الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور قاسم حسين وشخصية العراقي الضائعة بين علم النفس والتاريخ !

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

2010 / 11 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تتوالى المصائب فوق رؤوس العراقيين من كل حدب وصوب ، ومن كل شكل ولون ، ومن القريب والبعيد ، وأصبحوا مثل الأسد عندما يقع تكثر سكاكينه ، فوصل الحال أن نسمع من يردد :(إحنه العراقيين متصيرلنه جاره) . وعلى هذا الإيقاع جاءت مقالة الأستاذ قاسم حسين صالح – هل ورث العراقيون نزعة الخلاف من أسلافهم - والمنشورة في الحوار المتمدن بتاريخ 8 /11/2010 .
فالدكتور قاسم ، وهو رئيس الجمعية النفسية العراقية ، يبدأ بعبارات يطرحها كحقائق مفروغ منها ، فيكتب :
1- (( لماذا ينفرد العراقيون عن باقي الشعوب بالميل إلى الخلاف والبعد عن الاتفاق فيما بينهم ، حتى في القضايا التي تهدد حياتهم بالخطر ... ))
هكذا منذ بداية المقال يرمي علينا د. قاسم هذا ، المَيل والإنفراد به ، كحقيقة علمية وعلينا أن نسلم بها ، دون أن يكلف نفسه – كباحث- السؤال : ألا توجد هناك شعوب أخرى مجاورة أو بعيدة عن العراق ، مرت وتمر بظروف مشابهة وتعرضت ، بسبب أو آخر ، للتشرذم والتمزق والاختلاف ، كالفلسطينيين واللبنانيين والصوماليين ... أليس لدى أمة العرب كلها من المحيط إلى الخليج مثل هذا الميل فـ(اتفقت على أن لا تتفق) وأراضيها محتلة من جزيرة ليلى في المغرب إلى أبو موسى والطنبتين الكبرى والصغرى مرورا بفلسطين والجولان ...؟ هذا عن الحاضر أما الماضي فلا نتحدث عنه لكي لا نكتشف أن نزعة الخلاف المتأصلة في الشخصية العراقية هي التي ضيعت الأندلس !
2- ويكتب أيضا ((هم الذين لدرجة أنهم ما اتفقوا على واحد من بينهم يكون ملكا عليهم فاستوردوا لهم ملكا يحكمهم؟! ...)).
هنا يبدو بوضوح أن الدكتور مصر على (حقائقه) ، وغير مهتم بوقائع التأريخ ، التي تذكر إن فيصل بن الشريف حسين – الحجازي- قد تعامل مع الإنكليز وعينوه ملكا على سوريا قبل أن يطرده الفرنسيين ، ليعود الإنكليز وينصبوه ملكا على العراق ؟ فلماذا – إن صح أن العراقيين هم الذين جلبوه ، وليس المساومات وألاعيب الإنكليز والوضع الدولي والعراقي آنذاك – هذا الحكم الجائر بحق العراقيين ؟ خاصة وهناك مقولة شائعة مفادها إن فيصل كان مناسبا للشام وليس للعراق ؟ ثم ألم يستورد الأردنيون ملكهم من نفس العائلة !؟
وبالمناسبة فإن السويديين كانوا قد طلبوا من نابليون بونابرت أن يبعث لهم شخصا من عائلته ليكون ملكا على السويد ، فبعث لهم جان باتيست برنادوت ليكون وليا للعهد ثم ملكا للسويد عام 1810 ، وأحفاده يتوارثون عرش السويد إلى اليوم .
3- ثم (( ويندر أنهم حلّوا خلافاتهم بالتفاهم فكانوا أول من قام بانقلاب عسكري في المنطقة(1936) .. وأبشع من قتلوا ملوكهم ومثلّوا بجثثهم .. ثم صاروا يترحمون عليهم .. وما اتفقوا حتى على عبد الكريم قاسم الذي قتلوه ولم يجدوا بجيبه ما يساوي دينارا واحدا!)).
غريب هذا الإصرار من رجل علم أكاديمي يكتب ويقدم للقارئ افتراضات متعجلة عامة يسّوقها على إنها حقائق علمية ، والطامة الكبرى إنه بهذا المنهج يبرئ البعثيين ، الذين أشاعوا نهج العنف في الشارع وكان ولا يزال علامة فارقة لهم في المعارضة والسلطة ، من جريمة قتل الشهيد عبد الكريم قاسم ، ويحمّلها للعراقيين ، هكذا عامي شامي ، ليساوي بين الضحية والجلاد !
4- وبعد أن ينتهي من ذكر (حقائقه) ، يكتب ((لقد تحريت ذلك فوجدت أن أحد أسباب هذه (العلّة) تعود إلى أسلافنا السومريين ومن تلاهم .))
ولا نعرف ما الذي دعا الأستاذ قاسم إلى الذهاب بعيدا ؟ وهو الذي كتب في كتاب (علي الوردي والمشروع العراقي) ، موضوعا بعنوان : نظرية الوردي لم تعد صالحة ، جاء فيه ((... لقد كانت تحليلات الوردي ممتعة ومدهشة ، وستبقى تراثاً فكرياً رائداً ..... غير أن الفاصل الزمني بين ما عليه الشخصية العراقية الآن وما كانت عليه قبل نصف قرن ، وطبيعة الأحداث الكارثية التي شهدها العراقيون في العقود الأربعة الأخيرة ، تجعل الأسباب التي عزاها الوردي للعنف في الشخصية العراقية تتراجع لصالح أسباب أخرى أقوى وأشد تأثيرا )) . ثم يستمر فيشير إلى السبب (( إن البذرة الولاّدة للعنف في الشخصية العراقية – التي نتجرع ثمارها القاتلة الآن – زرعت في أرض المشهد الكربلائي عام 61 هجرية ... ويجمع المؤرخون على أن الشعب العراقي ومنذ المشهد الكربلائي ، تعرض إلى ظلم واستبداد وجور لم يتعرض لمثلها شعب آخر . وإن السلطة ظلت تطحنه أكثر من ألف وثلاثمائة سنة ، وكان أن توزع العراقيون بين حامل للسلاح محارب للسلطة ، وبين منافق مداهن متملق لها ، وبين "الياخذ أمي يصير عمي" وبين عاجز يائس )) . وهذا المقال وغيره للأستاذ قاسم في الكتاب المذكور يتحرك في نفس هذا الاتجاه فما الذي حصل ليغير وجهة نظره ويتحدث عن العراقيين كشخصيات محنطة لا تتأثر بالظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ؟
5- والأستاذ قاسم يستشهد ، بصواب ، بما كتبه الجاحظ ((ونجد لدى الجاحظ تفسيرا لطيفا فيه بعد سيكولوجي للشخصية العراقية بقوله : " والعلة في عصيان أهل العراق على الأمراء .... أن أهل العراق أهل نظر وذو فطن ثاقبة ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث ، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء ... وما زال العراق موصوفا أهله بقلة الطاعة والشقاق على أولي الرئاسة" )) وهذا ما يذكره الأستاذ قاسم ولكن هذه المرة بصياغة تخدم توجهه في مقاله الحالي فيكتب (( غير إن الاختلاف فيما بينهم كان سببا للإبداع على صعيد الفكر ...)) .
6- ثم يكتب ((ومع إن البعض يفسّر بقاء وحدة العراق بقوة الشعور بالمواطنة بين العراقيين، إلا أن السبب الخفي (المنسي) يعود إلى الطبيعة . إذ تحدّه من الشرق جبال زاكروس ، ومن الشمال جبال أرمينيا ومن الغرب البادية السورية ومن الجنوب الخليج العربي .. وبها صار محصّنا جغرافيا .. وأن تفتيت وحدته إلى دويلات يفضي إلى حرب حتمية تغير فيها دويلات الصحراء على دويلات النفط .. تنتهي بعد سفك الدماء كالعادة ! إلى اقتناع العراقيين جميعا بأن لا استقرار ولا حياة هانئة ولا ازدهار في وطن ، يمكن أن يكون جنة الله في الأرض ، إلا بوحدة عراقهم ..))
ويبدو هنا بوضوح أن الأستاذ قاسم قد تراجع عن هذا الذي كتبه سابقا (( ومع احترامنا للشعوب فإننا نعتقد أن لا منصف يعترض إذا قلنا لو أن ما أصاب الشعب العراقي أصاب شعبا آخر لكان في حال آخر لا كما عليه العراقيون الآن الذين يصرون ، برغم ما حصل لهم من فواجع ، على بقاء العراق موحداً وكأنهم يرون أن العراق قلبهم إذا قطّعوه ماتوا بموته ! )) فماذا عدا مما بدا لتتحول المحافظة على وحدة العراق من إصرار العراقيون إلى طبيعة حدوده الجغرافية والسياسية ؟
7- وكما يبدأ الأستاذ قاسم مقاله بالوراثة ، فانه يختمه بنفس الطريقة فيطلب كضمان لوحدة العراق والعراقيين ((أن تكون جينات من يتولى السلطة ، مرنة في ترويض نزعة الاختلاف الموروثة عن أسلافنا !)) . وفات الأستاذ أن يخبرنا كيف نفحص جينات هذا الذي يتولى السلطة ، ونحن غير قادرون على فحص السيارات المفخخة التي استوردنا لها أجهزة غير صالحة ، مصابة بعطب الضمير !؟

إن الإنسان العراقي يتميز بالخلق والإبداع ، ولكنه ، كما يشير الأستاذ بصواب ، واجه على مر تاريخه وحاضره ظروف صعبة وقاسية ، من بينها البداوة والاستبداد ، شوهت ثقافته ومسخت شخصيته وغلّبت الجانب والسمات السلبية فيها . ولا ضمانة لاستعادة هذا الإنسان والمجتمع العراقي لعافيته وتطوره ودوره الذي يليق به إلا بالتخلص من قيم البداوة وثقافة الإستبداد ، وبنشر التعليم واحترام العلم والعقل والعمل ، وتطور وترّسخ النظام الديمقراطي الذي يحترم الإنسان وحريته وكرامته . وهذا من مسؤولية العقل والمنظومة السياسية والثقافية العراقية ، ومنها الدكتور والأستاذ الفاضل قاسم حسين ... فلكل منا دور وعليه مسؤولية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي