الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاجعة -سيدة النجاة- إختبار فاشل لقدرات معالجة الأزمات الإرهابية

أكرم عبدالرزاق المشهداني

2010 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


فاجعة "سيدة النجاة" إختبار فاشل لقدرات معالجة الأزمات الإرهابية
د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
خبير بالشؤون الأمنية والقانونية

قبل بضعة شهور وجهت لي جامعة نايف للعلوم الأمنية والتدريب بالرياض دعوة لإلقاء محاضرة تحت عنوان ((سبل تعزيز القدرات الوقائية للأجهزة الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب)) ضمن ندوة علمية أقامتها الجامعة وحضرها جمع كبير من ضباط الشرطة وخبراء الأمن من مختلف الأقطار العربية، علماً أنّ المحاضرة متوفرة على موقع الجامعة الألكتروني فضلا عن صدورها بكتاب من إصدارات الجامعة المذكورة.
لقد جعلتني فاجعة كارثة كنيسة سيدة النجاة في بغداد مؤخرا وسقوط هذا العدد الهائل من الضحايا الأبرياء، استذكر تلك الندوة وتلك المحاضرة وما تضمنته من منطلقات ومبادئ وأسس وتحديد لأدوار أجهزة الأمن في العمل الوقائي الإستباقي، حيث لا يجوز أن تبقى إجراءات الشرطة عبارة عن (رد فعل لاحق) للجريمة وليست (استباقاً) لوقوع الحدث الأمني أو الإرهابي، وهو بالنسبة لقضايا الإرهاب، حدث (كارثي) بكل معناه إن كانت فاعلية قوى الأمن متخلفة أو عديمة الجدوى أو غير متوازنة وهذا هو وصف ما حدث في كنيسة سيدة النجاة.
إبتداء أقول إن استهداف المكون المسيحي العراقي من قبل أي كان من المجرمين الذين يسرحون ويمرحون اليوم تحت مختلف العناوين، مستغلين حالة الفوضى والإنفلات الأمني، هو عمل إجرامي جبان، وتتحمل الدولة وأجهزتها مسؤولية حماية المسيحيين ودور عبادتهم خاصة وأن هذه الجريمة لم تكن الأولى، ومثلما يتراءى للباحث من مجريات الأحداث والتوقعات فإنها لن تكون الأخيرة في مسلسل الإرهاب الطائش الذي يستثمر تخبط وتخلف إجراءات الأمن في البلاد بشكل فوضوي وعبثي. وكان للاخفاق الامني الأخير أو (الفضيحة) صدى كبير ووقع شديد لا في العراق حسب بل في مختلف أنحاء العالم.
يفترض بأي جهاز عسكري أو أمني أن يتحرك وفق خطط معدة مسبقا، ولابد هناك من خطط أمنية لمواجهة جميع إحتمالات الموقف والأزمة الأمنية، وقد شهدنا خلال العقدين الأخيرين حوادث إرهابية كبرى سواء حوادث خطف طائرات أو خطف سفن، أو إحتجاز رهائن، ومنها حادث مسرح موسكو الشهير، واحتجاز اطفال مدرسة في كروزني الروسية، وحادث بومباي وغيرها من الوقائع الإرهابية التي تدخلت فيها الفرق المتخصصة بمكافحة الإرهاب بشكل متوازن ومدروس. وشاهدنا كيف تتصرف أجهزة الأمن وتحديدا القوات الخاصة المدربة لقضايا الارهاب، من أجل تقليل مساحة المخاطر التي يتعرض لها الرهائن الأبرياء من المدنيين.
ويحضر في ذاكرتي أحد الأعمال الإرهابية التي شهدتها مدينة بغداد في عام 1993 وكنت وقتها مديرا لشرطة بغداد، وجاءنا خبر عاجل بأنّ شابا سعوديا يحتجز عددا من الرهائن في فندق كبير يقع على شارع أبي نؤاس ويهدد بقتلهم واحداً واحداً، وأنه بدأ يطلق العيارات النارية من رشاشة كلاشنكوف يحملها بين آونة وأخرى، وتحركت الفرق المدربة للإقتحام وقوات التدخل السريع الموجودة لدى الأجهزة الأمنية آنذاك، وكان مطلب الشخص المحتجز للرهائن هو أن يحضر رئيس الدولة شخصيا إليه للاستماع إلى مطاليبه وتنفيذها، وقد حضر محل الحادث محافظ بغداد وقتها وهو في الحقيقة رجل يتسم بالحكمة والعقل، فمنع قوات الاقتحام ومكافحة الارهاب من التقدم، ثم وضعنا خطة مشتركة بأن يتم إفهام القائم باحتجاز الرهائن بأن مسؤولا كبيرا من الرئاسة موفدا من رئيس الدولة في طريقه للحضور واستصحابك الى رئيس الدولة لمقابلته، تحركت سيارة المحافظ السوداء من طراز مارسيدس بملابسه الزيتوني، ونزل منها في باب صالة الفندق وكان المحتجز يراقب ونزل المحافظ وتوجه اليه بهدوء طالبا من ان يركب معه في السيارة لإيصاله إلى القصر الجمهوري، ومن حسن الحظ ان هذا الشاب لم يكن يعرف المحافظ من قبل فظن انه فعلا مبعوث خاص من رئيس الدولة جاء ليأخذه إليه، وفعلا إنصاع الرجل للطلب وركب مع المحافظ وتمكنا من إطلاق سراح الرهائن وعددهم بحدود العشرين رهينة، دون إطلاق طلقة واحدة، ودون أية خسائر في الأرواح..وتلك واحدة من إجراءات معالجة الأزمات الأمنية بالحكمة والتصرف العقلاني، فلو تم السماح لفرق الاقتحام وفض الشغب وتحرير الرهائن بالقوة المسلحة لحصلت كارثة ولوقع ضحايا كثيرون لا موجب لذلك. وكلنا يتذكر كيف ان الشرطة او بالأحرى فرق مكافحة الارهاب في عملية مسرح موسكو استخدمت غازا للتخدير من نوع خاص أدى لتخدير الحاجزين المحتجزين، وكان يجب على أجهزتنا الأمنية أن تعرف كيفية استخدام هذه التقنية أو تمتلكها أساسا، ولكن للاسف فالذي يبدو لي أنه لا وجود لفرق مدربة خصيصا على الاقتحام ومعالجة قضايا الارهاب واحتجاز الرهائن وكيفية تحرير المعتقلين، ولا وجود لأجهزة ومعدات للاقتحام الآمن لحوادث احتجاز الرهائن.
إن هناك ملاحظات كثيرة على أداء وتركيبة الأجهزة العسكرية المخصصة للتدخل في القضايا الأمنية لا تأخذ في الأعتبار الفرق بين العملية العسكرية والعملية الأمنية، فضلا عن مستوى الأداء والخروقات الحاصلة في عموم الأجهزة الأمنية والعسكرية، وضياع الخبرات والكفاءات، وعدم أتباع أسلوب غرف العمليات والفرق المتخصصة وإيلاء موضوع التدريب الاهتمام الكافي. وهذه الجريمة النكراء ما كانت لتحصل لولا الخروقات الأمنية والثغرات الحاصلة في الأداء الأمني والعسكري والتداخل بين ما هو عسكري وبين ما هو أمني، ومعروف أن أساس عقيدة العسكري هي إرم لتقتل ""Shoot to Killفي حين أن عقيدة رجل الأمن هي "إرم لتقبض على المجرم" ... ولهذا السبب فإن إشراك قوات من وزارة الدفاع في عملية تحرير رهائن حادث إرهابي هو خطأ جسيم ولا يغتفر.
إن تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب يعتمد بالأساس على العمل الإستخباري والمعلوماتي، وعلى استباق الحدث وتوقع الحدث قبل وقوعه، واعتماد المعلومات الاستخبارية عن انشطة وتحركات العناصر المتوقع تورطها باعمال ارهابية فضلا عن تعزيز اجراءات الحماية والاعمال الوقائية عموما.
إن تشكيل اللجان التحقيقية، والبيانات الفارغة عن التعليلات الواهية لتبرير الاخطاء القاتلة للاجهزة العسكرية والامنية لايخدم أمن العراق ولا يكسب رضا وثقة المواطن، بل على العكس اصبحت هذه الواقعة الأليمة موضع التدر والتهكم والألم والحزن والاستغراب من سذاجة الإجراءات الأمنية والعسكرية في مواجهة حدث إرهابي مثل حادث اقتحام الكنيسة واحتجاز الرهائن داخلها. ولو كانت قوات الاقتحام قد تمكنت فعلا من القبض على المجرمين وتحرير الرهائن بأقل عدد ممكن من الخسائر في الأرواح لكان لنا وللشارع وللمواطن حديث آخر، فنحن لسنا أعداء لأجهزتنا الامنية التي نفخر بانتسابنا اليها في مراحل سابقة من شبابنا امضينا فيها زهرة العمر، واستطعنا أن نخرج اجيالا من الكفاءات العراقية النادرة التي يشار لها اليوم بالبنان والمتوزعة على عدد من الاقطار العربية بعد ان لاقت العنت والاضطهاد في موطنها الحبيب (العراق) لابفعل الظروف الاستثنائية وصعود عناصر انتهازية لاتتسم بالكفاءة ولا المقدرة ولا الحرص، وكانت النتائج هي ما شهدناه في مهزلة فادجعة كنيسة سيدة النجاة مؤخرا آلمتنا وجرحت قلوبنا ألما وكمدا على الارواح الطاهرة البريئة التي خسرناها في عملية غير موزونة وغير كمدروسة وتنم عن تردي في التأهيل الأمني لمن يتولون أعمال مكافحة الارهاب وقمع الجرائم الارهابية اليوم.

في الوقت الذي نعبر فيه عن شديد ألمنا واستنكارنا وشجبنا لمثل هذه الاعمال الاجرامية فإننا نعبر عن استغرابنا لموقف (3) وزارات امنية معنية بامن البلاد، ونشعر بالاحباط ازاء قواتنا الأمنية والمسلحة في العراق , ووزارة الدفاع ودائرة الاستخبارات العسكرية التي بين حين وآخر تشهد هذه الكوارث المحيقة بالعراقيين لتخرج علينا من بعد ببيانات وتعليلات ومبررات واهية , تتحول في اليوم التالي الى موضوعات تهكم في الشارع العراقي. اذ كيف يعقل ما جرى في هذه الكنيسة، وكيف سمحت اجهزتنا الامنية والعسكرية أن تتجول هذه السيارات المعبأة بالموت والارهاب في شوارع بغداد لتقف امام اي بناية تختارها وتقوم باعمالها الاجرامية في وضح النهار؟ والادهى والامر وكما قيل ان مسؤولا أمنيا وعسكريا صرّح بأن هناك معلومات عن وقوع مثل هذه الاعمال؟؟ فما هي التحوطات اللازمة التي قامت بها الوزارات الأربعة لوقاية ما هو اكثر احتمالا للاستهداف ومن خلال الخبرات الماضية؟. وكيف يمكن تبرير ماحصل من رمي عشوائي تسبب في مقتل عدد كبير جدا من الابرياء؟ اين الحراسات المشددة التي يفترض ان تكون مسؤولة عن حراسة الكنائس بعد ان علم كل واحد في العراق ومن خلال عمليات سابقة ان الكنائس مستهدفة ومهددة علنا من قبل القاعدة؟. اين هي ترجمات التصريحات الرسمية العسكرية الاعلامية اليومية التي تشيد بقدرات قواتنا الأمنية والعسكرية على التصدي للارهاب وعدم الحاجة الى القوات الامريكية؟. والى متى سيبقى العراقيون رهائن المزايدات السياسية والاعلامية ومن يقول الحقيقة ومتى؟. نسأل الله الرحمة لشهداء كنيسة سيدة النجاة وللجرحى الشفاء العاجل.. وعسى أن تتعلم أجهزتنا الأمنية والعسكرية من أخطائها الكارثية وتوقف مهزلة رد الفعل التخبطي الفوضوي غير المدروس؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يواجه محاكمة جنائية بقضية شراء الصمت| #أميركا_اليوم


.. القناة 12 الإسرائيلية: القيادة السياسية والأمنية قررت الرد ب




.. رئيس الوزراء العراقي: نحث على الالتزام بالقوانين الدولية الت


.. شركات طيران عالمية تلغي رحلاتها أو تغير مسارها بسبب التوتر ب




.. تحقيق باحتمالية معرفة طاقم سفينة دالي بعطل فيها والتغاضي عنه