الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسلسلات الرمضانية لهذا العام.. الدراما العراقية لم تعد عراقية.. لماذا..؟ ( 3)

قاسم علوان

2010 / 11 / 21
الادب والفن


(اعلان حالة حب) اعلان حالة الحرب..
من الاعمال المهمة التي عرضت هذا العام مسلسل (اعلان حالة حب) وهو من تأليف الكاتب العراقي احمد هاتف واخراج حسن حسني، وكان من المفترض ان تدور احداث هذا العمل الدرامي بين بغداد وضواحي مدينة الموصل، لكن صورت جميع المشاهد فيه في سوريا، وبالتالي افتقرنا ايضا الى البيئة المحلية وإيحائاتها في تعمبق حالة الجو العام الذي تفترضه الدراما التلفزيونية كما هو الحال في جميع المسلسلات الاخرى..
لقد اراد المؤلف في نصه ان يعالج الوضع السياسي العراقي الحالي وبشكل خاص قبل الانتخابات الاخيرة ليبرز ظاهرة الخلافات السياسية القائمة بين الاحزاب والكتل السياسية وانتمائاتها الطائفية الى حدالإقتتال، هذه الخلافات التي شكلت خلفية الحرب التي كادت ان تشتعل في العراق.. ولكن كل هذا بدون مسميات مباشرة بل بالاستعانة باسماء اخرى غير واقعية، فجائت تلك الحوارات وكل ذلك الجدل والاختلاف بين المواقف عبارة عن تهويمات وكلام انشائي كأنه لايعني ولا يمس احدا.. وهذا هو حال الجدل السياسي اذا لم يسم الأشياء بمسمياتها الحقيقية والمباشرة.. اذ يصبح مثل هذا الكلام اشبه بالالغاز الصعبة ومن ثم المملة.. ولم نستطع كمشاهدين ان نلمس الأشياء بشكل محسوس ونتعرف على اطراف تلك الخلافات وبعض من حقيقتها التي هي احيانا مسلحة إلا بعد منتصف المسلسل، وتحديدا بعد محاولة يسار بان يخطب يارا.. اما قبل ذلك فقد كانت الحوارات بين الفرقاء السياسيين او بين السياسيين داخل الكتلة الواحدة غير مفهومة ابدا.. لاينكر ان تناول هذه الموضوعة من وجهة نظر نقدية سياسية اجتماعية غاية في الاهمية في هذه الفترة بهدف الكشف عن حقيقة تلك الخصومات التي يعيش الجميع في ظلها.. رغم اتفاقنا مع الكاتب في صعوبة تسمية المسميات السياسية باسمائها الحقيقية في ظل الواقع الراهن.. وهذا ليس عيبا في هذه الدراما.. لكنها اشكالية التعامل في هذا الحقل..
الجامعة التي تدور فيها احداث مشاهد كثيرة من المسلسل وهي مكان رئيسي فيه.. فقد كانت للأسف اشبه بمكان للنزهة لدى الطلبة.. فلم تدخل الكاميرا الى قاعة المحاضرات سوى مرتين قصيرتين جدا.. كما لم يجر ذكر للمحاضرات على ألسنة الطلبة سوى مرات قليلة جدا.. اما بقية الزمن داخل اروقة الجامعة التي هي ليست عراقية طبعا فهي فقط للغزل وقضاء الوقت والنزهة، او ليخرج الطالب او الطالبة وقتما يشاء من الحرم الجامعي.. وهذه الظاهرة تتكرر في جميع المسلسلات الاخرى التي فيها مشاهد داخل الجامعة..
أتسمت مشاهد هذا المسلسل بالطول ومن ثم الإيقاع البطيء وبشكل خاص الحلقات الأولى منه، وبشكل خاص ايضا مشاهد النقاشات والجدل بين السياسيين كما اشرنا.. نعم ظهرت في المسلسل طاقات تمثيلية شابة مميزة.. مثلا ميار الجزائري التي مثلت دور يارا وكذلك الشاب علي عبد الحميد الذي مثل دور يسار، اما البقية فقد وقعوا في فخ تكرار ظهورهم في مسلسلات اخرى..
مشهد الختام في هذه الدراما التلفزيونية لا ينتمي الى هذا الصنف من الدراما.. فهو أقرب لتركيب المشهد المسرحي منه الى الدرامي التلفزيوني.. المشهد المسرحي رغم انتمائه للدراما ايضا غير انه يميل الى التركيز والتكثيف واحيانا الى الترميز والتجريد.. او لبث الافكار المجردة التي نحاول ان نجد لها صورة رمزية او مقاربة.. وهذا ما شاهدناه في ذلك المشهد عندما تحاول شقيقة يسار وزوجها إنقاذ ابن يسار بعد قتل امه وابيه ونقله الى بيتهما.. في ذلك الكمين المخصص اصلا لقتل الطفل.. قتقتل المرأة والطفل بين يديها وزوجها يصرخ بوجه القاتل ـ القناص الذي يحتل نافذة في الاعلى (يكفي قتل.. يكفي قتل) هكذا تنتهي هذه الدراما.. فعلا ان هذا العمل الذي اريد له ان ينبني على فكرة إدانة القتل والجرائم الاخرى المنظمة بسبب اختلاف المواقف والآراء السياسية.. ولكن ماكان يفترض لهذا العمل ان ينتهي بهذا الشكل الرمزي المسرحي المجرد..
حي (السيدة زينب) في الدراما العراقية
سنضطر هنا للمقارنة بين المشهد المذكور اعلاه وبين مشهد الختام في مسلسل (السيدة) فقد كان مشهدا قريبا جدا من السينما التي هي ربيبة التلفزيون وأقرب له من المسرح تحديدا.. فبعد اعتراف عبدالرزاق في خاتمة حياته وهو عميل الأمن السابق ودوره في تصفية ناس كثر ابرياء يوثق المسلسل بالكتابة والصورة (بان تحتل الكتابة او الوثيقة الجانب الايمن من الصورة التي يجري التعليق عليها من خارج الكادر) إدانة كل من تورط في قتل العراقيين الأبرياء في زمن النظام السابق او سرقة المال العام في الوقت الحالي.. وهذا التركيب ما ينتمي الى ثقافة الصورة لا الانتماء الى الفكر المجرد او الترميز كما هو المسرح..
هنا يدخل مسلسل (السيدة) حيز الدراما العراقية بقوة مبررة.. فهو اعتبارا من رفعه يافطة العنوان يقول بشكل مباشر ان احداثه تدور خارج العراق ولكن داخل المجتمع العراقي (المؤقت) في حي السيدة زينب في الشام بعد عام 2003.. هذا المجتمع الغير متجانس، المتنوع الأهواء والاهداف.. كتب النص له الكاتب العراقي المبدع حامد المالكي واخرجه السوري غزوان بريدجان ومثل فيه مجموعة من الممثلين العراقيين يتقدمهم بهجت الجبوري بتلقائيته المتميزة كما عهدناه وكأنه لايمثل ابدا.. وآخرين تكرر حضورهم في مسلسلات أخرى.. وكذلك من سوريا النجمة المتألقة دائما منى واصف والمتواضعة ايضا التي مثلت دور زوجة الحاج نعمة وآخرين من سوريا ايضا..
في هذا العمل الدرامي المتميز تعمد حامد المالكي الى تركيب حبكته من مجموعة ثيم مختلفة ومتنوعة بتنوع ذلك المجتمع العراقي المقيم في ذلك المكان وتنوع تلك المصائر والاهداف، وهذا ماساعد تلك الدراما ان تنتقل بسهولة من ثيمة الى اخرى دون صعوبة تذكر، ان هذه المصائر العراقية المتنوعة والتي يقترب بعضها من التراجيديا احيانا تبدو فعلا انها دخلت نسيج هذه الدراما بعفوية.. لكن براعة الكاتب واختياره لبعضها منحها هذا الحيز من الشد والتشويق وكذلك من لفت الانتباه والاعجاب.. كما ساعده هذا التنوع والاختلاف في صياغة سلوك شخصياته.. فتركبت بشكل ابعد ما يكون عن النمطية والجاهزية.. مثل شخصية الحاج نعمة التي مثلها بهجت الجبوري فهو قد هاجر الى سوريا منذ السبعينات هربا من بطش النظام وتزوج هناك وكون أسرة واشتغل بالتجارة.. وشخصية عليوي التي مثلها جواد الشكرجي الذي هو اشبه بالمجنون الذي فقد اولاده الاربع غرقا في البحر وهم في طريقهم للهجرة هربا من العراق، وشخصية المترجمة مثلتها ألاء حسين التي عملت مع القوات الأمريكية في العراق بعد الاحتلال، ثم اتهام تلك القوات لها بالتعاون مع احدى الميلشيات المسلحة بعد اعتراف جار لها يعمل في تلك الميليشيا كانت قد اعتقلته القوات الامريكية.. بانها كانت تتعاون معهم وتوصل لهم معلومات عن تحرك تلك القوات..!! وهذا الشخص كان قد تحرش بها جنسيا سابقا ولم تستجب له.. ومن ثم اعتقالها واطلاق سراحها بعد ذلك لعدم كفاية الادلة وتسريحها من الخدمة وهروبها الى سوريا بهدف الهجرة الى امريكا.. وكذلك شخصية عبدالرزاق الموجود في بغداد التي مثلها مهدي الحسيني صديق وسام شقيق حاج نعمة.. وهو الذي اوقع به في حبائل مديرية الامن العامة ومن ثم اعدامه.. هذه الشخصيات اشبه ما تكون بالشخصيات المدورة بحسب تعبير الناقد اريك بنتلي.. فهي ليست نماذج او انماط جاهزة نعثر عليها دائما في الاعمال الدرامية الاخرى..

وظيفة المكان في الدراما
هناك اعمالا درامية عراقية اخرى عرضت لانريد ان نتطرق لها لاسباب مختلفة.. ربما لانها لاتستحق ان نقف عندها..
انطلاقا من الفكرة التي تحدثنا بها آنفا في تقويمنا للدراما العراقية التي قدمت في هذا الموسم (شهر رمضان المبارك) وكأن هذا الشهر فقط هو الذي يستحق ان نقدم فيه اعمالا درامية جديدة..!! وهي فكرة المكان الذي صورت فيه احداث تلك الاعمال الدرامية، وقد نفينا عنها الهوية العراقية باعتبار اننا لم نر مكانا عراقيا او اية بيئة محلية تدور فيه احداثها حتى لو كانت بيئة ملفقة او مركبة..
لابد ان نشير في البداية الى ان نظرية المكان في السينما هي نفسها التي تنطبق في الدراما التلفزيونية باعتبار ان الاشتغال في هذين الحقلين يعتمدان على وظيفة الصورة او اللقطة ومحتوياتها واحجامها، وبالتالي فان مفهوم المكان هنا هو مطلق وهو الذي يحدد مفهوم الزمان النسبي، اي ان الزمان هو الذي يخضع للمكان المطلق اي المكان الذي تصوره الكاميرا.. بالعكس من هذه النظرية العمل في المسرح، ففي هذا الفن الدرامي ايضا الزمان النسبي هو الذي يحدد صفة المكان النسبي، باعتبار ان هذا الاخير يخضع للتلفيق او اعادة التركيب المتفق عليه مسبقا بين العاملين في المسرح والمشاهدين (من ناحية بناء المنظر المسرحي) وكلاهما ملفقين اي الزمان والمكان على خشبة المسرح فهما نسبيين.. وبالتالي فان العمل في كل من الدراما التلفزيونية والسينمائية فيما يخص وظيفة المكان يجب ان تتخلى تماما عن صفة التلفيق المفضوح في افتراض المشاهد اوبنائها.. فالمتلقي يريد ان يرى المكان المفترض نفسه الذي تدور فيه الأحداث بغض النظر اذا كان مركبا مجددا او وثائقيا.. يريد ان يشاهد بيتا حقيقيا من الصفيح في مدينة الناصرية، وكذلك يريد ان يرى زقاقا في محلة قنبر علي، ويريد ان يرى شوارعا في بغداد، وكذلك اروقة الجامعات العراقية.. او مناظرا في اهوار جنوب العراق.. المتلقي هنا غير معني بخوف العاملين في تلك المسلسلات من الظرف الامني في العراق.. فعليهم اما ان يبنوا مناظرا شبيه تماما لما هو في العراق من بيئة محلية بكل تفاصيلها ونكهتها او ان يكفوا عن هذا التلفيق المفترض والغير مبرر دراميا وغير مقنع بالمرة.. ما معنى ان تحمل امراة عراقية دمية على انها طفلا مع صوت يبكي من خارج الكادر وهي تقطع احد الغابات راجلة في طريق هروبها او هجرتها نحو اوربا مع مهربين كما ظهر ذلك في احد تلك الاعمال..؟ هل المشاهد العراقي غبي الى هذه الدرجة.. ام هم العاملون في ذلك المسلسل..؟ لماذا هذه السهولة الغير مسبقة في التعامل مع وظيفة المكان والأشياء الافتراضية الاخرى (الدمية ـ الطفل) في الدراما العراقية..؟ ظهر احد المخرجين السوريين وهو غزوان بريدجان في لقاء تلفزيوني معه وتحديدا في احتفالية احدى تلك القنوات التي انتجت بعض من تلك المسلسلات وقال بالحرف الواحد.. (عرض عليه مسلسل عراقي لغرض اخراجة.. فاعترض على اختيار أماكن التصوير.. فرد عليه ممثل الجهة المنتجة بانه مسلسل عراقي...!!) هل يمكن ان تتطور الدراما العراقية خارج العراق بهذا الشكل من الاستهانة بها او بأماكن التصوير التي تحتاجها..؟ كل هذا وهناك من يظهر في تلك القنوات التي تبنت تلك الانتاجات ويتبجح بالقول بان الدراما العراقية تطورت...!! نعم ربما هناك تطور في مستوى بعض النصوص ولكن ليس في مستوى التنفيذ كما شاهدنا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا