الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بَعْدَ ملْحَمَة مَنْجَمِ (تشيلي) مَنْ يُنْقِذنا مِنْ كارثةِ مَنْجَمِِ (المَنْطقة الخضراءْ)؟

أكرم عبدالرزاق المشهداني

2010 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بَعْدَ بَعْدَ ملْحَمَة مَنْجَمِ (تشيلي) مَنْ يُنْقِذنا مِنْ كارثةِ مَنْجَمِِ (المَنْطقة الخضراءْ)؟
انتصار خارق للنبوغ الانساني

تابع العالم بإعجاب وتأثـّر شديدين عملية الإنقاذ الملحمية التي انتهت بنجاح مع خروج آخر العمال الـ33 الذين كانوا محتجزين في منجم تحت الأرض لأكثر من شهرين. الأفراح والاحتفالات عمّت جميع أنحاء تشيلي والناجون تحوّلوا إلى نجوم. الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون أشاد بعملية الانقاذ واصفاًً إيّاها بانّها "انتصار خارق للنبوغ الانساني". لمدة شهرين متتالين استطاعت دولة تشيلي أن تشدّ أنظار العالم إليها، وتابع اكثر من مليار انسان حول العالم عملية انقاذهم التي كلفت نحو عشرين مليون دولار، ولعل العملية في هالتها وتأثيرها تنافس هالة نهائيات كأس العالم أو انتخاب ملكة جمال العالم!.
كان الإنسان هو سيد الموقف، وإحترام آدمية وقيمة الإنسان هو المعنى الأكبر، وكانت الشهادة للإعلام، فثمة ما يدعو الى التأكد أكثر فأكثر من أهمية هذه الصورة المتحولة راهناً في الإعلام نحو تغطية قضايا حقوق الإنسان الفردية وتغطية كل ما يعتقده ويحسّه الإنسان المعاصر اليوم من أوجه التشابه أو التماثل بالحالات العامة. التكنولوجيا المتقدمة التي جلبتها الحكومة التشيلية إلى مكان الإنقاذ، والأداء الهارموني الرائع للدولة والرئيس والحكومة والشعب، جعل تشيلي تترك مكانها بين الدول المتخلفة لتنضوي في ركاب الدول الصناعية المتقدمة.
يوم 5/8/2010 كان يوماً كارثيا لمجموعة من عمال المناجم عندما إنهارت مسالك المنجم المستخدمة في الدخول والخروج، 33 عائلة سمعت بالخبر وعلمت بأن ذويهم قد علقوا تحت الارض بـ (700 م)، إنهاروا وتحطمت آمالهم أطفال يبكون آبائهم ونساء يصرخن أزواجهن، وأمهات رفعن أيديهن طلبا للعون من ربّ السماء لإنقاذ هؤلاء العمال والذين بعمل سواعدهم تبنى أممهم.
33 روحاً جمعت شعب تشيلي بكل طوائفه وقومياته وألوانه، ومن ورائهم العالم كله، وكانت أكبر عملية دراماتيكية في التاريخ الحاضر، هذه الحادثة جعلت من الشعب التشيلي بكل مكوناته متكاتفاً مع حكومته وكان الرئيس حاضراً متواجدا بالموقع ليس ببدلة الرئيس بل ببدلة العمال وعاش مع الحضور عملية الانقاذ لحظة بلحظة ومعه زوجته، تناسى الشعب خصوماته ومواقفه تجاه الحكومة والدولة، في تلاحم مصيري صنعته المحنة، ولم تصنعه السياسة ولا حبائل السياسيين، تصرّف الرئيس التشيلي بحكمة وعقل وأمر بأن لاتدخر الدولة جهداً إلا ويبذل من أجل إنقاذ (33) عاملا بسيطا من عمال المناجم، بغض النظر عن مهنتهم أو عملهم أو بساطتهم، فالعظمة هي لقيمة (الإنسان)، وخاطب الشعب ودول العالم كلها بأن يسعوا لمساعدة تشيلي لإنقاذ هذه الارواح التي تعمل من أجل تقدم الانسانية. وبالرغم من أنّ عملية الإنقاذ استمرت يومين طويلين الا انها لم تكن هي مدة الإنقاذ، وإنما سبقتها فترة من التحضير والعمل الشاق من اجل الإعداد لأصعب عملية إنقاذ في العالم واشهرها، وسجلت فيها حكومة تشيلي أوسع جولة من الاتصالات في العالم امتدت شرقا وغربا، واتسعت حتى وصلت إلى خبراء البحر والجو ووكالة الفضاء ناسا، من اجل الوصول الآمن إلى المواطن التشيلي المحتجز في قعر الأرض، ودرست فيها عمليات الانتشال بدقة ، ولم تغفل دولة تشيلي حتى عن تزويد الكبسولة بكل وسائل الرفاه والأمان حفاظا على مواطنيها، وصرفت من اجل ذلك الأموال الطائلة، فقد كانت حياة هؤلاء العمال بالنسبة للرئيس التشيلي وكأنها مسألة حياة أو موت بالنسبة له ولحكومته، وكان له ماأراد، وتم الإنقاذ، وفرح الشعب التشيلي بإنقاذ مواطنيه، ومعهم فرح العالم اجمع بذلك الفرح.

الإعلام.. البطل الآخر!

كلنا أو معظمنا تسمّرنا أمام سحر الإعلام وهو ينقل عملية إنقاذ العمال الـ33 وكيف تم سحبهم واحدا تلو الآخرً لمسافة (700م)، من دون أن يتقاتلوا فيما بينهم من سيكون الأول وكان آخر المغادرين رئيس المجموعة في العمل وعملية الانقاذ طالت 33 ساعة لكون مسافة السبعمائة متر احتاجت الى ساعة واحدة كاملة للمضي من خلالها بواسطة الكبسولة المنقذة لشخص واحد في كل مرة. إنتهت عملية الانقاذ والثلاثة والثلاثين عامل والذين عاشوا 70 يوما تحت الارض خرجوا احياء.. هذا هو الإنسان.. يبقى ذلك الضمير المؤسسي. وهذه هي رسالة الإعلام. فعالم من دون إعلام لا يساوي شيئاً، وعالم من دون إنسان لا يساوي شيئاً. هذا ما هو العالم عليه اليوم، أما نحن فآخر ما نعترف به (قيمة الإنسان)، في أجواء محمومة مليئة بدخان الحروب والصراعات التافهة، والتناحر على السلطة، والعبث السياسي، والمجون الحزبي.
البطل الحقيقي الآخر في عملية تشيلي هو "الإعلام"، الذي جعل ملياراً من البشر يتسمرون أمام شاشات الإعلام يتابعون المعجزة الإنسانية الجديدة بكل أبعادها ونتفاصيلها ومعانيها، وأثبت أن العالم تحوّل فعلاً الى قرية صغيرة، رغم أن هناك من لا زال لا يفهم جوهر رسالة الإعلام، وإمتداد رسالته لتطال قضايا تمس حقوق الإنسان بالحياة والحرية أكثر فأكثر وخارج إطار الوحدات الجغرافية والسياسية في العالم كله. كان التميز الواضح لفن الإخراج الإعلامي الرائع والجميل، وإثبات حقيقة أن لا معنى لشيء في الإعلام خارج إطار تلك الملحمة الوجودية والكرامة الإنسانية.

من ينقذ المقهورين من منجم القهر؟
من حق المواطن سواء في العراق أم في بلاد العروبة أن يتساءل: لماذا تكون للانسان هذه القيمة كلها في كل مكان إلا في الدول العربية؟ تشيلي ليست الولايات المتحدة ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا ألمانيا ولا اليابان، انها دولة من دول العالم الثالث، أي انها مثلنا، لكنها تتقدم علينا بعشرات السنين باتباعها طريق الديمقراطية الحقيقية القائمة على إحترام قيمة الإنسان!.. فنحن مازلنا في نفق عميق محجوزون بلا إنقاذ، ولا أحد يعمل لإخراجنا من هذا النفق الهالك، وحقوقنا تضيع وسرداب الذل والقهر يتسع، وبتنا بحاجة إلى (معجزة إلهية) ليست من صنع البشر!!هذا ما نحن عليه في العراق خاصة، والمنطقة عامة، فياترى من ينقذنا نحن العراقيين ونحن العرب من جحيم منجم السياسة الرعناء، التي لاتعترف بحق للإنسان قدر إعترافها بمصالح الكبار النافذين، وأساطين السلطة، وقادة ميليشيات الموت، وليذهب الوطن والشعب إلى الجحيم!
عيني وعقلي وقلبي صوب منجم تشيلي وشعب تشيلي وحكومة تشيلي وأسأل الله أن يأتينا نحن العراقيين في صباح يوم قادم بثلاثة وثلاثين ملائكة تساعدنا لنستنسخ روعة تشيلي وأهلها ويرفع الشعب العراقي أجمعه أياديه نحو السماء سائلين الله وموحدين السؤال أن يرفع الغمة عن هذا البلد، وعن هذه الأمة. فما يجري اليوم على أرض الرافدين من جانب القوى السياسية المتصارعة على الكرسي الأول والتي سمحت وتسمح لنفسها بممارسة كافة الأساليب، الأخلاقية واللاأخلاقية، لتحقيق غاياتها الذاتية. فرفاق الأمس القريب فيما تسمى بالمعارضة، الذين كانوا متجمعين في المنافى لمقارعة النظام الدكتاتوري كما يدّعون، باتوا اليوم أكثر دكتاتورية ودموية وعنفاً، يخوضون اليوم حرباً سياسية وإعلامية لا هوادة فيها والضحية الدائم هو الشعب.
أعتقد أن المواطن العربي فقط، والعراقي بالذات، من دون شعوب الأرض، بقي حزينا أمام تلك الصور الإنسانية الخالدة لصور الإنقاذ، لإن صورة النفق المظلم الذي أدخل فيه أهل العراق، ونساء العراق، وأطفال العراق، وأيتام العراق وأرامله، وشهداؤه، ومظلوميه، وصورة أطنان المتفجرات التي تسهم كل يوم في قتل من بقي من أهل العراق، صور لاعلاقة لها أبدا بمن حوصر بأنفاق المنجم المنهار في تشيلي ولكنها كانت صورا لم تغب أبدا عن ناظر المواطن العراقي، الذي تذكّر من خلال صور تشيلي صورة الحاكم التشيلي الذي لم ينم من أجل إنقاذ المحتجزين تحت عمق مئات الأمتار، وقارنها بصورة من يحكمه اليوم ومن يتحكم بأمره اليوم، من قادة أحزاب وميليشيات وكتل لايهمهم من أمر الشعب شيئاً، تسري بينهم قوانين الغاب رغم إدعائهم حكم القانون ودولة القانون، ويتخذون لأحزابهم أسماء ديمقراطية وتحررية، ويتمشدقون بحقوق الإنسان!! لكنه يفترس شعبه المحكوم بقوانين الاستعباد المتعددة الأسماء.
يا ترى بَعْدَ نجاح ملْحَمَة مَنْجَمِ (تشيلي).. نتسائل مَنْ سيُنْقِذنا مِنْ كارثةِ مَنْجَمِِ (المَنْطقة الخضراءْ)؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح