
نضوجنا يخجل منا... فهل هناك جمرة تحرق أكثر من خجل النضوج؟ آه يا اكتمال نضوجنا... أيتها الأزهار الجميلة التي تشتاق التحول إلى ثمار يانعة... لكن دون جدوى...
أيتها الشجرة الكبيرة... أين جذورك الضاربة والممتدة إلى أعماق الأرض؟؟ ما نفع سيقانك، وأوراقك الطرية وأنت تقبعين وحدك، تتلذذين بأحلام اللقاء مع مجرى النهر.. ذلك النهر الذي جف قبل يصل إلى تخوم بلدتك النائية! لماذا تستمتعين بكسلك، وتتلمظين بخوائك وعقمك؟؟؟ آه يا محطات أعمارنا الحزينة...
أنرثيك نحن؟!
أم أنت ترثينا؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و