الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابو عمار.. باقٍ معنا وفينا

ريما كتانة نزال

2010 / 11 / 14
القضية الفلسطينية



أبو عمار..باقٍ فينا ومعنا
لن أدعي أنني عرفت "أبو عمار" عن قرب، ومحدودة هي المرات التي جمعتني به مساحة واحدة، وهي المساحة المتاحة عادة للاجتماعات الفلسطينية التي يطلق عليها أحيانا من باب التندر المحبب لدى الوسط السياسي :من يحضر السوق يمكنه التسوق"...وفضاءات أخرى جمعتنا لدى استقبالنا له في زياراته للمحافظات، أو في إطار الوفود التي ما فتأت تؤم مبنى المقاطعة في المناسبات والأعياد أو حتى في الأزمات، لأننا رئيسا وشعبا لا نشعر بفلسطينيتنا وأصالتنا إلا خارج النص البروتوكولي. فالرئيس الذي يتراوح وقته ومهماته بين استقبال الوفود الرسمية وتوقيع المراسيم والقرارات الكبير والصغيرة؛ وبين استقبال الناس والاستماع لمطالبهم وشكواهم من جهة، والالتقاء مع الجماهير والهتاف معهم وبهم لفلسطين، سيموج جسده فوق بحر الدمع، ويقود المشيعين خارج السطر على طريقته الارتجالية على إيقاع الأنين والشهقات.
للصدفة المحضة أصبح لدي حكايتي الصغيرة مع الرئيس، وهي من النوع التي من الممكن ان يمتلكها آلاف الأشخاص غيري بسبب طبيعة رئيسنا الحميمة والخاصة. في اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني في نهاية التسعينات، شاهدته يتقدم من نهاية القاعة المطلة على بحر غزة نحوي بعد انتهاء الاجتماع، أبعدت الفكرة من انه يقصدني، لكنه اقترب وصافحني وارتبكت لدى رفعه يدي لتقبيلها، قاومت خجلا والتباسا، ومن ثم تماسكت بتشجيع من المحيطين به وبي..وقبل يدي ..
أبو عمار ليس من القادة الذين يمرون دون ان يحس او يشعر العالم بهم، بل من القادة الذين يسجل تاريخهم ارتباطهم العميق والعضوي بتاريخ وطنهم وشعبهم، حيث اقترن اسمه بالثورة والقضية الفلسطينية وتراثها وتاريخها ومأساة شعبها، وحمل قسمات وملامح وجه شعبه بما يشبه الظاهرة التي لا تفك أسرارها دفعة واحدة، وكأنه النص السهل الممتنع الذي لا يتكرر، ولا فكاك للذاكرة منه. فهو الزعيم الذي صنع التماهي في المسافة بين التمثيل الشرعي الوحيد للمؤسسة الفلسطينية وبينه، باعتبارهما كلا واحدا الى الأبد.
جميعنا عرفه بشكل او بآخر، فالكل الفلسطيني من الشهداء والأسرى والأطفال والنساء والشباب، سيختلف من الأقرب اليه، وسيجد الجميع المبرر لروايته، فالرئيس لم يتوقف عن الدخول يوميا إلى بيوت الفلسطينيين لمدة تنوف عن الأربعين عاما. الكل منا لديه انطباعه الخاص عن تفاصيل شخصيته، تتشكل من القصص المروية
التي يتم التداول بها. نظام وأسلوب عمله الفريد، البدلة العسكرية التي تبدو وكأنها تلتصق بجلده، توقيعه المنفرد صانع الشرعية وملبي الأماني او مبددها، جمله المأثورة والمتكررة ذات المقاصد والمعاني. خطاباته
النارية والكاشفة والمعاتبة التي تصل إلى أصحابها ببساطة وسهولة سواء التي تخلق الحيرة والقلق والمخاطر، او تلك التي تنشر الأمان والهدوء، وفي النهاية فان "الختيار" يتنقل ما بين منزلتين في الوعي
العفوي والتلقائي لدى الفلسطينيين، أحداها في مكانة الرسل والقديسين، وأخرى تضعه على الأرض بين البشر، حيث ُيهدًد ويحاصَر وُيمنع من التجول ويجوع ويعاقب جماعيا مع الناس.
يستحق "أبو عمار" ان يأخذ صفة الظاهرة دون منازع عن باقي القادة الفلسطينيين سواء من فتح او غيرها من الفصائل؛ على الرغم من ان بعضهم يتفوق عليه في قوة الخطاب والفكر. ويستحق أن نطلق عليه لقب المؤسس، وهو من يليق به وبجدارة لقب أبو الوطنية الفلسطينية دون منازع، حيث استطاع ان يقود بناء الكيانية الوطنية الفلسطينية الواقعية الجديدة، ونقل مع رفاقه واخوانه من الكل الوطني القضية الفلسطينية من قضية محلية إلى قضية تكتسب التأييد والتضامن والإجماع على المستويين الدولي والإقليمي؛ مثلما استطاع ومن خلال برنامج منظمة التحرير الفلسطينية أن يحافظ على الهوية الوطنية الخاصة من الضياع والطمس، وأن يوحد الألوان المتعددة في جبهة وطنية موحدة تتسع للجميع، ومن خلالها تم تحقيق اختراقات دولية واعة الافق.
ما يحزن ان نظرية ديمقراطية غابة البنادق سقطت بعد غياب "ابو عمار"، وما يدمي القلب والضمير الوطني ان بعض البنادق قد ارتدت واغتربت عن ذاتها. وهنا ربما السؤال الذي يطرح على ألسنة الكثير من الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم ومسمياتهم ، هل الانقسام سيحصل كقدر مقسوم لو بقي ابو عمار على قيد الحياة..؟
يبقى السؤال بلا إجابة قاطعة، لكن المثير في الأمر انه وبعد ان غيب الموت القائد الفذ "ابو عمار"؛ اعتقد البعض ان الانتخابات التي جاءت كاستحقاق دستوري قد تأتي بتغيير في لبنات النظام السياسي، لكن التغيير المأمول لم يحصل.. بل ما حصل هو ارتداد مخيب للآمال لا زالت فصوله متواصلة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي