الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليوم دور الميه

محمود المصلح

2010 / 10 / 21
حقوق الانسان




نحن كعرب ، من أصول بدوية على الأعم الأغلب ، ومن صحراء لا ماء ولا عشب فيها ، تسكننا فكرة الموت عطشا ، حتى لو كنا على ضفاف النيل ودجلة والفرات والعاصي والأردن ، وهي انهار كبيرة ، لن يعطش أهلها كما لم يعطش على مر التاريخ من هذه الضفاف وتلك الأحواض .. كما لم يجوع أيضا ، أما كيف نموت عطشا هذه الأيام وكيف نموت جوعا فتلك قصة أخرى ، ربما شرحها يطول ...

ولكن الشاهد في الموضوع ونحن نجتر وجع الصحراء يوميا ، يخاطبني أكثر من صديق ، كما افعل أنا عادة في يوم محدد ، يهاتفني معتذرا عن الحضور لاجتماع نادي القصة أو نادي السينما ، او يعتذر عن حضور أمسية ثقافية أو موعد ما متذرعا بأكبر سبب ممكن أن يعذر عليه ألا وهو أن اليوم دور حيهم في الماء .

لذا فعليه أن يقف من الساعة الثانية عشر ليلا إلى صباح اليوم التالي ليطمئن على انه لن يموت عطشا خلال الأسبوع القادم .. فالسلطة تفتح الماء على الحي ست أو ثمان ساعات فقط في اليوم ، فمن استغل الفرصة وأحسن استخدام الأدوات المساعدة كلها من ماتور ضخ الماء ليمنع عن جاره الضخ ، ومن استخدم البربيش ليسحب من الأرض إلى السطح ، ومن تفقد الخزانات العلوية والأرضية وتابع كل ذلك باهتمام .. لن يموت عطشا ..

ترى الناس والجيران جميعهم في حالة من التأهب قبيل الوقت المحدد ، يسحبون ماء الخزان الأرضي بالموتور إلى الخزان العلوي ، حيث أن ضخ الماء ضعيف ولا يمكن أن يصل إلى الطابق الثالث فما بالك بالرابع والخامس وما هو أكثر من ذلك ، فيعمد الناس إلى بناء خزانات أرضية ، لتصب فيها الماء ومن ثم يتم سحبها إلى الأعلى كهربائيا ، لتضاف قيمة إضافية إلى فاتورة الماء وهي استهلاك الكهرباء ..
ترى الحركة والتفاعل بين الناس فوق السطوح :
يسأل احدهم :
أجت ( ويقصد هل وصلت الماء)
فيرد الآخر : لسه ( بمعنى لا ) .
ثم فجأة تسمع صوت هدير الماء في الخزانات الأرضية ، فيسري الخبر بين الحارة أن الماء ( أجت أي وصلت ) فيهرع الناس إلى الأسطح والخزانات ، وترى النساء سحبت البرابيش ، واشتغلت الماء ، من غسل وكنس ومسح وشطف ، بينما يكون الرجال يتبادلون أطراف الحديث ، ليستمعوا إلى مشادة كلامية بين جارين او جارتين .. لأنها شغلت الماتور قبل الساعة مما أضعف الماء عليها .. ربما تتطور المشادة إلى مشاجرة .. وهذا غالبا ما يحدث ..

في هذه الأثناء ترى الماء اخذ يسيل في الشوارع .. وبعض الأولاد يلعبون فيها كأنها نهر أو سيل صغير ...

وبعض الآباء يستغلون الفرصة لغسيل السيارة بالبربيش ، في إشارة إلى عدم انتباههم إلى تعليمات السلطة في ترشيد الاستهلاك واستخدام الدلو بغسيل السيارة بدل البربيش .

ويبقى الحي أو الحارة في سهر إلى طلوع الفجر ، وما أن تبزغ الشمس حتى ترى حبال الغسيل ، والسجاد ، والموكيت على الأسطح ، يعلن انتهاء حملة نظافة كانت في الليل ، ليذهب الموظفون إلى أعمالهم وهم في خدر ، وكسل ونعاس شديد من اثر مجهود ليلة الأمس .
يحضرني بيت الشعر الذي يصف حالنا ونحن نعاني من نقص الماء :

كالجمال يقتلها العطش والماء على ظهورها محمول








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لازاريني: المجاعة -تحكم قبضتها- على قطاع غزة • فرانس 24


.. مجازر وجرائم مستمرة وتفاقم الوضع الإنساني في غزة




.. «أكسيوس»: عباس يرفض التراجع عن التصويت على عضوية كاملة لفلسط


.. الأمم المتحدة: المجاعة التي يواجهها شمال غزة معقدة جدا




.. حملة اعتقالات في إيران لمنتقدي الهجوم على إسرائيل.. ما الاته