الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في -مثلث العشق- لشريف صالح

عباس منصور

2010 / 10 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قراءة في "مثلث العشق" لشريف صالح
ـــــــــــــــــــــ
.. وذلك اضعف الإيمان.. أيها العارف
يخسر كثيرا من لا يطالع "مثلث العشق" ل شريف صالح، أقول يطالع على الأقل، لا أن يقرأ، وذلك لسببين:الأول أنه لن يطلع على الامتداد الأخير للتطور الحقيقي لفن القصة القصيرة في مصر، والثاني أنه سيخسر متعة ووعياً جديرين بالمعايشة.
وفن القصة القصيرة في مصر ربما لم يشهد نقلة نوعية وتجاوزاً في المعايير الجمالية والمضمون المعرفي من بعد يحيى الطاهر عبد الله اللهم بعض الإرهاصات الجادة والناضجة لدى كل من عبده جبير ومنتصر القفاش، وهكذا فإن للقصة القصيرة في مصر علاقات ومحطات يمكن اختزالها بداية من تيمور ثم نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومن بعدهما يحيى الطاهر ثم عبده جبير ومنتصر القفاش وينضم إليهم في الامتداد الحقيقي شريف صالح في هذه المجموعة الصادرة عن "دار العين" في إحدى عشرة قصة تتناول قضية الوجود الأزلية وشواديف الصراع الأبدي بين الغريزة والتاريخ.. بين الجنس الذي هو ذروة الغريزة وبين الدين الذي هو ذروة الخبرة التاريخية، الغريزة في ذلك الانجذاب الغامض بين الرجل والمرأة، والتاريخ في بعديه التشريعي والأخلاقي بما يتضمنه الدين من محاذير وقواعد تأبدت أكثر ما يكون في قصتي "المغني العاطفي" و"خطيئة الكعب" في شكل صراع أحياناً أو تحت أفق تصالحي أحياناً أخرى.
يقول شريف على لسان بطل قصته "خطيئة الكعب":"غمست كعبها كله داخل الكأس ثم رحت أشرف قطرات الخمر المسالة فوقه وأعض بقوة متوقعاً أنها ستتألم، أدغدغ بأسناني اللحم اللدن وألعق بلساني وردتين بمذاق الخمر. تصورت أنها غفت على الدغدغة الخفيفة والموسيقى. بينما كان تمثال السيدة العذراء يطل لعينا ويشع باللطف والمحبة وابتسامة مباركة".
هذا مع العلم أن بطل القصة اسمه "علي" وهو غير متدين والبطلة مسيحية تعيش أجواء دروس الآحاد في الكنيسة وتتطلع إلى التخلص من شهوات الدنيا سمواً نحو ملكوت السماء إلا أنها تستجيب لرغبات "علي" في لعق كعبيها.. "علي" هذا البطل الذي كان معتزلاً للحياة قانعاً بضعفه وعزلته بين الكتب التي يعمل بينها كأمين لإحدى المكتبات، زاهداً في تحريض أمه التي تزوجت أربع مرات إحداها من أبي علي الذي وصفته بالبغل.. إلا أن تحريض الحياة الذي استشعره في كعب الفتاة العانس كان أقوى فجذبه إلى بحر الحياة ودفعه للتمرد على حياته وعمله الروتيني العقيم.. ففي هذه القصة نتابع الصراع والصدام والجدل بين المقدس الديني الذي هو ذروة التاريخ في مواجهة ذروة الغريزة الذي هو الجنس وكيف يتصالح الاثنان في صيغة من رؤية الكاتب ووعيه بالغايات من الصراع بين الغريزة والتاريخ.
والكاتب ومنذ البداية حريص على صياغة رؤيته للوجود حيث الأنثى هي الأصل.. هي الحركة والحياة والتمرد والتغير.. هي كل هذه الحياة التي لا يستطيع الرجل مجاراتها فلا يكون أمامه سوى الاستعانة بالتاريخ.. بالدين.. لقمع حركة الأنثى والسيطرة عليها، مرة بالحجاب كما في "شعرها الغجري تتطاير منه الحجارة" تلك القصة البديعة التي تتسع أكثر ما يكون لرؤية الكاتب عن المرأة.. عن الأنثى.. عن الخصوبة حيث الطبيعة أنثى، والأشجار أنثى، والعاصفة والنخيل وكذلك الزوجات من الإناث. فماذا يفعل الرجال إذاً؟
يحاول الرجال قمع تلك الحيوية والاندفاع بالقمع والحبس كما في "جر الخيط" أو بتقديمها فريسة أو وليمة لجموع الجائعين والمحرومين من فردوس الغريزة كما في "مينادا".. حيث الأنثى في نهر الحياة والطهارة وكل الجوعى والمحرومين من ذئاب البشر في إثرها.. وهي تعلم ذلك!! ففي هذه القصة لابد أن تسأل: ماذا يفعل الرجال هنا؟ إنهم تاريخ يتواطأ على الغريزة، فالبطل "كريم" يدعو أصدقاءه على وليمة هي "جسد مينادا" ولا يكتفي بذلك بل يرشد إليها الشرطة وهي تسبح في النهر عارية!!
والجسد الذي هو ملكوت الغريزة، يمتلك مفاتيح الخريطة السرية لعالم اللذة الجنسية، والتحرر من صراع التاريخ ووجع المقدس.. هذا الجسد يتحول إلى إيقاع جمالي يصرفك عن متابعة الكوابيس والأجواء المرعبة التي يتعمد الكاتب صياغتها كما في "سيدة الدانوب الأزرق" أو "متاهة الثيران" تلك القصة الوحيدة التي خلت من حضور حقيقي للأنثى بينما اكتفت باستدعائها في أجواء كابوسية كما في "المغني العاطفي" حيث تواصلت الأجواء الكابوسية واختلط الواقع الحسي بالمتخيل العصابي.. الذهني.. الرهابي.. إنها فوبيا الاحتفاء بالجنس المضطهد تحت ضغط الدين والمجتمع.. ففي هذه القصة "المغني العاطفي" حيث تعمد الكاتب أن يشير إلى اصطناعه ألقاباً وهمية لشخصياته ريثما يتوصل إلى أسماء أصحابها، في هذه القصة تتحول الرتابة والعادة والتكرار الخارجي الحادث يومياً.. تتحول إلى إيقاع يصطاد التصادم بين الغريزة والدين.. بين "مسرور" الذي يجلد الناس في الميدان لأنهم يرقصون أو يقبلون بعضهم بعضاً وذلك بأوامر من القائد الشرعي.. هنا أجواء كابوسية واختلاط بين الحادث والمتخيل بينما تترنح الغريزة والجنس يرفرفان كذبيحة على قارعة التاريخ!! ففي هذا الكابوس تقمع النساء، ويتحدى القبح كل محاولات الجمال، وسيطرة تامة من الدين والتاريخ على الغريزة.. على الحركة.. على الحيوية.. على الجمال!! وقد حدث هذا في قصة أخرى بطريقة أخرى هي "شاب هندي وفتاة صينية" حيث الأنثى التي تجيد صياغة الحياة وصناعتها مدججة بالحيل والخبرات في صناعة الحياة وتبادل الأدوار.
كل هذه الرؤية والمعرفة والمغامرة في صياغتها فناً لم تفقد القص متعة المتابعة والتشويق بل لم أمنع نفسي من الضحك مع التهكمات العابرة العميقة التي يجيد الكاتب التقاطها.. فهذا رجل عجوز يراود الزوجة المنقبة المنتظرة لزوجها عند مطعم "شرمبي" عندما هبت العاصفة، يقول الكاتب واصفاً الزوجة:" مازالت جالسة وراء الزجاج والكهل يواسيه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه"!
وهكذا يتخذ الكاتب من "اللسان" وسيطاً في إثارة الغريزة مثلما اتخذه الدين والتاريخ وسيطاً في إحداث الانقلابات والتغيير: فمن لم يستطع فبلسانه.. وذلك أضعف الإيمان.. يا أيها العارف!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار